"دبلوماسية".. لحظة شاعرية تنقذ باريس من الدمار
كتبت - رنا الجميعي:
هل يُمكن أن توجد لحظة شاعرية داخل لحظات عظيمة من الحرب والعنف، خشونة تحيط بالأجواء وهناك من يتحدث بفلسفة عن الجمال، هناك من يتمسك بالرومانسية في وقت غلبت عليه المصالح وتكتيكات الحرب، هناك من ينظر بكل الحب الذي يوجد بالعالم إلى مدينة لم تكن مدينته بالأصل، لكنه يعلم أن الناس لن يسقط من ذاكراتهم مدينة كان التاريخ يمشي بطرقاتها.
آمن على زوجته، فعكف على أن يكون رسول بين دولتين مهيبتين، وعلامة قوية لإنهاء حرب طالت سبعة أعوام، هدمت بطريقها مدن كثيرة وراح ضحيتها ملايين، كان دبلوماسيًا أنيقًا يُدعى "نوردلينج"، قنصل سويدي، حمل على أكتافه مهمة ألا تُحرق باريس، بالفيلم، الذي أخرجه "فولكر شلوندروف"، الذي يحكي عن الحرب دون أن ترى العنف الدائر بالشوارع، في غُرفة مغلقة بفندق "نابليوني" دارت حرب أشد، مناورة كلامية بين القنصل السويسري والحاكم العسكري النازي "ديريك فون شولتيتز"، وتستند الحكاية على نص مسرحي بذات الاسم.
رغم الأماكن القليلة التي صور بها الفيلم الذي عرض بمهرجان القاهرة السنيمائي، إلا أن الملل لن يكون رفيقك هناك، المناظرة القوية ستكون بديلًا عن الأحداث المتسارعة، مناظرة يبدأ فيها "نوردلينج" حججه القوية أمام تعنت "شولتيتز" في إطاعة أمر القائد "هتلر"، وكان الأمر بحرق باريس، ترى قطع شطرنج على خريطة كبيرة توضح المدينة العظيمة، تحدد القطع أماكن اللغم بالكونكورد، متحف اللوفر، باب النصر، وبرج ايفل.
هل كان من الممكن أن يغفر التاريخ لشولتيتز حرق باريس، سؤال مُعلق لأن لم يُسطر بأحداث التاريخ اشعال النيران بباريس، نظرات قوية يبعث بها "نوردلينج"، مثابرة طويلة الأمد من جانبه، وحجج قوية استطاع أن يواجه بها الحاكم العسكري، أعطى له مثال بقصة سيدنا ابراهيم الذي أطاع أمر ربه بقتل ابنه، وعلق قائلًا "لا يجب قول إنه القدر بل يجب سؤال هل الولد يستحق أبًا مثل هذا؟"، ما كان من "شولتيتز" بعدها إلا في الانهيار تباعًا وإبلاغه بالقانون الذي يحكم من يخالف أوامر "هتلر" وهي إعدام أهله، وتبعه بسؤال "هل يستحق ابني أبًا كهذا؟".
صورة تكاد تنطق، وألوان حية، كانت تلك المشاهد التي تسر العينين بمناظرة بين طرفين لم يستسلما بسهولة، في غرفة بفندق عتيق، يسع أمام شرفته أراضي واسعة يقع بها متحف اللوفر، يقف القنصل أمام ذلك المنظر ولا يصدق قلبه أو عيناه أن من الممكن إلغاء مشهد كهذا يقول "لم أفهم كيف لمدينة تسع الأشياء والناس، لها هذا الاسم الصغير".
تفاصيل صغيرة لا تغفلها العين عن عظمة باريس رغم الأماكن المحددة التي عرضها الفيلم، فندق تاريخي، كؤوس شمبانيا عتيقة تُقدم لأنها الأخيرة قبل دخول الحلفاء لباريس، الطعام الفخيم المعروفة به فرنسا، كرواسون بالمربى يأكله الجنرال، غرفة تحمل من جمال المدينة، وصبح يطلع على مهل على مدينة استطاع أخيرًا القنصل بحديثه المنظم والشاعري إقناع قائد الحرب فيها بإيقاف أمر الحرق.
وجه آخر يُمكن مشاهدته من الحروب، دروب أخرى تتخذها وجوه وُصمت دومًا بالأبيض أو بالأسود، رومانسية لم يخجل منها البعض في وقت اشتد فيه العنف، ومدينة ظلت تتراقص بجمالها.
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك ...اضغط هنا
فيديو قد يعجبك: