فيلم "مع أني أعرف أن النهر قد جف".. مناجاة ابن فلسطيني داخل رحم وطنه
-
عرض 3 صورة
-
عرض 3 صورة
-
عرض 3 صورة
كتبت- رنا الجميعي:
الأسماء هي نفسها ولا مجال لتبديلها، فسمِّ الأشياء بأسمائها، "معركة، مواجهة، هروب، حرية، فلسطين"، تلك العبارات مرتبة الحروف التي يحتار الإنسان فيها، تجعله يقوم برحلة مليئة بالوجع حتى يُدركهم، يفقد ما يفقده، ويغيب عنه أرواح كانت أقرب إليه من الموت، لكنها ارتحلت إلى عالم أرحب دون علمه.
في الفيلم الحائز على أفضل فيلم عربي قصير لعام 2013 بمهرجان أبو ظبي السنيمائي "مع أني أعرف أن النهر قد جف"، ارتحل بطل الفيلم قيس ناشف داخل نفسه، رغم الوجع الكبير لرحيل أمه وتعذيب أخيه.
عُرض الفيلم ضمن سلسلة أفلام قصيرة بالمركز الثقافي البريطاني أمس الخميس، حيث قام "عمر روبرت هاميلتون" مخرج الفيلم بصنع مونولوج داخلي للبطل، يحكي فيه أسئلته الشخصية، استفهامات لا إجابة لها، يبدأ الفيلم، ومدته 19 دقيقة، صوت مكتوم يناجي "البلد"، يصمت قليلًا ثم يقول: "يارب" بعدها "أنا رجعت".
ذقن غير حليقة وعيون ملآى بالمرارة يجابه بها بطل الرحلة نفسه وذكرياته التي بُنيت على اختياراته هو، "كيف كنت راح أعرف" يناجي نفسه، اختيار اتخذه في حياته ترتبت عليه بقية الأحداث، لكن الفيلم لا يسير بشكل مُرتب، ليستقيم لعقل المشاهد، حيث تارة يظهر "ناشف" بذقن غير حليقة وتارة نظيفة، يمشي الفيلم بمسارين مختلفين، أحدهما للأمام والآخر للوراء.
مشاهد بها قتامة الألوان، حوار داخلي للبطل، منزل متهدم وفوضى بالمكان، هنا الكاميرا تُظهره بعد غيبته، "أمريكا" يقولها الابن، ذقن البطل الحليقة وضحكاته مع زوجته الحامل "هو مبسوط" يسأل عن الطفل فتقول له "نايم ومبسوط"، مناقشات يدخلها البطل مع أسرته للسفر لأمريكا لحياة أفضل للطفل الذي لم يولد بعد، مجادلة مع أمه التي رحلت "كيف ضيعتِك"، تناقشه الوالدة "خلاص وافقت"؛ يرد بالإيجاب، لكنها لا ترضى عن قراره بالرحيل "اللي بيفوت المعركة وهو متردد طبعًا بدو يخسر"، المشاهد الملونة هي ذكرياته الماضية.
أما أخيه فلم يبد رفضًا لقرار أخيه بالسفر "هيك أحسن، كويس للولد"، وأعطاه ولاعة للسيجار ليرجعها له بعدما يعود للبلد مرة ثانية، صور تتقاطع مع مشاهد الفيلم القصير، صورة غير واضحة لشخص أو كما يُقال في مجال التصوير "آوت أوف فوكس"، يجلس على كرسي، تقترب الصورة بعد بضعة مشاهد، حتى تصل قبل نهاية الفيلم بقليل، يظهر وجه أخيه ملئ بالجراح وعليه آثار تعذيب.
"ارجع" تهمس بها أمه في مشاهد عدة بالفيلم، أمه التي ذهبت روحها للخالق وبقي قبرها فقط ليزوره الابن بعد عودته لرام الله، المدينة التي يرجع إليها بعد سنين امتلأت بإعلانات أجنبية تُظهر كأنها بلد غير عربية، "ارتاحي يامه راح نحلها" يقولها الولد العائد أخيرًا إلى بلده.
يدور في المدينة التي تغيّر شكلها، مبان ارتفعت وأخرى زالت، فيما يتحرك الابن بالسيارة، بين مشاهد المدينة الحالية ومشاهد تتقاطع بينها لأحداث تاريخية منها التهجير، ضرب بالأسلحة، هدم بيوت، تعذيب لطفل فلسطيني صغير على يد جندي اسرائيلي؛ ارجع" تقولها ثانية الأم، صوتها يدار برأسه.
"رتب خسارتك ثم تعامل معها".. هذا ما فعله الابن بين قضبان "قلنديا"، ذلك الحاجز الذي يصل رام الله بالقدس المحتلة، يذهب إليه الابن، يقف بين أسواره الزرقاء يقول "أنا بكره الاسم، بس مفيش كلمة غيرها"، هنا بين تلك القبضان التي حولها المخرج إلى رحم بقي فيه البطل ليراجع نفسه "رجعتونا للبداية لتسمية الأشياء"، يعرف أنه لم يختر الحرية بقرار السفر ذلك، يوقن الآن أن "الحرية هون".
يبتعد عن الحاجز، صوت الرمال يحيط به، يقف هو بجسده الصغير أمام المادة الاسمنتية الجامدة التي سميت بجدار الفصل، يعود لبيته المهدم، يجلس على كرسي مازال صالحًا، يناجي نفسه "سامحني ياخي، العالم الجديد هون، خليني فرجيك".
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة للاشتراك ...اضغط هنا
فيديو قد يعجبك: