عشان خاطر مهرجان القاهرة.. طالب وأفلامجي وموظف "سايبين أشغالهم"
كتبت-رنا الجميعي:
نوفمبر هو شهرهم المفضل، صار مهرجان القاهرة السينمائي قِبلة لهم، يستعدون منذ شهور، ينالون استنكارًا أحيانًا، لكنهم يتحملون ذلك في سبيل مشاهدة أفلام على مدار أيام متصلة، منهم من يشد الرحال للقاهرة رأسًا، ومن يترك امتحانه، وآخر يأخذ أجازته السنوية تزامنًا مع الحدث السينمائي، يصبح مهرجان القاهرة الفرصة الأمثل لمقابلة رفاق السينما، ليسوا ممثلين أو نقاد لكنهم على درجة عالية من عشق الفن السابع.
من بني سويف إلى القاهرة
لثلاثة أعوام انتظم رأفت صلاح في حضور مهرجان القاهرة السينمائي، يغادر محافظة بني سويف سنويًا، يترك أسرته طيلة أسبوعين لخاطر السينما، يأخذ إجازة من عمله كموظف بالمحافظة، لا يهتم بما يلاحقه من نظرات استغراب من زملائه بالعمل، ورغم أن صلاح ليس صانع فيلم أو طالب بمعهد السينما لكنه يُعرّف نفسه ضمن الـ"سينفليين"، أي محبي السينما دون التحيز لمدرسة بعينها.
تولّد حُب السينما عند صلاح كأي مشاهد مصري "من إعدادي"، بدأ بأفلام عادل إمام ويسرا وغيرهم، لكنه لم يقف عند الأفلام المصرية، امتد غرامه بالسينما إلى مدارس مختلفة، هوليوود أولًا ثم انطلق إلى رحاب السينما الأوروبية، الفرنسية والإيطالية، سمع الشاب العشريني عن المهرجان عام 2014، وقتها كان يدير مجموعة لمحبي السينما على الفيسبوك، ترآى له الذهاب برفقة هؤلاء إلى المهرجان، لكن بأي صفة؟، هو الأمر الذي عانى خلاله صلاح.
يؤمن الشاب أن المهرجانات الدولية "معمولة عشان التواصل بين الناس اللي بتحب السينما وصناع الأفلام في العالم كله"، أكثر من 17 آلاف يسكنون مجموعة "محبي الأفلام غير الإنجليزية"، باسمهم ذهب صلاح إلى إدارة المهرجان، عام 2014، الذي ترأسه حينها الناقد السينمائي، سمير فريد، "عرّفت نفسي كأدمن للجروب وإنه ممتد في المحافظات كلها، وعايزين نحضر"، غير أن الأمر لم يكن بهذه السهولة، أثارت الدعوة استغراب الناقد السينمائي،لكن علاقة صلاح بأحد مسئولي أقسام الأفلام بالمهرجان، وهو دكتور مروان عمارة، مدرس بالجامعة الأمريكية ومخرج فيلم "كروب"، استطاع اصدار 300 كارنيه لأعضاء المجموعة كصناع أفلام.
دأب الشاب حمّس الكثيرين من محبي السينما بمجموعة الفيسبوك، وجعلهم يُحاولون حضوره كل عام، "دلوقتي الناس عندهم حالة حماس عاوزين يعرفوا يدخلوا المهرجان ازاي، قبل الحركة دي مكنش دا موجود، كانت الناس واقفة بعيد". وبرغم عدم وجود ذلك القسم في الدورات التالية، إلا أنهم يسعون لتسجيل أسمائهم كطلبة، وهو ما تتساهل معه الإدارة أيضًا، "أنا شايف إن دي حاجة كويسة من المهرجان بس الطبيعي إنه معمول للناس دي".
يظل صلاح طيلة عشرة أيام بعيدًا عن بيته وعمله، يقضي لياليه في بيت أحد أصدقائه، يرى أن السينما أشبه بشباك قطار "كل شوية ببص منه على مشهد من حياة ناس معرفش عنهم حاجة، بيخليني أقبل الآخر"، كما يجد نفسه في مكانه الأصلي وسط محبي السينما "هناك بحس إني في عزلة، لكن وسط بحس إني طبيعي".
وفي القاهرة نجح أشرف عصام في ضبط أجازته السنوية للمرة الثالثة مع مهرجان القاهرة. تغلغل حب السينما داخل الشاب منذ عام 2010، بنفس الوقت كان قد سمع عن الحدث السينمائي، الذي سيبدأ بعد أيام قليلة، حينها تمكن من الحضور كطالب جامعي، حيث كان في عامه الرابع بإعلام القاهرة.
وللمرة الأولى وعلى مدار خمسة أعوام (حيث توقف المهرجان عامي 2011 و2013)، صار أشرف من رواد المهرجان الدائمين، كما امتلك بابًا مفتوحًا على مختلف المدارس السينمائية، فشاهد أفلامًا من جنسيات مختلفة بعيدة عن السينما العربية والأمريكية.
"الدراسة في إعلام سهلة" بسبب ذلك استطاع عصام حضور عدد كبير من الأفلام، "كنت بشوف تلاتة في اليوم"، فلم يكن مرهقًا بالنسبة له الاستغناء عن فيلم مُقابل المحاضرة.
أما الآن، بعد عمله في إحدى شركات توزيع وتسويق سينمائي، صار المهرجان موعد إجازته السنوية، وعلى الرغم من أن ضغط العمل داخل الشركة يصل لذروته في شهور العام الأخيرة "لأن دا موسم المهرجانات العربية اللي بعدها".
الامتحان ولا المهرجان
في اليوم الأول لمهرجان القاهرة جلس كريم طعيمة مستكينًا بكرسي بإحدى كافيتريات دار الأوبرا، منتظرًا بدء الفيلم، من يرى طالب الحاسبات والمعلومات متحدثًا ومستمتعًا بالأجواء السينمائية لن يُدرك أن لديه امتحان للمادة الإنجليزية اليوم التالي.
لثلاثة أعوام انتظم طعيمة في الحضور للمهرجان، يعلم أنها فُرصة عظيمة للالتقاء بمحبي السينما، فقد فتح له المهرجان آفاقًا لم يدركها من قبل، بدأ حب السينما يتوغل بقلب الشاب العشريني بسبب قريبته الصحفية التي تعمل بمجال الفن، انتصار صالح،"لما بشوف فيلم نعلق عليه ونتناقش، وكانت تقولي إن الفيلم دا أخد جوايز ودخل مهرجانات".
يتذكر طعيمة المرة الأولى التي سمع فيها عن المهرجان، "أول فيلم سمعت عنه في المهرجان اسمه كراش سنة 2004 كنت صغير أوي وقتها"، يقول الشاب إن الطلبة قبل الجامعة ليست لديهم الرفاهية في حضور الحدث السينمائي "صعب نتحرك واحنا في ثانوية عامة"، غير أن طعيمة سنحت له فرصة جيدة، في عامه الثالث بمرحلة الثانوية العامة.
برفقة صحفية الفن تمكّن من دخول المهرجان عام 2013، وبحكم عملها قابل طعيمة المشاهير، فتحت له أبواب عالم جديد، وخاض العديد من المناقشات الخاصة بالأفلام "كنا ندخل الفيلم ونطلع نتكلم عنه، كنت بخلي رأيي آخر واحد، عشان أسمع منهم كلهم"، كانت حفلات المساء الوقت المناسب لطعيمة، حيث سهّل إقامة المهرجان السينمائي بشهر نوفمبر أمر الدراسة، التي مازالت في بداية الموسم.
مع دخول طعيمة الجامعة العام الماضي، أصبح حضور المهرجان أسهل، حيث مالت الكفة تجاه السينما مقابل الدراسة، "طالما معنديش سيكشن عملي بروح"، ازدادت التجربة مُتعة مع ذهابه بمفرده لدار الأوبرا، لذا كانت الدورة الماضية هي الأفضل بالنسبة له "كنت حاسس إني بعمل حاجة بتاعتي، وأنا اللي واخد قرار فيها"، ومن ضمن القرارات التي اتخذها الشاب هي عدم امتحانه لإحدى المواد "سبت امتحان المدترم، كان وقتها فيلم جزائري مهم".
بعد انتهاء المهرجان سيعود كل من الثلاثة إلى يومهم الطبيعي، غير أنهم سيمتلكون حكايات تُذكرهم بأيام السينما، وتجارب أفلام يتناقشون حولها ثانية، ينتظرون على أمل مشاهدة أفلام أكثر العام المُقبل، ويكرر عصام وصلاح طلبهم بأخذ إجازة من العمل، رغم ما يلاقيه الشاب الصعيدي من استهجان زملائه "بالنسبة ليهم إني آخذ أجازة عشان السينما دا سفه يعني"، كذلك عصام الذي يأمل مسئوليه كل عام ألا يطالب بإجازة في شهر هو الأكثر غزارة بالمهرجانات العربية، أما كريم فلن يستجيب لنصيحة أهله بأولوية دراسته، ويفضل مشاهدة الأفلام بدلًا عنها.
فيديو قد يعجبك: