إعلان

أحمد زكي.. اليأس عجز والاستسلام خيانة (بروفايل)

02:32 م الأحد 27 مارس 2016

أحمد زكي

كتبت- منى الموجي:

تكيل لنا الحياة ألوان من العذاب، وعلى الإنسان أن يختار إما تجاوزها أو الوقوع في أسرها، اختار الفنان أحمد زكي اللجوء للخيار الأول، رافضا الاستسلام لظروف حياته القاسية، فعلى أرض الواقع كان يطارده شبح الوحدة التي عرف معناها مقترنا بمرارة اليتم مبكرا برحيل والده، وبزواج والدته من أخر لتؤسس حياة جديدة يلعب فيها دورا ثانويا، فكان الخيال هو الملجأ الوحيد للهروب من هذه الظروف الصعبة، التي قد تخلق إنسان يغرق في بحر من الضعف، وهو ما لا يمكن أن يقبل به شخص عنيد مثل أحمد زكي.

في حوار تليفزيوني مع نجله الفنان هيثم أحمد زكي، تحدث عن النصيحة الأهم التي كان يكررها له والده: "لازم تبقى قوي طول الوقت.. الناس مينفعش تشوفك ضعيف"، فاليأس لا يعرف طريقه إلى الشخصيات القوية، فكيف يصادق القوي الذي يرى الاستسلام خيانة العجز.

ولد أحمد في مدينة الزقازيق في 18 نوفمبر عام 1949، تذوق مرارة اليتم وحرم من سنده مبكراً، وتكفل بتربيته جده، بعد زواج والدته، وبعد حصوله على الشهادة الإعدادية التحق بالمدرسة الصناعية، ليبدأ حلم التمثيل في السيطرة على حياته ويفكر جديا بالانتقال إلى القاهرة، خاصة وأن الكل يشهد بأنه ممثل متميز.

ومن نقاط الضعف التي تغلب عليها "اليتيم" ظروفه المادية الصعبة، فكرة المجيء إلى القاهرة والالتحاق بالمعهد العالي للفنون المسرحية كانت صعبة بل مستحيلة لشاب في سنه من المفترض أن يعول نفسه وأن يتخذ لنفسه "صنعة" تكون مصدر رزقه، لكن البيت الصغير الذي افتقده لم يكن سببا وجيها يضحي من أجله بحلم العمر.

"إتقدم" أغنية فيلم "النمر الأسود"..

فشل مرتين في الالتحاق بالمعهد، فعند آداءه الاختبارات لم ير ممتحنوه فيه أي موهبة، لكنه إيمانه بموهبته جعله يُكذب قرار اللجنة، ويُصر على التقدم للمرة الثالثة، ليسوق له القدر الفنان علي فهمي، والذي انضم للجنة الاختبار بعد عودته من الخارج، فكاد مشهد التجاهل الذي عانى منه أن يتكرر، إلا أن فهمي منحه فرصته كاملة، ليمنحه جواز مروره لعالم الفن بصورة شرعية.

لم يهنأ كثيرا بالتحاقه أخيرا بالمعهد، فسرعان ما تلقى صفعة جديدة في الوقت الذي ظن فيه أن شمس نجوميته بدأت تشرق، بوقوفه أمام سعاد حسني في فيلم مأخوذ عن رواية للأديب الكبير نجيب محفوظ "الكرنك"، لكنه فوجئ بسحب الفيلم منه بعدما رفض الموزع اللبناني حسين الصباح، مشاركته في الفيلم قائلا "مين هذا عشان يبوس سعاد حسني".

وكانت هذه هي المرة الوحيدة التي يسمح فيها أحمد زكي لضعفه بالتغلب عليه، ففكر في التخلص من حياته بالانتحار، لكنه عاد بإصرار المحارب على البقاء في أرض المعركة ليحقق النصر، وبعد تعافيه من هذه المحاولة تقابل مع الفنانة شهيرة والفنان محمد ريحان، وأقسم لهما إنه سيغير مقاييس النجومية في السينما المصرية، وقد كان وتغيرت على يده مقاييس النجومية والبطولة.

أحمد زكي يغني "وصفولي الصبر"... 

نجح أحمد زكي في تجاوز كل نقاط الضعف وتحويلها لدوافع تحفزه على التقدم وإرساء قواعد مدرسته الخاصة في عالم التمثيل، كما كان يحلم ويردد دائما، ومع إصابته بمرض السرطان كان قد وصل لمرحلة بنى فيها حصن منيع جدرانه الأربعة هي: الإيمان بالله والثقة في قدرته على شفاءه وحب الناس وعشقه للتمثيل، الذي منحه القدرة على مواجهة المرض، صحيح أن الجسد قد وهن لكن بقيت الروح قوية، وهو ما جعله يفكر في استغلال ضعفه الجسدي في تقديم فيلم "حليم".

وفي أخر لقاء تليفزيوني تحدث أحمد عن مرضه "قدرت إن أنا بقدرة ربنا وبدعوات الناس اجتاز جزء كبير من المقاومة، وأقف أمام المرض، في عز ما كان عندي السرطان كنت بفكر في فيلم حليم ليه ما نصورش بدل ما نعمل الاجواء دي تاني"، لافتا إلى أنه فكر بعد إصابته بجلطتين تسببا في تغيير شكل وجهه وصوته في تقديم نوعية أخرى من الأدوار مثل تجسيد نجيب الريحاني، وحسين رياض.

وفي كلمات مؤثرة قال عن حب الجمهور له "مكنتش أعرف إن الناس بتحبني بالطريقة دي وبكيت، جاء للمستشفى واحد من الصعيد عايز يتبرع بكليته ليا، ولما قالوله أني مش مريض بالكلى طلب منهم التبرع بأي شيء احتاج له، كما عرضت فتاة التبرع برئة، وده خلاني أقاوم أكثر ربنا يخليهم ليا ويسعدهم".

رحل "رئيس جمهور التمثيل" أحمد زكي في مثل هذا اليوم 27 مارس من عام 2005، بعد رحلة طويلة من الإحباطات والنجاحات.

أحمد زكي "إن ما قدرتش تضحك" من فيلم "هستيريا".. 

فيديو قد يعجبك: