''بيات شتوي''.. كيف يحل الثلج على قلوب البشر؟
كتبت – يسرا سلامة:
مثل القصص الخيالية التي يحكيها الكبار لأطفالهم، نسج المخرج التركي ''نوري بلجي'' قطعته ''بيات شتوي'' أو winter sleep، ليفوز العمل بالسعفة الذهبية لصالح اسطنبول تلك المرة، اختار فيها أن ينقل للعالم قصة تركية من زمن الشتاء القارص، عن الشتاء وبرودة ليس فقط الجو ولكن العلاقات الاجتماعية، وهذا ما يدور حوله فيلم ''بلجي''.
من عوالم المسلسلات التركية، لم يأخذ ''بلجي'' إلا الصورة الساحرة المميزة للبلدة الجاذبة للسياحة، وربما بعض الإطالة التي تجتاح المسلسلات التركية، قرر المخرج المخضرم أن يرصد بكاميرته قصة رجل عجوز، اسمه ''ايدان''، كان ممثل قديم، فشل في أن يحصل على الذيوع والشهرة من خشبة المسرح، اختار أن يكتب المقالات لجريدة مغمورة، بجانب إشرافه على فندقه وأملاكه، إذ يستقبل الفندق في الشتاء سائحين من مناطق مختلفة.
حياة بائسة يعشها ''ايدان'' في وسط برودة شتاء تركية، تنعكس تلك البرودة في علاقته بزوجته الصغيرة عنه في السن، وبرودة علاقته بشقيقته المطلقة، التي تواجهه في مشهد أطول من المعتاد في السينما بحقيقة ما تراه في شقيقها، إنه مزيف ويدعي من خلال مقالاته الاهتمام بالناس، وهذا غير حقيقي كما ترى الشقيقة.
يسعى أحد المستأجرين الفقراء لدى ''ايدان'' إلى سد نفقات أشهر لا يقوى على دفعها؛ بسبب خروجه من السجن، يبدي ''ايدان'' تعاطف محدود له، يظهر في الفيلم كقصة قصيرة موازية، يقوم فيها ابن الرجل الفقير بكسر زجاج عربة ''ايدان''، للتعبير عن غضبه من تهديد البطل لمقاضاة والده لعدم دفع الإيجار، ويرفض الطفل في أحد المشاهد بالفيلم أن يقبل يد البطل اعتذارا على كسر عزة نفسه، والذي تعاطفت معه زوجة ''ايدان''، تلك القصة الموازية تعكس جانب آخر من سخونة يفتقدها ''ايدان''، عزة نفس الابن الفقير تجسدت أيضا في مشهد لوالده، والذي رفض المساعدة المادية من زوجة البطل، ليقوم بحرق الأموال التي قدمتها إليه رغم حاجته، من أجل الانتصار لعزة نفسه.
اخذت حياة هذا التركي الثري من مخرج العمل مدة ثلاث ساعات و16 دقيقة، ما يعتبر إطالة كان يمكن التقليل منها، لكن المخرج اختار ذلك الأسلوب لتصل أزمة البطل في أعين جمهوره، من خلال حبكة درامية تنمو مع مرور الدقائق، في البداية تشعر أن البطل لا يحمل مشكلة ما، ليظهر أن ''ايدان'' وحيد منعزل، وأن بشكل ما ''شيطان البطل يكمن في تفاصيل حياته''، الذي اكتشف من المقربين منه قسوة علاقاته وبرودتها، ورغم دائرة الناس القليلة حوله، إلا إنه منعزل عن الناس.
تظهر عزلة ''ايدان'' في رمز خلقه صناع الفيلم، من خلال حصان يملكه، يحبسه دون أن يجعله خارج للعنان، يجسد هذا الحصان بشكل ما أزمة البطل، المنعزل والحبيس لمكتبه وأفكاره، والحصان الذي أبدى عنفا حين اخرجوه إلى النهر، يشكل بوضوح مخرج الفيلم في ذلك المشهد -والواضح في الإعلان التشويقي للفيلم- أزمة البطل الخفية بداخله، رغم ادعائه العكس، معبرا عن ذلك الفشل كممثل في جملته ''الفيل تمخض فأرا''.
تقضي زوجته الأصغر منه كثيرا حياتها في العمل الأهلي لبناء مدرسة للفقراء، ترفض تدخله حين يعرض المساعدة فجأة، بعد ان استمرت الزوجة مدة طويلة لا يساعدها الزوج، لترفض فجأة ذلك التغير الذي حدث في الساعة الثانية من الفيلم، كذلك شقيقته التي تريد الرحيل لحبيبها الأول، وتقسو عليه في حوار كاشف لأزمة ''ايدان''.
حتى حين اكتشف البطل الكبير في السن خطأ مسار علاقاته بعد كل هذا العمر، لم يبدُ أن طريق العودة سهلا، التغيير الذي حدث بداخله وقراره لمساعدة زوجته لم يقابل إلا بلوم وعتب وتهديد بالرحيل من جانب الزوجة، ليقرر بعدها البطل الرحيل إلى اسطنبول، ليعدل في نهاية الفيلم عن قراره، ويرجع إلى منزله.
وفنيا اختار ''بلجي'' إضاءة جيدة من أجل نقل صورته، والتي ساعدته في نقل مشاهد عالية الجودة لمشاهديه، بإضاءة خافتة تنعكس في منزل ''ايدان''، تشير إلى عزلته بشكل ما، وتجعل للمشاهد فرصة للتأمل في حياة الرجل، وبرودتها بشكل ما، ليقتنص المخرج التركي جائزة السعفة الذهبية ببرودة أبطاله.
تريلر الفيلم: اضغط هنا
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة للاشتراك ...اضغط هنا
فيديو قد يعجبك: