إعلان

مقابلة- لينا شاماميان: الفن ينظف ''وسخ'' السياسة

11:58 ص الأحد 04 مايو 2014

لينا شماميان

كتب – سامي مجدي ومحمد مهدي:

غربة وصوتا ملائكي وعقل مولع بتأمل حكايات البشر وقلبا مهموما بالإنسانية.. خليط مثير كون شخصية الفنانة السورية ذات الأصول الأرمنية ''لينا شاماميان''، التي حلت ضيفة على المحروسة الأسبوع الماضي، لتُمتع عشاقها في قاهرة المعز وعروس المتوسط قبل أن تغادر إلى مدينة النور على الجانب الآخر من البحر.

اتصالات قصيرة مع مدير أعمالها ''ماهر صبرا'' جعلتنا نقتنص من وقتها نحو الساعة قبل أن تغادر إلى طائراتها بساعات معدودة. تحدثت خلالها بأريحية عن مشوارها وخططها وحياتها، وزيارتها لأم الدنيا التي وصفتها بأنها ''الأقوى عربيا في الحراك الثقافي والفني''.

كان ليل القاهرة يقترب من انتصافه؛ حينما دلفنا إلى صالة الاستقبال في الفندق الشهير الكائن بأحد أحياء القاهرة الراقية. وجدناهما ''هي وماهر'' يجلسان والإرهاق باديا على وجهيهما، بينما يرتبان لسفرهما إلى باريس بعد رحلة بالقطار من الإسكندرية إلى القاهرة استهلكت اليوم بأكمله.. وبعد ترحيب وسلام بدأ الحوار الذي جاء على عجل.

الطفولة

اصطحبتنا ''لينا'' في رحلة عبر الزمن إلى طفولتها في عاصمة الأمويين ''دمشق'' حينما كانت طفلة مرحة، تحفظ كافة أغاني الأطفال وأغاني الكريسماس رغم صغر سنها، تغني طوال الوقت، لا تصمت أبدًا، تمنح أسرتها ضجيجا محببا، تتذكر حينما كانت تلعب في صالة البيت، تنصت لموسيقى منبعثة من الراديو تبعث الدفء والنشاط في أوصالها، فترقص وترقص وهي تغني قبل أن يسقط الراديو عليها محدثا ندبة تركت آثرا بسيطا أعلى حاجبها الأيسر، حكاية أشارت إليها حينما سألناها عن بوادر تعلقها بالموسيقى والفن بشكل عام.

''بلشت آخذ دروس موسيقى من عمر 8 سنوات'' تعلق قلب الطفلة الشامية بالموسيقى، فانطلقت في دروب الفن، تنثر موهبتها مُعلنة عن صوت جديد يبث السحر في قلوب من قدر لهم أن يسمعوه أو يلمسوه، حتى ساقها القدر إلى لحظة صعودها على المسرح لأول مرة أمام جمهور وهي لم تتخط بَعد عامها الـ 15، في مهرجان ''الأغنية الفرنكفونية'' لمنافسة زميلات تكبرنها أعوام عدة، وحصولها على جائزة تشجيعية في نهاية المهرجان، كانت تلك لحظة فارقة في عمرها ''حسيت وقتها أن بدي أفوت على هيدي الشغلة (الموسيقى والغناء)''.

تداعب ''لينا'' خصلات شعرها بينما غادرتنا لثواني تستعيد فيها ما كان من صعوبات واجهتها في طريقها إلى حِلمها ثم قالت ''دخلت كلية اقتصاد.. أهلي كانوا معارضين أني أغني ومُصرين أكمل الدراسة''.

تحكي عن تفوقها في دراستها، وتركها للموسيقى لبعض الوقت، قبل أن يمنحها القدر إشارة للعودة إلى حلمها مرة أخرى في تلك الليلة الصيفية التي خرجت فيها إلى إحدى الحفلات لفرقة شامية، ووقفت مشدوهة إلى ما تسمعه من أغاني، يتمايل جسدها تلقائيا مع الموسيقى التي تنساب في أروقة المكان، تدغدغ مقاومتها لحب الفن، تنفض الغبار عن حزنها لترك ولعها الذي ظهر في هيئة دموع انسالت على وجنتيها دون أن تشعر ''سألني صديق إنتِ حزينة لأنك مش فوق المسرح؟!'' لتقرر بعدها أن تعود من جديد لدراسة الموسيقى.

بداية الطريق

سابقة في الجامعة للغناء، تقودها عبر ممرات الجهد والموهبة، إلى ساحات الفن لتنهال عليها العروض، ويمدحها أستاذ بالمعهد العالي للموسيقى بسوريا ''قالي أن صوتي نادر''، لتتخذ قرارها بدراسة الموسيقى برفقة دراستها العادية (الاقتصاد في جامعة دمشق) ''التحقت بالدروس من وراء أهلي.. كان عندي شغف كتير لشيء بحبه وما بدي يموت'' قالتها ''لينا'' وضحكت ببراءة كما طفل صغير.

تعب مزدوج من أجل تحقيق الحِلم، وصل بها لأن تنهي دراستها الجامعية بتفوق ملحوظ آهلها لمنحة دراسية لدى أحدى أشهر الجامعات حول العالم ''السوربون''، لكن ذلك لم يجدي مع ولعها وعشقها للموسيقى والغناء. قررت الاعتذار عن تلك المنحة التي يتمناها جميع من هم في مثل سنها، وهذا جعلها تدخل في صدام مع أسرتها ''كان في غضب شديد ومشاكل في البيت''، تقول لينا التي انتقلت بدلا من باريس حيث المنحة، إلى المعهد العالي للموسيقى بدمشق.

الأساتذة الروس دعموا المطربة الشابة، تذكر منهم اسمين لازالا عالقين بذاكراتها وتحفظ لهما جميلها (فيكتور بابينجو ، وناتاليا كوتشوروفا)، برغم أسلوبهما القاسي في التعليم، لكنهما كانا سببا رئيسيا في تطور موهبتها، ومساعدتها في الوصول لآفاق جديدة في عالم الغناء ''حسيت بقيمتهم لما بدأت آلف مزيكا واشتغل في ألبوماتي'' على ما تقول.

تتورد وجنتيها ويحل الفرح بدلا من الارهاق حينما نتطرق في حديثنا إلى ألبوماتها الـ 3 التي أصدرتها خلال الأعوام الماضية ''الألبوم الأول-هالأسمر اللون - كان له حميمية خاصة في طريقة التحضير وما كنا عارفين لوين رايح، والألبوم التاني- شامات - كان على نفس النهج''.

''غزل البنات''

''غزل البنات'' ألبومها الأخير، تقول عنه لينا ''كنت حابة أنزل بحاجة أقرب للعالم.. قصص عن سوريا والعالم العربي، عن كل البشر في كل مكان، لأن كل القصص فيه حاجات مشتركة ما بينا'' تتوقف برهة عند الحديث كأنها تلتقط ما تقوله من وحيها الخاص ثم تُكمل '' أحيانًا تبقى عايز تعبر عن حالات مختلفة، الغضب والخوف.. الفرح والأمل والحب.. المجهول والعز.. هيدي المسائل المختلطة حطيتها في الألبوم.. هو يشبهني كتير'' تضيف لينا أن الألبوم يحتوي على تنوع في الكلمات والموسيقى والايقاعات.

''غزل البنات ثالث ألبوم ينشر لكنه رابع ألبوم ينتج'' المفاجأة التي لا يعرفها الكثير التي كشفتها ''لينا'' خلال حوارنا، أنها انتجت ألبوما قبل ''غزل البنات'' لكنها رفضت نشره بسبب الأوضاع السورية السيئة ''في عالم بتموت وغير ملائم أنه ينزل في التوقيت دا'' الألبوم اسمه ''رسائل'' يحتوي على أغاني أعراس.

ترفض ''لينا'' أي تشبيه لها بأي مطرب أو مطربة عربية ''ما في حدا بيشبه حدا، ومابحب أصير مثل حدا.. حاولت أن أوضح هذا في ألبومي الأخير''، ترى أن لكل فنان تجربته في الحياة وصوتا مختلفا، والتشبيه ظُلم للجميع، على ما تقول.

مصر.. المختلفة

الزيارة الأخيرة إلى مصر لم تكن الأولى للمطربة السورية الشابة، فقد صدح صوتها في المحروسة 3 مرات من قبل، لكنها المرة الأولى لها بعد الثورة ''جيت لمصر من أجل التواصل مع العالم الشرقي.. الجمهور هنا مختلف.. ودايما أفضل حفلاتي في مصر ومش بنساها أبدا'' الزيارة كانت فرصة جيدة ليتعرف جمهورها من العرب على ألبومها الجديد ''غزل البنات'' ولمزيد من التواصل مع من يعرفها ومن لا يعرفها بسبب بعدها عن الوطن العربي.

كشفت لنا عاشقة الموسيقى عن وجود مشاريع مشتركة قريبة مع فنانين مصريين، وتواجدها في الفترة القادمة من خلال تترات مسلسلات وأغاني وإعلانات.. ''الحراك الثقافي في مصر هو الأفضل على مستوى العالم العربي.. وفيه مشاريع كتيرة هتيم الإعلان عنها قريبا''.

ترى ''لينا'' أن ردود فعل الجماهير على ألبوماتها هي الثمرة الحقيقة لجهدها ''هيدي الأمر هو اللي بيخليك تكمل أو توقف أو تغير'' تدرك أن التواصل مهم جدًا بين الفنان وجمهوره'' منا منفصلين عن بعض'' لأن الفن يصنع من أجلهم.

تُساءل عن ''دمشق'' مسقط رأسها، فتلتقط من الهواء شهيقا ملحوظا، وتقول ''دمشق مدينة تحتلك، بعدي أسيرة لها، الحياة قبل وبعد الثورة اختلفت كتير.. وأنا من العالم اللي سابت كل شيء هناك''.

توقفت ''لينا'' عن التواجد في حفلات بسوريا نظرا لأجواء الحرب التي تعيش فيها، ترفض لكنها تحيي كل من يحاولون صنع البهجة وسط الدمار.

تقول ''لينا'' عن الفن: وجوده مهم حتى يداوى الجروح، لازم نستمر لإزالة ''وسخ'' السياسة، ومهم يكون صادق عشان يوصل للناس، مستحيل أغني شيء ما بيمسني، في قصص لازم تتحكي ودا دور الفن.

بعد زيارتها لمصر، تستكمل ''لينا'' تسجيل أخر أغاني ''غزل البنات'' وتخوض جولة بالعالم العربي وشمال أفريقيا، يحل صوتها ضيفا عزيزا في حفلات بلبنان ودبي والمغرب العربي، وحفلات في أمريكا،وسعيدة جدا بحفلها في لندن بمسرح الباربيكان ١٣ حزيران القادم، ثم تتفرغ لمشروعها الغنائي القادم ،وإلى جانب الموسيقا ''بدي أشتغل على ملف التعليم''.

الغربة في مدينة النور

ننتقل مع ''لينا'' إلى باريس نمشي في طرقاتها، ندلف هناك وهناك، نستشعر رغم جمال المدينة احساس الغربة الثقيل على النفس، تلك التجربة الثرية بخليط من المشاعر المختلفة ''الغربة كتير بتكّبر.. قاسية، أحيانًا ما بتعرف تتصرف لما بتكون وحيد، لكن كتير صادقة.. هي قوتني كتير وبتعلمك إن ما فيك تخسر'' هكذا قالت وعينيها غائمة بالحزن.

فرنسا رغم الغربة بها مميزات ساعدتها على التأقلم سريعا ''عائلتي في دمشق بس رفقاتي معي.. كمان بلد مفهوش قيد، فيك تلاقي حالك ومساحتك الشخصية، وما في وصاية وبتعطيك حرية كاملة، تحررت هناك في عالم الموسيقى وكتبت ولحنت''.

قبل أن نُنهي حديثنا بعد أن طال بنا الوقت ولم نشعر به، تحدثت ''لينا'' عن هواياتها وعشقها للرياضة ''اتعلمت منها إنك بتتحدى حالك مش حد تاني، ومقاومة الألم وتحمله''، فضلا عن شعورها بالفخر لأنها طباخة ماهرة '' كنت فاكرة إني مش بعرف أطبخ بس لما جربت لقتني بعمل أكل كتير حلو''.

الغناء يحتاج إلى ثقافة وإنسانية قبل الصوت الحلو.. أمور استشعرنا وجدوها في ''لينا'' خلال حوارنا معها، دفعتنا لالتقاط صور تذكارية بصحبتها قبل أن نغادر الفندق ونتركها لتجهيز حقائب السفر، في انتظار قدومها مرة أخرى خلال الشهور القادمة كما وعدتنا.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان