من هضبة الجولان.. "الغريب" فيلم عن الهزيمة والانكسار وكثير من الضباب
كتبت-رنا الجميعي:
من هضبة الجولان المحتلة صنع أمير فخر الدين فيلمه الروائي الأول، الذي نقل للمشاهد العربي جُزء من الحياة اليومية لسكان الجولان، الأرض السورية التي انفصلت عن باقي الوطن بعد نكسة 1967، ويعرض فيلم "الغريب" حالة الانتظار والعزلة التي يعيشها عدنان بطل الفيلم، وعلاقاته السيئة بأبيه وزوجته.
وقد عُرض الفيلم ضمن أسبوع النقاد في مهرجان القاهرة السينمائي في دورته الـ 43، ويعتبر "الغريب" مثل تجربة كثير من سكان الجولان الذين تشهد أرضهم الاحتلال الإسرائيلي، وحربًا بعيدة تدور في باقي سوريا مُنفصلة عنهم، ولكنها في نفس الوقت تتماس مع حدود الجولان فيُشاهدوا أثرها من بعيد، حيث تدور رحى الحرب الأهلية منذ عام 2011.
وبسبب تلك الحالة التي تعيشها منطقة الجولان فإن الفيلم يستعرض أناسًا يعيشون حالة صدمة نفسية بشكل يومية، وهو ما حاول فخر الدين التعبير عنه من خلال الصورة، فإن الضباب يُلاحق معظم مشاهد الفيلم بسبب ذلك، وكذلك هناك حالة انتظار لشيء لم يأت بعد، يظهر ذلك على ملامح عدنان - الذي يلعب دوره الممثل الفلسطيني أشرف برهوم-، وهناك أيضًا يأس تظهر آثاره على ملامح أبيه - الذي يلعب دوره الممثل الفلسطيني محمد بكري.
بجانب الضباب فإن الصمت يُغلّف أحداث الفيلم أيضًا، لا يوجد حوار بين عدنان وأبيه، حيث أن علاقتهما لا تسير بشكل جيد، عدنان لا يُريد أن يكون نسخة من أبيه، والأب بعناد يقرر ألا يكون ميراثه لابنه بعد الوفاة، كذلك لا يوجد تواصل بين عدنان وزوجته ليلى، فحينما تكرر الزوجة رغبتها في الهجرة إلى كندا، يرفض عدنان دون تفسير لذلك الرفض، وفي نفس الوقت لا يشرح بطل الفيلم لأحد تفسيرًا لكونه سكير وعاطل عن العمل، حيث يعرف المشاهد بين ثنايا الفيلم من خلال حديث أصدقاء عدنان، أنه قد سافر إلى موسكو سابقًا لدراسة الطب، ولكنه يفشل فيها، ولا يعمل كطبيب بعد عودته.
يتضح شعور الهزيمة والانكسار في نفس عدنان، وبينما يحاول الابتعاد عن أن يُشبه أباه، لكنه بدون وعي يُشبهه كثيرًا في تصرفاته العنيدة، والتي لا يقوم بتفسيرها أبدًا، مثلما كان حال أبيه الذي يحاول حلب البقرة التي يخلو ضرعها من اللبن، وفي كل محاولة للحلب لا تعطي البقرة سوى بضع قطرات من اللبن، تنقلب لأن تكون دمًا في مشهد يحاول القول بأن الطبيعة مهزومة مثل أرواح البشر.
خلا الفيلم من دور قوي للمرأة، فرغم وجود امرأتين هما ليلى زوجة عدنان وأمه، لكنهما لم يكن لهما أثر كبير داخل الفيلم، بل كانا مُهمشين بشكل كبير، ومُختلفين أيضًا عن عدنان وأبيه، فأرواحهما لم تسكن هذا القدر من الهزيمة، بل دومًا ما كان وعيهما أكبر من وعي رجالهما، حيث أن ليلى تُحاول الهرب من العيش بمنطقة لا توجد فيها حياة أو مستقبل سواء لها أو لابنتها أو لزوجها، وترغب في الهجرة إلى كندا، وكذلك زوجة الأب التي تُشير له في مشهد محاولاته لحلب البقرة بأنها مريضة، ولكنه لا يسمع لها، حتى يرى بنفسه الدم ينزل من ضرع البقرة.
وعلى مدار حوالي الساعتين هم عمر الفيلم لم يكن هناك حدث قوي يُحرّك الأحداث، سوى الشاب الهارب من الحدود بين سوريا والجولان للبحث عن منزله الذي هُجّرت أسرته منه خلال نكسة 1967، ولم يحمل معه دليلًا سوى صورة فوتوغرافية لمنزل غير واضح المعالم وشجرة تقف أمامه، هروب الشاب للجولان وإصابته هما الدافع الوحيد الذي جعل عدنان يتحرّك في محاولة لمساعدته.
وأُغرق الفيلم في حالة من الضباب والصمت الطويلين، مما عاب إيقاع الفيلم الذي رغب مُخرجه في التعبير بشكل مباشر عما يواجهه سكان الجولان، كذلك انتهى الفيلم بخطاب فيه الكثير من المُباشرة يُلقيه عدنان على زوجته ليلى يُفسّر فيها عن حالته النفسية.
تم ترشيح الفيلم لأن يكون ممثل فلسطين في التقديم لجوائز الأوسكار، وكان عرضه العالمي الأول في مهرجان البندقية السينمائي الدولي، وحصد جائزة Edipo Re لأفضل فيلم عن فئة الأفلام المتنافسة (أيام فينيسيا)، ويعتبر عرضه في مهرجان القاهرة السينمائي هو العرض الأول في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
فيديو قد يعجبك: