كيف صنع "ميللر" تحفة ملحمية في "ماكس المجنون"؟
كتبت – يسرا سلامة:
كيف يبدو العالم قبيل نهايته؟ تقل المياه، ينفذ الوقود، يتجبر حكام، تظهر بطولات، يواجه التحدي الأكبر، لا نجاة دون خسائر، ولا حروب دون أمل في الفوز، وبين الفوز الأكبر والخسائر الأقل، كان كلا من ماكس المجنون وفوريوزا المملوءة بالأمل يجسدان كل تلك المعاني في فيلم العام الماضي "ماكس المجنون: طريق الغضب"، المحمة التي أعادت مخرجها جورج ميللر إلى عالم الإخراج بعد 30 عاما من التوقف عن السلسلة الشهيرة.
لكن ما الذي يجعل الفيلم ملحميا؟.. الفيلم تدور أحداثه في عالم يعرف باسم "أفلام العالم ما بعد الخراب" أو الدستوبيا، المستوحاة من أصل كلمة "تدمير" باللغة الانجليزية، وفي عالم تنهار فيه الحضارات، وتواجه بكارثة ندرة المياه، وشح الوقود، لكن تلك الموارد القليلة أيضا مسيطر عليها من مجموعة من حاكم مستبد، يمنع وجماعته الماء عن شعبه، الذي يبدو في العمل أنهم آخر مجموعة حية على وجه الأرض، ترتسم عليها علامات القحط، الملابس الرثة، ملامح الوجه التي تشققت بفعل نقص المياه، وبحركة مبهرة لكاميرا الفيلم تصور مشهد حركتهم في لحظات سقوط المياه.
كل هذا وأكثر ذهب به المخرج الأمريكي جورج ميللر إلى حدود بعيدة من الخيال، الملحمة التي صنعها ميللر في عدة سلاسل جميعها تحمل نفس الأسم، أولهم 1979 ثم 1981، ثم آخرها في عام 1985، ليصرح بعدها للصحافة إنه "لا مزيد من ماكس المجنون"، بعدما فسر الأمر بعد كل تلك السنوات عن هذا التصريح "لم أكن أقصد لا مزيد من ماكس، لكن كان لدي شخصيتين مختلفتين من عالم ماكس المجنون".
الرغبة في تقديم الأفضل، خاصة مع تطور في الابهار البصري في عالم السينما، كان دافعا لميلر لان يفكر في جزء جديد لسلسلته، بدأ في 2001 في الجزء الجديد لكنه توقف بسبب أحداث 11 سبتمبر، وانشغل ميللر بمشروع فيلم تحريكي آخر، حاز فيما بعد على الأوسكار "أقدام سعيدة"، ليعيد ميللر المشروع المؤجل إلى النور في 2011، يستعين بالممثل الشاب اللامع في الأونة الأخيرة بين عالم الممثلين الشباب "توم هاردي"، بديلا عن ميل جيبسون في النسخ الأولى، ويبدأ التصوير في يوليو 2012، ويوؤجل مرة أخرى لديسمبر من نفس العام، حتى ينتهي في نوفمبر 2013، بعد تصوير 480 ساعة.
ربما جعل هذا التمهل والانتظار الطويل "ماد ماكس" فيلم ملحمي، يستحوذ على 10 ترشيحات لأوسكار 2016، ورغم عرضه في مايو الماضي، إلا أن الحديث عن "ثورة" ميللر السينمائية أعيد جدله بعد تلك الجملة من الترشيحات، والفئات المرشحة له هى: الإخرج والصوت مونتاجا ومكساجا، والمؤثرات البصرية، بالاضافة إلى المونتاج والمكياج واختيار الملابس، والتصوير السينمائي وكذلك أفضل فيلم وأفضل تصميم انتاجي، وتجعل منه احتمالًا أن يكون الحصان الاسود لحصد جوائز الأوسكار عام 2016.
تواتر المشاهد أيضا يجعل ماكس المجنون عملا ملحميا، ففي العمل قرابة الألفين تأثيرا بصريا، بحسب موقع سينما بليند، يعرف ميللر تماما متى يوقف سير الأحداث في العمل ليسمح للمشاهد بفهم أحداث القصة، ويعطي الفرصة أيضا لأبطاله في مشاهد رئيسية، اللذين يحملون قدرات خارقة، هاردي الذي يظهر في مشهد أولى يفر من النار ويأكل سحلية، "اسمي ماكس وعالمي النار والدم"، هو البطل الذي يقتاده جماعة من الحاكم الديكتاتور لكي يغذي دم ابنه، ظنا أن تلك الطريقة من نقل الدماء تجعل الابن خارقا.
بطريقة موازية، تجسد الأمريكية تشارلز ثيرون شخصية فوريوزا، والتي تفر مع مجموعة من الفتيات خارج مملكة الحاكم، بعربة ضخمة تجري على الطريق الطويل، بعد أن كان مطلوب منها أن تذهب للبحث عن الوقود، لتفر أيضا حنينا إلى الموطن القديم الذي خُطفت منه بالأساس، وبحثا عن الأمان التي فقدته، كما ينضم إليها ماكس المجنون في مطاردة ملحمية، تزداد احتمالية ذهابهم إلى الجحيم، انهاكهم المفرط يفتح هذا الاحتمال، لكن هذا لم يحدث.
يلعب ماكس المجنون على قيمة البقاء كمحور أساسي للفيلم، حيث تفر فوريوزا من خط سيرها للبحث عن الوقود، ومعها مجموعة من الفتيات إحداهن تحمل ابن الملك في أحشائها، ترد أخبار الفرار إلى الديكتاتور ومن حوله، عاصفة تقوم من أجل اللحاق بها، ومعهم ماكس المجنون، الذي يريد الفرار أيضا منهم، ينجح في اللحاق بالفتاة البطلة، وفي الطريق الطويل تدور معارك البقاء، ويقدم الجانب الأقوى من الديكتاتور كل أسلحته، مقابل مقاومة الثنائي والفتيات، حتى ينجو جانب الخير مقابل الأشرار.
القصة المتكررة في أعمال أخرى لا تبدو قديمة مستهلكة بعيون ميللر، الذي كان أعلن عقب آخر عرض لجزء من سلسلة ماكس المجنون أنه لا يوجد المزيد ليقدمه في تلك السلسلة، لكنه كان يملك قصتان، لعملان من وحي السلسلة، وهى قصة لكل بطل من أبطال ماكس المجنون، لم توافق شركة الانتاج "وارنر برازر" على فيلمين، ليظهر ماكس المجنون ببطلين وقصة واحدة.
لا يقف العمل على إبهار الصورة فحسب، بل يكدح البطلان في ظروف قاسية، لا يدفعهما إلا الأمل، رغم أن البطل كان مفتقدا لهذا في البداية، "الأمل خطأ، وإذا لم نصلح ما تم كسره، سنصاب بالجنون"، قالها ماكس، لكن البطل تغير مع شخصية الفتاة، التي منحته معنى الأمل في النجاة، رغم وفاتها في نهاية الأحداث.
حركة كاميرا تميل إلى الزوايا المنخفضة، إمعانا في الابهار، مشاهد عصر الفوضى تُظهر أبسط التفاصيل، وجوه الأبطال، حركة الجموع، وملابس الممثلين، كلها من نسج الواقع والخيال معا، وأيضا عروض مبهرة للحروب، استعان بها ميللر وفريق عمله، الإثارة هى البطل الحقيقي للعمل، ثورة في الجرافيك ظهر في أكثر من مشهد منهم العاصفة الرملية بين الجانبين، فوسط تلك المواجهة تواجه الجانبين الطبيعة بعاصفة حمراء ألوان تأخذ من النار عنصرا أساسية لها تطفو على المشاهد، ثم الاستعانة باللون الأزرق في المشاهد الليلية، ليهزم ميللر الظلام على طريقته.
الفيلم حقق ما يزيد عن 373 مليون دولار من داخل وخارج أمريكا، بخلاف أرقام بيع النسخ المضغوطة منه، ليظل ضيفا ثقيلا على "البوكس أوفيس" الامريكي، ، وبميزانية العمل التي وصلت إلى 150 مليون دولار، عاد فيه مخرجه عقب 30 عاما من التوقف عن الاخراج، وعادت معه صورة وإبهار مختلف يفتح شهية المشاهدين لأفلام الإثارة، ويجعلها ذي احتمالات مفتوحة من جوائز الأوسكار.
فيديو قد يعجبك: