إعلان

"المُجند".. سايح في دمه - (بروفايل)

07:35 م السبت 28 نوفمبر 2015

صورة لمجند الأمن المركزي المصاب داخل سيارة الشرطة

كتب - محمد الصاوي:

طلقات رصاص خرجت من فوهة السلاح، استقرت داخل الجسد، أسكنته، بعد أن كان مُتحركًا بالروح، الزملاء يهرعون صوب زملاؤهم المصابين، يُلملمون ما سقط منهم، يوضع الجسد على نقالة طبية، ويظل ما تبقى منهم داخل صندوق "البوكس"، حيث كان حراستهم، يقف مُجند آخر بعينين اغرورقت بالدموع، ينظر إلى ما تبقى منهم، فيجد ما تبقى منهم "باريه" الخدمة، وقطع من القماش بيضاء مُلطخة بدمائهم الذكية.. ينظر مرة أخرى، مُتسمرًا، لا يشعر حتى بالدموع التي تسيل على وجنتاه لتكون أخدودًا على وجهه.

لا تُفرق الطلقات بين مُجند يرتدي زيًا عسكريًا تابع للقوات المُسلحة، أو زيًا آخر تابعًا لقطاع الأمن المركزي أو لوزارة الداخلية بشكل عام، هو "المجند" لا يُفكر سوى في سنين الخدمة المُتبقية من خدمته، وهو "الإرهابي" لا يُفكر سوى في كيف تقوم الطلقات الخارجة من سلاحه بفتلك أجسادهم، هو "المجند" في الجنة، وهو "الإرهابي" في النار.

بعينين اغرورقت بالدموع، وقف بجوار جثة زميله وتأمل "البوكس" الذي مازال يعج بدماء "دفعته" في التجنيد، يلمح في اسفلها ما تبقى له من واقع اصبح الآن فقط ذكريات، فيرى "باريه" الخدمة، وغطاء بسيط كان يستقوي به على برد الشتاء القارص، اصبح الأن غطاء لجثة ماتت غدرًا، غير مصدق لما حدث لدفعته الذي كان يقف معه منذ ساعات قبل أن يخرج لاستلام خدمته في الكمين.

يقف الجندي مُتذكرًا ما قاله له وهو يحدثه عن أمنيته في انتهاء الخدمة لاستكمال مشروع زواجه بالريف، لمعة عينيه وفرحته المبالغ فيها عندما هاتفه والده وأخبره بانتهاء اعمال التشطيب وتجهيز غرفة زواجه بـ"الدوار"، حينها قرر أن يعزمه على كوباية شاي على "التقريشة" فمرتبه من الدولة انتهى قبل منتصف الشهر، لكن الخبر الذي سمعه للتو، يستحق اقتطاع مبلغ من الشهر القادم "حلاوة" لزميله "وش الخير عليه".

مازال عقله لا يستطيع تصديق مقتل زميله، يستعصي قلبه على قبول "الحكاية"، ويحاول خداع عينيه وإقناعها بعدم مصداقية المشهد، كان معي منذ ساعات صلينا الفجر معًا، وذهب ليستلم سلاحه، وهرول إلى الخدمة.

سيارة تدخل الكمين، فيأمره الضابط بتفتيشها، فيقبل "المجند" على السيارة في حرج "بعد اذنك يا باشا افتح الشنطة"، يتحمل ويعد الوقت حتى يعود في إجازة لـ "أمه" لتزيل هموم قد أوغلت، وعزة نفس كسرتها الأوامر العسكرية.

يُحدق إلى جثة "دفعته" ويحاول إيجاد مبرر لقتل "الفلاح" البسيط بهذه البشاعة والخيانة والقسوة، ولسان حاله "ماذا اقترفنا لنستحق هذه النهاية؟"، كلما تذكر كلمات والدة صديقه حينما زارهم في بيتهم البسيط، تجهش عيناه بالبكاء، فقد أوصته في آخر إجازة مضت قائلة "يا ولدي خد بالك من اخوك.. انتوا الاتنين ملكُمش غير بعض وربنا حامي الغلابة"، كيف سيعود ويدخل بلدته وحيدًا دون صديق عمره، كيف ستقابل عيناه عين أم صديقه وقد خالف عهده لها بالعودة إلى بلدتهم وحيدًا؟، كيف تركه يموت بمفرده دون صديق يلقنه الشهادة، ويؤازره في زفرات الموت؟.. أخويا المُجند سايح في دمه، ولن يستطيع الإجابة.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان