مصراوي يحاور عدّاء الجزائر المُحطم للرقم العالمي في بارالمبياد 2016
حوار - إشراق أحمد:
بين 14 متسابقاً، بهدوء المتحدي اخترق عبد اللطيف بقة الصفوف، من الخلف أتى بعزيمة، قلب الآية بعد نحو 6 دقائق من سباق الجري لمسافة 1500 متر؛ كان العداء البرازيلي متصدرًا المشهد على أرضه في استاد ريو دي جانيرو، غير أن لـ"بقة" حلم أبى إلا أن يحققه، ليس فقط بحصوله على الميدالية الذهبية الأولى لبلده الجزائر في بارالمبياد 2016 بل تحطيم الرقم القياسي العالمي لكل مَن تسابق بمضمار هذه المسافة، وقبل تمام الدقيقة السابعة ثَبت صاحب الاثنين والعشرين ربيعا أقدامه على خط النهاية معلنًا كسر الرقم العالمي ليس في تاريخ العدائين ذوي القدرات الخاصة بل في الأولمبياد أو من يوصفون بـ"الأصحاء". 3 دقائق و48 ثانية تفوق بها "بقة" على العداء الأمريكي ماثيو سونترويتش الذي قطع المسافة ذاتها بأولمبيا ريو في 3 دقائق و50 ثانية، ليحقق ابن مدينة "العلمة" الجزائرية إنجازًا احتفى به العالم.
"مصراوي" حاور صاحب الانجاز التاريخي هاتفيًا من الجزائر، ليتحدث "بقة" عن مشواره مع الرياضة، مرضه بضعف البصر الذي جعله بين المتسابقين في بارلمبياد ريو التي أقيمت في الفترة من 7-18 سبتمبر، لحظة استقباله خبر تحطيمه للرقم العالمي وحصاده لأول ميدالية ذهبية للجزائر في الألعاب الأولمبية لهذا العام، كذلك عبر العداء الجزائري عن فرحته المنقوصة لعدم حصول توأمه المشارك في السباق على ميدالية، وحلمه المستمر بحصاد الميداليات والمشاركة في أولمبياد وبارالمبياد 2020.
- حدثنا عنك.. ماذا تدرس ومتي بدأت ممارسة الرياضة؟
اسمي عبد اللطيف بقة من مواليد عام 1994، عمري 22 عامًا، ـدرس بالمرحلة الثانوية، من مدينة العلمة ولاية سطيف بالجزائر.. بدأت المشوار مع الرياضة 2005. مارست الجري كهواية عادية، لكن في 2008 تابعت أولمبياد بكين وقررت أن أدخل في مستوى أعلى من مجرد الهواية، وأشارك في الألعاب العالمية والأولمبية، وبدأت أواظب على الرياضة بشكل دائم وجدي.
- ما الذي دفعك لممارسة رياضة العدو خصيصًا؟
أحب الجري بشكل عام، لكن لأني إنسان أهم شيء عنده الكفاح والإرادة وهو ما دفعني للتركيز على هدف واحد وثابت وهو الفوز بالميداليات.
- ما طبيعة مرضك بضعف البصر وما المختلف في سباق العدو بالبارالمبياد؟
أنا ضعيف البصر، يمكنني الرؤية لكن نظري "ناقص شوية" لهذا التحقت بالقسم t13 –ضعاف البصر-، إذ تنقسم مسابقات العدو بالبارلمبياد إلى ثلاث مجموعات، أولها t11 وتضم الأشخاص المكفوفين وهم من يحتاجون لمساعد أثناء الجري، ثم t12 الدرجة الأقل من الكفيف. لكن ليس هناك اختلاف بين سباقات البارالمبياد والأولمبياد أو "الأصحاء" إلا في "تكتيك" اللعب ليس أكثر.
- بماذا شعرت لحظة وصولك لخط النهاية في السباق الأخير؟
كأي رياضي يصل لخط النهاية كل ما يفكر به في هذه اللحظة فترات التحضير لهذا السباق، فقد فكرت في العام السابق وما به من تعب، وبالطبع كنت سعيد لكن سريعًا أصبحت مشتتًا لا أعرف هل أفرح أم أحزن، أحببت أن يحصد أخي أحد المراكز لكنه جاء بالمركز الرابع، لذا كانت الفرحة ناقصة.
- متي عرفت أنك حطمت الرقم العالمي والأوليمبي.. وماذا يمثل لك هذا؟
بعد انتهاء المنافسة؛ اتجهت لمدربي محمد براهيمي لأحضر علم الجزائر، فناداني قائلا بالفرنسية والإنجليزية رقم عالمي وميدالية ذهبية (world record and gold medal). في تلك اللحظة شعرت بالفخر والسعادة لتحقيق حلمي بكسر الرقم القياسي العالمي وليس فقط بلوغ المركز الأول، لكن كما قلت كانت فرحة بنسبة 80 % وليست كاملة.
- أنت وشقيقك فؤاد كنتما بالسباق معا فهل هذا المعتاد أم أنها المرة الأولى.. وكيف أثر وجوده عليك؟
بدأت ممارسة الرياضة مع شقيقي فؤاد، خضنا سباقات عديدة في الجزائر، لكنها المرة الأولى لنا معا في مسابقة عالمية.. التأثير كان في دعمنا لبعض، فكل منا كان يركز كثيرًا في السباق، وكانت الخطة بالاتفاق أن يقود هو السباق بعد 500 متر، ثم آخر 300 متر انطلق أنا وأحاول العبور وهو من بعدي حتى يتثنى لكل منا تحقيق ميدالية، فإن لم أوفق بالحصول على الذهبية حصدها هو.
- ماذا قال لك شقيقك بعد السباق؟
فرح كثيرًا، لكن في الوقت نفسه حزن لخروجه من المنافسة على المراكز الثلاثة، وقال لي إنه سيسعى لتحقيق مركز بالبارالمبياد القادمة.
- بالحديث عن "التكتيك". ببداية سباق البارالمبياد كنت في مرتبة متراجعة ثم تصدرت المشهد فهل هذه خطة تدريبية؟
نعم كانت خطة تدربت عليها، خاصة أني كنت ذاهب إلى البرازيل وليس ببالي إلا تحطيم الرقم القياسي وليس فقط الحصول على ميدالية ذهبية، وساعدني على ذلك أن "رتم" السباق كان ضعيف، فعند بلوغ مسافة 450-480 متر قررت زيادة "الرتم"، خاصة أني لم أرى أخي يتقدم السباق وهو ما كان متفق عليه، إذ قال لي "لو مطلعتش في 500 متر اطلع أنت"، وقد استطعت تجاوز الـ300 متر الأخيرة في نحو 40 ثانية فقط وهو ما اختبره خبراء الرياضة انجاز.
- ما أكثر المنافسين الذين وضعت لهم حساب قبل السباق؟
المنافس الكيني هنري كيروا الذي احتل المرتبة الثالثة لأننا في مستوى مقارب تقريبًا لكن التوفيق من عند ربي وبفضل دعاء والدىّ.
- ومن فاجأك مستواه في السباق؟
العداء الإثيوبي فاجئني بنسبة 100% ، وكذلك العداء المغربي عبد الإله مام الذي جاء بالمركز الأخير، فهو بطل عالمي، وتغلب علي في مسابقة العالمية بقطر 2015 لذا اندهشت بأنه لم يحصل حتى على المرتبة السادسة أو السابعة إنما المركز الأخير.
- تعرقل أحد العدائيين البرازيليين في السباق كيف كان وقع هذا عليك؟
لمحت عرقلة العداء البرازيلي الذي كاد أن يتصدر السباق، لكن لم يؤثر عليّ فمثل هذه المواقف تحدث، لكن أعدت مشاهدة السباق، وعلمت أن البرازيلي وقع في خطأ، لأنه حينما أراد الخروج للتقدم فعل ذلك ضربة واحدة ولم يترك مسافة بينه والتونسي بلال همامي الذي قاد السباق في البداية، وفي قانون اللعبة لابد من ترك مسافة معينة بالخروج والدخول وكان قد شعر بالتعب غير أن زميله الأخر الذي كان يلاحقه أخبره أن يزود السرعة ليتصدر السباق، فحدثت العرقلة وفي مثل هذه المواقف يستطيع أي مرشح أن يُطاح به في أي لحظة.
- احكِ لنا عن ظروف تدريبك في الجزائر ووضع العدائين من ذوي القدرات الخاصة؟
كانت تدريبات قاسية، بالصباح والعشية انفذ البرنامج التدريبي الذي وضعه المدرب للوصول إلى المستوى المطلوب للمنافسة. أما عن وضع العدائين فهو بطبيعة الحال ليس كما الأوربيين، وإن كانت الدولة الجزائرية وفرت وسائل حتى يتم إعداد لاعبين أولمبيين، كما أنه ليس هناك اهتمام بلاعبي البرالمبياد حال الأولمبياد على مستوى القوانين والجانب الرسمي لكن وُعدنا من قبل وزير الرياضة أن يختلف الوضع الفترة المقبلة بالمساواة في المنحة المقدمة على سبيل المثال.
ماذا عن المتابعة الشعبية للبارالمبياد؟
كان هناك اهتمام ومتابعة كما أخبرني والدىّ بذلك بينما كانوا يتابعون البرالمبياد من خلال قناة النيل المصرية لتعذر إذاعتها بقنوات أخرى، وقد رأيت الاهتمام والمتابعة فيمن تواجد من مشجعين في المطار لحظو الوصول.
- ما الذي يمثله لك كونك صاحب الميدالية الذهبية الأولى للجزائر في بارالمبياد هذا العام؟
أشعر بالفخر لأن الجزائر كانت متعطشة لميدالية ذهبية في البارلمبياد، بعد انتهاء الألعاب الأولمبية بميداليتين فضيتين للعداء توفيق مخلوفي، فهي بالنسبة لي أحسن ميدالية وعزيزة علي جدًا.
- وماذا عن الميداليات السابقة قبل بارالمبياد ريو 2016؟
حصلت حتى الآن على 8 ميداليات، أخرهم الميدالية الذهبية بريو دي جانيرو، إلى جانب 4 ذهبيات أخرى إحداها في بارالمبياد لندن 2012 وكذلك 4 فضيات.
- صِف لنا مشهد استقبالك بالجزائر؟
كان استقبال كرئيس جمهورية، لم أكن أتوقعه؛ بمجرد أن نزلت المطار وجدت حشد من الناس، وعدد كبير من الوزراء، ورئيس اللجنة الأولمبية، كامل الشخصيات حضروا لتهنئتي عند الوصول.
- هل قابلت أحد من العدائين المتميزين أو تواصل أحدهم معك لتهنئتك بعد السباق؟
نعم هناك عدائين كبار مثل نور الدين مرسلي وحسيبة أبو المرقة أتوا إلى وهنئوني وشجعوني على مواصلة المشوار وكان شرف لي أن التقي بمثل هؤلاء.
- ماذا عن أقسى اللحظات التي مرت عليك قبل حصولك على الميدالية الذهبية؟
التدريب القاسي جدا لأكثر من 13 حصة في الأسبوع، حتى أنني كنت اتقيأ ما اتناوله بعد المجهود الكبير الذي بذلته في التدريب، وهي لحظات مرت عصيبة علىّ.
- وهل تعرضت لمحاولات إحباط أثرت عليك؟
أي رياضي مستواه عالي يقابل من يكسروه أكثر ممن يعاونوه، لكن هؤلاء بالنسبة لي كانوا يشجعوني على مواصلة الطريق، فأنا لا التفت للتربصات والكلام المحبط إنما أؤمن بالقدرة وبذل المجهود "ومعنديش حاجة صعبة"، فالتفكير في الصعوبات يؤدي إلى مزيد من الصعوبات في نظري.
- من مثلك الأعلى في الرياضة.. وبماذا تحلم على المستوى الشخصي وعلى مستوى رياضة العدو في الجزائر؟
مثلي الأعلى البطل العالمي والأوليمبي سيد قرني عيسى جبير وهو بطل قدم الكثير في تاريخ الرياضة بالجزائر. أما أحلامي فلي هدف ثابت أن اشارك في الألعاب الأولمبية والبارالمبية 2020 وقد وعدتني وزارة الرياضة فتوفير الإمكانيات لتحقيق هذا، فضلا عن الاحتفاظ بالرقم القياسي العالمي.
فيديو قد يعجبك: