"فوسيه".. الجمال ينبع من داخلنا
كتبت- هدى الشيمي:
رجل أربعيني سمين، يعيش مع والدته في شقة صغيرة، يعمل في وظيفة بسيطة في مطار بمدينة ثلجية في أيسلندا، حياة رتيبة تخلو من عناصر المفاجأة ولا يوجد بها أي نوع من الإثارة، هكذا كان "فوسيه" الشخصية الرئيسية في فيلم "Virgin mountian" المشارك في المسابقة الدولية في الدورة السابعة والثلاثين من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي.
افتقر "فوسيه" الذي جسد دوره الممثل "جونار جونسون" لكافة الملامح التي تجعل منه رجل جذاب، إلا أن ذلك الرجل صاحب المظهر المزري حمل في طياته رجل طيب، دافئ القلب، حنون وهادئ، لديه قدرة على فهم أي امرأة واستيعابها، ومساعدتها على الوصول إلى ما ترغب فيه.
حاول المخرج "داجور كاري" إبراز الجمال الداخلي الموجود داخل شخصية فوسيه، عن طريق ثلاث نساء الأولى، هي أمه السيدة المسنة التي تعمل مصففة شعر، ولديها صديق يحاول مساعدة فوسيه في مواصلة حياته، بتقديم هدية خاصة له وهي دروس رقص، مرجعا ذلك إلى أن الرقص سيساعده على الحصول على اصدقاء، ويجعله اجتماعيا، بالإضافة إلى أن الرقص يساعد على إفراز هرمون السعادة في الجسم.
لم يدرِ فوسيه أن دروس الرقص ستغير حياته، حيث تظهر أمامه فجأة "شون" فتاة ثلاثينية، تتطلب منه توصيلها للمنزل، فيتحول ذلك اللقاء للقاء تاريخي بالنسبة له، حيث لأول مرة يجتمع بامرأة بمفرده، في مكان مغلق، وتصبح "شون" السيدة الثانية التي يستخدمها المخرج من أجل توصيل فكرته.
تبدأ علاقة فوسيه بشون بالتدريج، فيُقبل على دروس الرقص والتي كرهها في البداية وحاول تجنبها، ثم يحاول إبهارها بالحديث مع مذيع في الإذاعة وطلب أغنية خاصة لها، وتحول للجني الذي يفعل أي شيء أو كل شيء من أجل إسعادها وارضائها، فعندما يعلم إنها تحب السفر يذهب إلى مكتب سفر ويحجز رحلة لمصر باعتبارها منطقة دافئة ومشمسة مناقضة لما يعيشوه، حتى بعد علمه إنها لا تعمل في محل زهور كما قالت له، وأنها عاملة في مكب نفايات لا يتأثر، ولا تتغير طريقة تعامله معها، بل يؤكد لها أنه لا يهتم بمكان عملها، وستظل كما هي بداخله، ويقابل رفضها له ولعرضه بالسفر معها بسعة صدر غير طبيعية، وعندما يعلم بإصابتها بالاكتئاب لا يمل منها، بل يحتويها، ويطهو لها الطعام، ويطعم قطتها، يتحول فوسيه إلى كل شيء تحتاج إليه شون، إنسان قد ترغب أي امرأة في إيقاعه بحبها، ويكتشف هو عن طريقها الكثير من الصفات التي لم يعلم إنها موجودة في داخله، حيث تقول له والدته بعد التقائه به بعد فترة طويلة قضاها مع شون "لقد جعلتك طاهيا ماهرًا".
ظهر تسامح فوسيه وتقبله للآخر بما فيه من عيوب، في الكثير من المواقف الدرامية، من بينها تحمله لطريقة تعامل اصدقائه معه، وتقبله لمحاولات مضايقتهم له طوال الوقت، وتجنب البوح عن أي شيء لرب عمله، وفي تعامل جيرانه معه وكأنه غريب الأطوار، إلا أن أكثر المواقف توضيحا لسماحته ورقة قلبه كانت في تعامله مع الطفلة الصغيرة التي جاءت منذ فترة قصيرة للعيش في البناية التي يسكن بها، وهي المرأة الثالثة التي استخدمها المخرج، حيث تنشأ بينهما علاقة صداقة تُظهر الجانب الطفولي الموجود في فوسيه، وتعوض بها الطفلة النقص الذي تشعر به نتيجة لانفصال والدها ووالدتها، وانشغال الأول عنها في العمل. حاول المخرج استغلال كافة التفاصيل لخدمة فكرته الرئيسية في الفيلم، ونقل الحالة التي يمر بها فوسيه من الرتابة والملل، وذلك عن طريق الموسيقي الهادئة، الايقاع البطئ للفيلم، والذي لم يكن أبدا مملا، التركيز على صوت أنفاس البطل، واللقطات السريعة في نهاية الفيلم التي تعرض كيف عاد لحياته مرة المملة مرة أخرى بعد ظنه إنها قد تتغير، بالإضافة لكوب اللبن الذي لم يتركه فوسيه، وإعلانه في أحد المشاهد أنه لا يشرب سوى هذا المشروب، مبتعدا عن الشاي والقهوة التي يتناولها من هم في سنه بشراهة، ليؤكد بذلك أن الاختلاف ليس عيبا، وأن الجمال الحقيقي ينبع من الداخل.
يصارع فوسيه من أجل البقاء، البقاء كما هو نقيا، متجنبا اي نوع من انواع التلوث النفسي فعندما يعرض عليه اخد زملائه ممارسة الجنس مع فتاة ليل يرفض، يرفض حتى النظر إليها، حتى أنه يغضب لأول مرة منهم ويضربهم، لأنه يحاول حماية ذاته من التشويه، الذي اصاب مجتمعه.
فيديو قد يعجبك: