لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

نوستالجيا

الكاتب محمد الصفتي

نوستالجيا

10:51 ص الإثنين 24 نوفمبر 2014

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم - محمد الصفتي

تتساقط الأيام كما أوراق الأشجار وكأنما صارت أيام العام جميعها خريفًا.. يجري العمر بمن كانوا بالأمس شبابًا تحدوهم الأماني، فتلتمع شعيرات بيضاء على جوانب الرؤوس، وتهدأ الطموحات فلا تصير النجوم ملاذًا للأحلام. تغدو الحياة غريبةً في كثيرٍ من مناحيها، وتختلف الرؤى، وتختلّ الموازين في العيون فتصبح مباهج الأمس سرابًا، وتحتشد الأحلام المؤجلة لتصير أهدافًا ضاقت مهلتها، ويستعر الشوق لماضٍ قريبٍ لم تعد تفاصيله ملاك اليد ولا رأي العين. يحتل الكيان (نوستالجيا) وحنينٌ كاسحٌ لكل ما يجافي الواقع المقبض الكئيب.

قد يليق ما سبق من خواطر بمن تعدّت أعمارهم ريعان الشباب، وباتوا على أعتاب الكهولة، ولكن ماذا حدث؟ هل أصبح الشيب يخادعنا فيحتل رؤوسًا مازالت تحيا شبابها الغض؟ هل تسارعت الأيام فبلغ الشباب كهولةً لم تبلغها أعمارهم بعد؟ لم أكن أعجب من سيطرة حالة النوستالجيا (الحنين للماضي) على من تعدّاهم شباب العمر، فهفت نفوسهم لما فات ولن يعود، تخطئهم صيحات العصر ونزق الشباب، فيقودهم الحنين لأيامٍ كانوا فيها شبابًا يملكون نواصي الأحلام، فيبحثون عن أغانيهم الأثيرة، بل وإعلانات التلفزيون التي كانوا يرددونها جميعًا أيام لم تكن هناك مئات من القنوات الفضائية الحافلة بكل جديد يوميًّا. ولكن ما لفت انتباهي تلك الأيام أنّ حالة النوستالجيا صارت تسيطر على أجيال لم تتخطّ العشرينات بعد! فتجد مواقع التواصل الاجتماعي وبرامج التلفزيون والإذاعة الجماهيرية حافلة بأغاني فترة الثمانينات والتسعينات، وعديدٍ من الصور تُتداول بين الشباب لإعلانات منتجات شائعة في تلك الفترة التي كانوا فيها صغارًا يلهون لا شبابًا يحلمون بل ولم يكن بعضهم قد ولد فيها بعد! الأكثر إثارةً للعجب أنّ هذه الأجيال لا يتفق أكثرها قلبًا وقالبًا مع أوضاع البلاد في ذلك العصر حين كان نظام الرئيس مبارك يسيطر على مقدّرات الأمور، بل إن تلك الأجيال هي من ثارت على ذلك النظام وألقت باللوم العنيف على من كانوا شبابًا في تلك الفترة، وصمتوا –فيما يرونه- على الظلم والفساد والفشل وتكميم الأفواه. تلك الحالة هي حالة غير مبررة – في رؤيتي- من الحنين لأوقات ليس من المفترض أن تكون هي الأفضل لتلك الأجيال.. هل من الممكن أن تكون تلك الحالة رفضًا لواقعٍ كئيب الظلال آلت إليه الأوضاع بعد أحلامٍ عظام ضلّت الطريق؟

ربما لا تكون تلك الحالة من الأهمية بمكان لدى الكثيرين، ولكنّي أقدّرها حقّ قدرها، ولا أرى من المبشّر أن تنجذب أجيال من المفترض أن تحمل إبداعاتها الخاصّة، وتحيا زمانها الخاص لزمانٍ لا تسمح أعمارهم الغضة وأحلامهم الطازجة بالحنين إليه. هل أصاب الشطط من يحملون رسالات الإبداع فأفرطوا في التغيير والتجريب حتى نفرت منهم أجيالهم ذاتها؟ أم أنّ الأمر يتعدّى ذلك ليصبح التفسير الأوفق هو سيادة حالة من الإحباط العام تخطّت هموم السياسة وانسحبت حتى لأوقات فراغ الشباب؟

من الظواهر التي تعزّز وجود تلك الحالة أيضًا سيادة فن الرواية على كافة أشكال الإبداع المكتوب الأخرى في السنوات الأخيرة، بالطبع لا تزعجني تلك الظاهرة، بل ويسعدني كثيرًا أن تظهر أجيال تملك اهتمامات وتقدّر القراءة، بعد أن عاش الإبداع المكتوب سنواتٍ طويلة من الركود والموات، ولكن من جانبٍ آخر نجد أنّ الرواية ضرب من الإبداع يتيح لقارئه أكثر من غيره من ضروب الكتابة ملاذًا آمنًا من الواقع، وفرصةً مطوّلةً لالتقاط الأنفاس والغرق في عالمٍ خياليٍّ موازٍ لفترة من الزمن! ما يثير مخاوفي فقط هو تعدّد أوجه الهروب من الواقع، والالتجاء لماضٍ أو خيال، وهو ما يعكس بالتأكيد إحباطًا ويأسًا غير محمودي العواقب لدى أجيالٍ من المفترض أن تحمل الأمل وتنير الطريق لما هو قادم!

أرجو أن أكون مخطئًا وأن تكون حالة النوستالجيا السائدة مجرّد حالة نوستالجيا سائدة دون مبررات، فرغم عدم اتفاقي مع الكثير من الشطط في أفكار وتوجهات الأجيال الجديدة الفائرة التي تلي جيلي مباشرةً، إلّا أنّني أرجو ألّا أرى ذلك الإحباط يغزو عيونهم اللامعة فيطفىء بريقها، ولا ذلك الهرب من الواقع وقد قتل الأمل في واقعٍ أفضل يجب أن يسود بأيديهم.

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة للاشتراك ...اضغط هنا

إعلان

إعلان

إعلان