"شادي عبد السلام".. في ذكرى من أعاد المومياء للحياة
كتبت - رنا الجميعي:
"قضيتي هي التاريخ الغائب أو المفقود".. منح "شادي عبد السلام" روحه للقضية المؤمن بها، لم يعرف ماهية رسالته في الحياة سوى مع رقصته التي أداها بإيقاع منظم خلال ستة وخمسون عام أمضاهم في مجال السنيما، بشكل تراتبي مع بدء "عبد السلام" العمل بالمجال ومع كل خطوة كان يمشيها، كان يقترب أكثر من مساره الذي حدده لبقية حياته وهو التاريخ وإعادة المصريين لدورهم بالإنسانية كما قال.
كان النظام يملك على "عبد السلام" حياته المولود بالأسكندرية في 15 مارس عام 1930، منذ أن كان أول عمل كُلف به في السنيما؛ وهو تدوين الوقت الذي تستغرقه كل لقطة، بفيلم "الفتوة" للمخرج "صلاح أبو سيف"، حتى مشروعه الطويل الذي استغرق من عمره 12 سنة "إخناتون"، الذي تعرقل العمل به بسبب الإنتاج والنظرة المحبطة من قبل بني قومه في المجال السنيمائي، ومع فيلمه الروائي الوحيد "المومياء" الذى عرض بالخارج عام 1970 ثم في مصر بعدها بخمس سنوات، تجلى المبدع الذي خط تفاصيل العمل الفني كراهب عكف على مشروعه لسنوات حتى ظهرت صورة سنيمائية تحاكى بها العالم، وظهرت العديد من المقالات النقدية عن الفيلم، كما عبّرت مجلة "مونتاج" الإيطالية حبها للفيلم بغلاف رئيسي للمجلة تحت عنوان "المصريون قادمون".
لم يكن "عبد السلام" مخرجًا فحسب، بل دراسته للفن المعماري بكلية الفنون الجميلة جعلت منه صانعًا ماهرًا للديكور والأزياء وكذلك المناظر أولًا، رؤيته الدقيقة جعلت من أزيائه المرسومة على الورق تنبض بالحياة، كفيلم "رابعة العدوية"، "وا إسلاماه"، "عنتر بن شداد"، و"الناصر صلاح الدين".
لم يكن الفنان يعمل كغيره بالسنيما لكنه رغب في خلق مساره الفريد الذي يُعرف بمجرد النظر، حتى شارك في أعمال أجنبية كمستشار فني ومصمم للديكور والأزياء، لأفلام "كليوباترا" للمخرج "جوزيف مانكوفيتش"، والفيلم البولندي "الفرعون"، وفيلم عن الحضارة للمخرج الإيطالي "روسولليني"،كل تلك الأعمال التاريخية تدل أن "عبد السلام" أصابه عشق للتاريخ وأبدع فيه، فقال عنه "روسولليني" أنه ذي أيدي مثقفة.
بحثه وراء حضارة مصر جعلت الوجه الأساسي الذي استعان به هو الممثل "أحمد مرعي"، ذو الملامح السمراء التي تشبه التربة الخصبة، فكان "مرعي" هو بطل فيلم "المومياء" بشخصية "ونيس"، وهو أيضًا "الفلاح الفصيح" الذي مجّده "عبد السلام" في عمله التسجيلي، وهي بردية عن الفراعنة مكتوب عليها رسائل الفلاح المصري للحاكم "إني أتكلم فهل لك أن تسمع، أقم العدل، اكشف عني الضر، انظر إلى أن حملي ثقيل".
كان "عبد السلام" أشبه بهذا الفلاح الفصيح، حيث رغب من أعماله توجيه رسالته للمصريين، بعد فيلم "المومياء" قدم عدد من الأفلام التسجيلية والتعليمية منها "آفاق" و"الكرسي"، ثم باغته المرض وتوفى عام 1986.. "قضيتي أن يعرف الناس من هم وماذا كانوا وماذا قدموا، لابد أن نوصل بين إنسان أمس وإنسان اليوم لنقدم إنسان الغد".
فيديو قد يعجبك: