"الابنة".. رحلة باكستانية للبحث عن الامان
كتبت-هدى الشيمي:
هناك العديد من الأفلام والقصص والحكايات عن الزواج المبكر للفتيات في بلدان مثل اليمن، وأفغانستان والهند وباكستان، وتدور أغلبها في إطار كئيب ومظلم، يكاد يجعل المشاهد راغب في الاقبال على قتل ذلك الشخص الذي يُجبر الطفلة على الزواج، أو الانتحار لأنه يشعر بأنه لا يستطيع تقديم أي شيء لهؤلاء الفتيات، فهو يقف بدون حيلة، ولكن في فيلم "الأبنة" أو "Dukhter" الباكستاني المشارك بالدورة السابعة والثلاثين بمهرجان القاهرة السينمائي الدولي، والذي يناقش نفس الفكرة كان مختلفا.
نجد أنفسنا أمام سيدة ثلاثينية تدعى "الله رقي" والذي يعني "حماية الله"، تعيش في منزل باكستاني متواضع، مع زوج مسن، وطفلة لا يزيد عمرها عن عشر سنوات، تحاول نسيان مدى صعوبة حياتها، بتكريس حياتها لخدمة ابنتها، ونرى ذلك الزوج المسن هارب من ثأر بين قبيلته وقبيلة أخرى تسبب في مقتل ابنائه الأربعة، مقابل عشرة من القبيلة الأخرى، فيحاول عقد هدنة مع الزعيم، فتكون النتيجة طلبه الزواج من ابنة الأول "زينب" والتي مازلت تلعب بالدمى، وتعرف أن نظرة الفتاة للشاب هي السبب الحقيقي للإنجاب، ومن هنا تبدأ الرحلة، فتقرر الأم اصطحاب ابنتها لرحلة مصيرية حتى لا تعيش نفس حياتها.
تبدأ رحلة الأم وابنتها والتي تخاطر فيها بحياتهما معا على أمل انقاذ الصغيرة من الزواج من رجل يزيد عمره عن عمر والدها، فيلتقيا بشاب يدعى "سهيل" نكتشف فيما بعد إنه كان مجاهد لدى طالبان، ولكنه تركهم لوقوعه في حب فتاة رفضت الارتباط به في بداية الامر لتورطه في حرب لا تنتهي، مما ينم عن رقة قلبه وخضوعه لعاطفته الجياشة، ويقرر سهيل مساعدة "الله رقي" و"زينب" حتى يصلا لبر الأمان.
حاولت المخرجة والمؤلفة الباكستانية عافية ناثانيال عرض القصة المأسوية ولكن اضافت عليها طابع مبهج، وهذا عن طريق المناظر الطبيعية الخلابة، فتم تصوير الفيلم في مساحات واسعة والجبال الباكستانية الشاهقة، حتى الصحراء ورمالها الصفراء الذهبية بدت في أبهى حلة، واستطاعت اللقطات الواسعة اظهار ذلك بسهولة، بالإضافة إلى الموسيقي الهندية المعروفة، والتي تساعد على كسر حدة الموقف الذي يمر به الأبطال.
تؤكد ناثينال أن فيلمها الذي حصل على دعم من "صندوق هربرت بالس" و"سينيريتش" و"ناشيونال جيوغرافيك"، كما نال منحة إنتاجية من "سورفاند"، نموذج مبسط للكثير من الحالات التي يمر بها الفتيات في باكستان، ولكنها لم تغفل عن مدى وحشية المجاهدين والمتمردين هناك، فمثلا ذلك الرجل الذي كُلف للعثور على "زينب" ووالدتها "الله رقي" جرى خلفهما من مكان إلى مكان، يهدد ويتوعد لأي شخص يعرف مكانهما ولا يخبره عنه، حتى يلتقي برجل ويشك في معرفته بهما، وعلى الرغم من قسمه بأنه لم يراهما يقتله، بدون أي دليل مادي ملموس يدينه، أو يثبت علاقته بهما.
ناثينال والتي تركت باكستان عام 1999، للعمل مع منظمة حقوقية نسائية غير ربحية في سويسرا، ثم كانت عضو في لجنة الأمم المتحدة لحقوق الانسان بداية من عام 1999 وحتى 2001، عملت مع الكثير من النساء في مجالات مختلفة من بينها السلام والعدل والصحة وحقوق الانسان والبيئة، حاولت عن طريق ذلك الفيلم أن يضع المشاهد ابنته مكان تلك الفتاة "زينب"، وفي جملة قالتها الأم لسهيل اثناء سؤالها عن علمها عن مدى خطورة الرحلة التي تقوم بها، فأجابته "هل لديك ابنة؟؟ إذا لم يكن لديك فلن تعرف أبدا لماذا اقوم بذلك"، فرحلة الأم وابنتها هي رحلة تقوم بها كل أم باكستانية من أجل توفير ملاذ آمن لابنتها، وقد تكون هذه الرحلة رحلة فعلية، أو رحلة نفسية.
فيديو قد يعجبك: