لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

"حكاية الأميرة كاجويا".. فتاة القمر

03:02 م الأحد 22 فبراير 2015

كتب-إشراق أحمد:

طفلة رضيع تملأ ضحكاتها روح أبويها، يجذبها ضفدع صغير دخل البيت، قفزاته الثابتة أثارت فضولها، ظلت تحبو وراءه حتى حافة الباب، ومع القفزة الأخيرة له خارج المنزل، انخلع قلب والدي الصغيرة؛ سقطت أرضا وبيدها الضفدع، لتنهض وقد نمت مرة أخرى، حتى استطاعت المشي وحدها، فوق الشجرة المقابلة يتابع المشهد صبية صغار، يتهامسون عن ابنة قاطع الخيزران، التي تكبر مثل براعم الخيزران، انتبهت لهم الرضيع، همت إليهم، وهنا يتجاذب سمعها نداء أبيها المعتاد لها منذ وجدها بالغابة "تعالِ يا أميرة"، فيما يصيح الصبية "بامبو الصغيرة"، لتحسم الفتاة الأمر، بالذهاب إلى والدها، ليس لأنها فضلت أن تكون "أميرة" على الحياة البسيطة كما ظن هو، غير أن روحها الفياضة بحب الطبيعة والجمال ما وجدت اختلاف بين براءة هؤلاء الصغار ودفء حضن أبيها. وهو الصراع الذي ظل يلاحق "كاجويا" طيلة الحكاية المأخوذة من التراث الياباني، ويتناولها فيلم يدخل ضمن قائمة أفضل أفلام الرسوم المتحركة الطويلة في مسابقة الأوسكار لعام 2015.

لوحات متتابعة مرسومة بطريقة فن "الكوميكس"، هو فيلم حكاية الأميرة كاجويا –the tale of the princes kaguya- ، كأنما تقرأ قصة مصورة لمدة ساعتين هي فترة عرض الفيلم، لا يقترب من التقنيات الحديثة ثلاثية الأبعاد، بل ارتكز "إيزاو تاكاهاتا" الكاتب والمخرج الياباني على الحكاية ذاتها، ولأنها تنقل إحدى قصص التراث القديم، جاء الفيلم لا ينفصل عنها، في بساطة الصورة، غير أن وسائل أخرى تميزه، مثل التشويق للوصول إلى المغزى، والأصوات المؤدية للشخصيات، والتي تجبر المتفرج للاندماج معها، فتضحك مع ابتسامة الرضيع، وعلى حركات أبيها، وتدمع لبكاء الأميرة الشابة، ويعبس وجهك لفراقها أبويها.

تتلألأ غابة الخيزران، يأتي صوت الراوي على غرار "كان ياما كان يا سادة يا كرام في سالف العصر والأوان"، ينفتح ستار الحكاية، مع ضربات فأس المزارع –قاطع الخيزران-، بالقرية التي يعمل أهلها بالأخشاب، ما بين سيقان الأشجار، حيث موسم الحصاد، يشع نورا من برعم، تعجب الرجل العجوز كيف له أن يتواجد فجأة؟، يقترب فتنفتح زهرة بها كائن متناهي الصغر؛ فتاة تسر الناظر إليها، نائمة كأميرة، لم يستطع الرجل أن يقاوم جمالها، حملها بين كفيه، محدثا نفسه أنها هبة من الله، ليتخذها وزوجته ابنة لهما، وما إن ضمتها الزوجة بين يديها حتى تحولت إلى طفلة رضيع كأنما ولدت لتوها، وأخذت تصرخ.

عادت الأميرة النائمة سيرتها الأولى، وتغير كل شيء معها؛ دب الحليب في صدر الزوجة فأرضعتها، لتملأ ضحكاتها أرجاء القرية الفقيرة، وظلت تنمو بشكل لافت، في نظر الأبوين كانت "بركة" حلت عليهم خيراتها، وصاحبها رسالة تنبه لها قاطع الخيرزان شيئا فشيئا، حين ضرب فأسه مرة أخرى فتساقط من ساق إحدى الأشجار حبات ذهب، ومع المرة الثالثة حينما تناثر قماش مختلف ألوانه، تأكد له أن المطلوب "سعادة الأميرة"، بأن تحيا عيشة رغدة بعيدا عن فقر القرية.

هيأ الأب قصرا لـ"الأميرة" في المدينة، تحزن "بامبو الصغيرة"، فدون سابق إنذار تغادر أصدقائها، وحياتها المنطلقة بين الطبيعة والحيوانات، تغريها الحياة بالبيت الكبير في بادئ الأمر، قبل اكتشافها أن لذلك مقابل، لن تقوَ على دفعه، فالحديث والحركة والشكل والمشاعر كله أصبح بقدر، والمحظورات غير المبررة تزيد، "إذن الأميرة النبيلة ليست بإنسان" بصوت ذو بحة مميزة تقولها "كاجويا"، التي ظلت تتمرد طيلة أحداث الفيلم على الواقع الجديد، وإن استسلمت له أحيانا.

"بامبو الصغيرة" شابة فائقة الجمال، سحرها أخاذ يعجز الناظر إليها عن وصفه، لذلك منحها السيد "أكيتا" –رجل مسن مسؤول عن إطلاق الأسماء- اسم "كاجويا" ويعني الضوء المشع، لم ينفصل مظهر الأميرة عن طبيعتها، وذكاءها وفطنتها التي استطاعت بها أن تكشف زيف المتقدمين للزواج منها فقط من أجل جمالها الخارجي.

حديقة صغيرة جعلتها صورة طبق الأصل من منزلها الريفي، لم ينقصها فيها سوى الأصدقاء و"سوتيمارو" مَن تربت معه، وأحبته حتى أنها لم تسطع نسيانه رغم مرور السنوات، شجعتها والدتها على ذلك، كانت مثلها ترى في البساطة والحب أساس الحياة، عكس والدها الذي رأى في تكريس الأموال وعزوة القوم ما يسعد ابنته.

فتاة من القمر هي حقيقة "كاجويا"، أرادت أن تنشد حياة الأرض المفعمة بطاقة الجمال والحب، والعفوية كما ظنت، لم تعمل حساب ساعتها الحزينة وتقلباتها التي تخالف في الغالب الهوى، والحقيقة بأن الحياة بين فرح وحزن يواجه الإنسان، إن لم يغلب لحظاتها القاسية غلبته، ولأنها طبيعة بني آدم في إدراك قيمة الشيء وهو يوشك على فقدانه، أدركت الأميرة حكمة الحياة التي ظلت تبحث عنها بعد فوات الأوان، دعت من قلبها بعد أن اشتد بها تحكم الأب وفرحته التي طالتها الأنانية، تضرعت أن ترحل عن هذا العالم.

اجتمع القوم، بنوا المتاريس، حملوا السلاح للدفاع عن "الأميرة"، قد اقتربت ليلة 15 من الشهر واكتمال وجه القمر؛ يوم رجوع "كاجويا" إلى موطنها الأول، خادمتها الصغيرة تقف بجسارة على بابها، الجميع قرر أن يمنعوا ذلك، بينما هي تعلم أنها نهاية لا مفر منها، دموع الأب والأم تنهمر لضياع الحلم، فيما يشدوا الصغار الأغنية التي تحفظها "بامبو الصغيرة" منذ ولادتها "أيتها الطيور والحشرات والحيوانات.. أيتها الأعشاب والاشجار والزهور.. أزهري وأثمري ثم موتي.. عيشي واكبري ثم موتي"، تنظر "كاجويا" للمرة الأخيرة إلى الأرض وهي بطريقها إلى حياة أخرى بالسماء، قد تلقت الدرس بأن لا خير في حياة تخلو من مشاعر صادقة، أدركت الحكمة فيما الصغار لازالت تدندن "مازالت الرياح تهب.. وتدور الساقية.. تنتهي وتعيد نفسها".

 

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة للاشتراك ...اضغط هنا

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان