محمد فوزي يرد على مهاجميه ويتوقع وفاته في رسائله
كتبت- منى الموجي وهدى الشيمي:
اعتاد محمد فوزي منذ دخوله حقل الإنتاج السينمائي والفن عموما، أن يبعث للجمهور رسائل يتحدث فيها عن هدفه من إنتاج الفيلم، ويؤكد في كل مرة أن همّه الأول هو تقديم فناً هادفاً، إرساءا لقاعدة واحدة هي أن مصر دولة رائدة في دروب الفن المتنوعة.
وظلت هذه العادة مصاحبة لمحمد فوزي، فيتحدث للجمهور عبر الجرائد والمجلات ليدفع عنه اتهامات وجهها البعض له، وحتى في أصعب اللحظات التي مر بها في ظل تجرعه لآلام مرضاً لعيناً نهش في عظمه، لكنه لم ينل أبدا من روحه المتفاءلة، رغم شعوره بدنو الأجل، فأرسل لمحبيه رسالة وداع ووصية حملت الوقت الذي رغب أن يُدفن فيه.
وفي هذا التقرير، ينشر "مصراوي" بعضا من رسائل فوزي لجمهوره..
حب جنون
حدد هدفه عند نزول ميدان الإنتاج السينمائي، وقرر أن يكون متفردًا، كما هو في كافة المجالات سواء المغنى أو التلحين، أو التمثيل، وهو ما أكد عليه في رسالته التي بعث بها لجمهوره عند طرح فيلمه الثاني "حب جنون"، قائلا "هذا هو إنتاجي الثاني حب وجنون، بذلت من نفسي وروحي وشبابي في سخاء لأوفر له كل أسباب النجاح، وتفضل صفوة من زملائي الفنانين بمعاونتي فيه حتى أصبح كما سترون على الشاشة البيضاء، إنتاجًا نظيفًا يشرق بالأمل البسّام فشكرًا لهم جميعًا، وشكرًا لله أولاً وأخيرًا على تسديد خطاي، وما اسبغ على منّ توفيق عميم.. إن حب وجنون يملأ ضميري راحة، واعتقد أنه سيملأ نفسك بالثقة في مجهودي المتواضع إن شاء الله".
ورد الغرام
وعند طرح فيلم "ورد الغرام"، وهو الفيلم العاشر الذي أنتجه فوزي، قال في رسالته للجمهور "حددت سياستي، وجعلت هدفي إرضاء الجماهير، عن طريق إرضاء فني بتقديم أفلام يتوفر فيها الفن السليم، واعتقد أنني استطعت أن أحقق هذه الرسالة فيما قدمته من أفلام كان أخرها فيلمي الحب في خطر، ونهاية قصة، ساهمت بها في النهوض بالسينما المصرية، وفيلم ورد الغرام ليس إلا حلقة جديدة من رسالتي السينمائية التي نهضت بأدائها في ثقة واطمئنان، والفيلم يعتبر لونًا جديدًا من الأفلام المصرية، فهو يروي قصة عاطفية تجمع المشاهد الشاعرية الرقيقة، والأغنيات الخفيفة والفكاهة الراقية التي تعتمد على الشخصيات وليست على الحوادث المفتعلة.. وقد حرصت على إنتاج ورد الغرام، إنتاجًا حققت به هدفي الذي جاهدت واجاهد نفسي في سبيله وهو الكمال الفني، وليس أدل على هذا من أنني اعتمدت في هذا الفيلم على باقة يافعة من زملائي الفنانين والفنيين، وفي مقدمتهم الفنانة الفاتنة ليلي مراد، والمخرج الموهوب بركات، والذي أثق به، هو أننا جميعا قد أرضينا ضمائرنا، وقمنا بواجبنا في هذا الفيلم على أكمل وجه، ولا نرجو إلا أن نكون قد أرضينا الجماهير في مصر والأقطار العربية بهذا المجهود المتواضع".
أنا
وفي رسالة أخرى تحدث فيها فوزي عن نفسه، تحت عنوان "أنا" قائلا: "أنا أثق في مقدرتي كملحن وموسيقار لكني غير راضٍ عن إنتاجي حتى اليوم، كملحن وموسيقار فأنا في صدري ألحانا كثيرة لم تُطلق بعد".
مضيفا "وأنا منتج أحس إحساسا صادقا بالرغبة في إنتاج أروع ما يمكن للشاشة المصرية أن تستوعبه، وبدأت بالفعل في إنتاج أفلام ملونة، أنفقت عليها الكثير وخسرت نصف تكاليف إنتاجها، ولم أحزن على ما خسرت، وما فقدت وهذا ما يحيرني في أمر نفسي، فقد كنت أعلم سلفا أني الخاسر في هذا النوع من الأفلام، ومع ذلك أقدمت وخسرت".
متابعا "وأنا ابت في كل أمر يخصني في عزم وسرعة بعد دراسة سريعة.. ولكنها كافية ولكني أشعر بعد البت بأني قد أخطأت وأحاول الإصلاح في المستقبل ما يمر عليّ من أمور لكني أقع في الخطأ نفسه..فهل أنا ممن يحملون رأس ناشفة".
تكرار الألحان
وعن اتهامه بتكرار ألحانه قال فوزي "كل فنان له طابعه الخاص.. والموسيقار كالرسام والكاتب، يسكب روحه وذاتيته في كل قطعة وضعها، وفي كل قطعة له لابد أن تجد شيئا من هذا الروح".
وانت إذا سمعت لحنا لعبدالوهاب فلابد أنك ستصيح : "أن هذا اللحن لعبدالوهاب" .. حتى ولم تعرف سلفا من هو صاحب اللحن!.
وهذه الروح التي يعكسها الفنان في كل إنتاج له يحسبها أميو الموسيقى تكرارًا وأنا اتحداهم أن يقدموا لي لحنين متشابهين..لأسلم معهم أن استطاعوا ذلك بانني أسرق نفسي.
الوصية الأخيرة
وكتب فوزي رسالة أخيرة لجمهوره بعدما شعر بدنوّ أجله قال فيها "منذ أكثر من سنة تقريبا وأنا أشكو من ألمٍ حاد في جسمي لا أعرف سببه، بعض الأطباء يقولون إنه روماتيزم والبعض يقول إنه نتيجة عملية الحالب التي أجريت لي، كل هذا يحدث والألم يزداد شيئًا فشيئًا، وبدأ النوم يطير من عيني واحتار الأطباء في تشخيص هذا المرض، كل هذا وأنا أحاول إخفاء آلامي عن الأصدقاء إلى أن استبد بي المرض ولم أستطع القيام من الفراش وبدأ وزني ينقص، وفقدت فعلا حوالي 12 كيلو جراما، وانسدت نفسي عن الأكل حتى الحقن المسكنة بدأ جسمي يأخذ عليها وأصبحت لا تؤثر فيّ، وبدأ الأهل والأصدقاء يشعروني بآلامي وضعفي وأنا حاسس أني أذوب كالشمعة".
وتابع "إن الموت علينا حق.. إذا لم نمت اليوم سنموت غدًا، وأحمد الله أنني مؤمن بربي، فلا أخاف الموت الذي قد يريحني من هذه الآلام التي أعانيها، فقد أديت واجبي نحو بلدي وكنت أتمنى أن أؤدي الكثير، ولكن إرادة الله فوق كل إرادة والأعمار بيد الله، لن يطيلها الطب ولكني لجأت إلى العلاج حتى لا أكون مقصرًا في حق نفسي وفي حق مستقبل أولادي الذين لا يزالون يطلبون العلم في القاهرة".
وأرسل فوزي بتحياته إلى كل إنسان رفع يده إلى السماء من أجله، ولكل طفل أسعدته ألحانه، ولبلده، وأخيرًا لأدولاده وأسرته.
وأوصى برغبته ألا يُدفن في نفس اليوم الذي كتب فيه الرسالة، وكأنه كان يعلم أنه سيموت في هذا اليوم، وقد كان يوم خميس، رغبة منه في أن يُدفن يوم الجمعة ويتم تشييع جثمانه من ميدان التحرير، ليرحل محمد فوزي في 1966 عن عمر ناهز 48 عام .
فيديو قد يعجبك: