فنانون أخلصوا لمصر وفنهم فظلمتهم الأنظمة وماتوا بحسرتهم
تقرير- منى الموجي:
هم فنانون عشقوا وطنهم حتى النخاع وآمنوا بأن الفن وسيلة يستطيعون بها خدمة الوطن، فمنحوه طاقتهم وجهدهم وفي بعض الأحيان أموالهم، وأجزلوا العطاء ولم ينتظر أحدا منهم تكريم أو اعتراف الأنظمة بجميلهم، لكن ما لم يتوقعوه أن يكون بديل الشكر مصادرة أملاكهم إما بسبب الصالح العام أو قانون التأميم أو حتى ضرائب لم يتم سدادها، فعاشوا ما تبقى من عمرهم يتجرعون الآلام من أنظمة بعضها لم يدرك قيمة الفنان، والبعض الآخر أراد عقاب بعض الفنانين على آراءهم السياسية.
فارس السينما المصرية
''فارس السينما المصرية''، هو اللقب الذي منحه الجمهور والنقاد للفنان أحمد مظهر، ضابط الجيش الذي ظل يجمع بين العمل الفني وعمله كجندي من جنود الوطن حتى اختار التفرغ للعمل الفني.
وفي لقاء له مع الإعلامي مفيد فوزي، بكى مظهر لقيام الدولة بوضع يدها على مساحة كبيرة من أرض فيلته التي تقع بالقرب من كوبري ''المحور''، مبررين ذلك بأن حديقة الفيلا تعترض طريق الكوبري، ولم تشفع دموعه لدى الدولة لتتراجع عن القرار، لافتين إلى أن الصالح العام يعلو فوق المصالح الشخصية.
دموع مظهر لم تكن فقط بسبب اقتطاع جزء من أرض حديقته، ولكن لوجود نباتات نادرة في الحديقة، فقام البلدوزر بدهس هذه النباتات، وكان معروف عن مظهر عشقه للزراعة وللنباتات النادرة التي كان يرعاها بنفسه.
ملك الموسيقى
''فنان ستغني مصر من ألحانه لستين عام قادمة''، هكذا قدم الفنان محمد فوزي الملحن الشاب والموهوب آنذاك بليغ حمدي لكوكب الشرق أم كلثوم، وصدق حدس فوزي فمازال العالم العربي يغني ألحان وروائع بليغ حمدي.
بليغ عانى مرارة الغربة والظلم، منتظرا أن تثبت براءته بعدما تم اتهامه في قضية مقتل فتاة تدعى سميرة مليان، والتي وجدت ملقاة من شرفة منزل بليغ، وكان معروف عن بليغ أن بيته مفتوح لكل أهل الفن وللسهرات الفنية وكان كثيرا ما يتركهم في شقته ويدخل لينام، أو يخرج ليقضي مشوارا، وعلى إثر هذه القضية ظل بليغ يتنقل ما بين لندن وباريس لمدة أربع سنوات قتلته فيهم الغربة، حتى أثبتت المحكمة براءته ليعود إلى وطنه من جديد.
محمد فوزي
لا أحد يعلم لماذا تم تأميم شركة محمد فوزي للإسطوانات والمعروفة وقتها باسم ''مصر فون''، وذلك بعد مرور عامين فقط على إنشاءها، فلم يكن فوزي ابن الذوات أو الإقطاعي صاحب الوسية، الذي حقق الثراء الفاحش على حساب البسطاء من الفقراء والفلاحين، بل كان ينتمي لعائلة بسيطة وبدأ حياته من الصفر.
كانت شركة فوزي هي الشركة المصرية الوحيدة، التي استطاعت منافسة شركات أجنبية أخرى كانت تحتكر سوق الإسطوانات المصري.
أصاب قرار التأميم فوزي بصدمة أثرت على صحته، التي أخذت تزداد سوءا، ورغم رضاه في البداية عن قرار الدولة، طالما سيكون هذا في صالح مصر، إلا أن سوء المعاملة ممن أصبحوا مسؤولين عن إدارة الشركة هو ما جعل فوزي ينزوي في بيته لتتدهور صحته.
وفشل الأطباء في التعرف على المرض الذي ألم به، وظل المرض معروف باسم ''مرض محمد فوزي''، وهو مرض لم يكن مصابا به آنذاك سوى خمسة أشخاص على مستوى العالم من بينهم محمد فوزي، أخذ المرض يأكل في جسده ليصل وزنه إلى 36 كيلو وكأنه عاد طفلا لم يتجاوز عمره 9 سنوات، وتوفي بعد معاناة مع المرض عام 1966 عن عمر ناهز 48 عام، متجرعا كؤوس الألم والمرارة.
محمد نوح
لم يحظ الفنان محمد نوح حتى الآن باهتمام إعلامي وتقدير لمشواره الفني، الذي أعطاه عمره وجهده وأمواله، عندما قرر بناء مسرح على قطعة أرض يمتلكها، ليشارك من خلاله في تقديم عروض مسرحية تليق بقيمة أبو الفنون، وتكون شريكا في بناء العقول، وتقويم سلوك المجتمع ونقد الواقع السياسي.
فعندما أنشأ نوح مسرحه الخاص به على قطعة أرض يمتكلها قدم مسرحية عنوانها ''سحلب'' بطولة حسين فهمي وليلى علوي، وكانت تهاجم أساليب أمن الدولة في التعامل مع المواطنين وكيف كانت تُلفق التهم لأشخاص أبرياء، فصدر قرار بإغلاق المسرح وبعدها بأيام وجد نوح قوات من الجيش وسيارات مدرعة تأتي لمسرحه وتطلب من المتواجدين بداخله الخروج لهدمه، فذهب نوح للضابط المُكلف بتنفيذ الأوامر ووضح له أن هذا المسرح ملكه وأن الأرض المبني عليها المسرح تعود ملكيتها له، فما كان من الضابط إلا أن قال له إن هذه أوامر وستُنفذ وسيتم أخذ الأرض.
وكان عشق نوح للفن وإيمانه بأنه رسالة ترتقي بالمجتمع وقيمه، هو الدافع وراء إنشاء مسرح خاص به يقدم على خشبته فنا حقيقيا يتفق ومبادءه وأفكاره، لكن سرعان ما ضاع حلمه وخسر معه الملايين، بسبب مسرحية انتقد فيها الظلم والقهر والظلم في نظام مبارك.
تشارلي شابلن العرب
لم يكن هو الفنان الوحيد الذي يتعثر في سداد الضرائب المستحقة على فرقته المسرحية، حيث عجز نجم الكوميديا الذي مازال متربعا على عرش الكوميديا ويعشقه الصغير قبل الكبير، الفنان إسماعيل ياسين عن سداد الضرائب، وبدلا من أن يفكر أحد في إنقاذ فرقة إسماعيل ياسين من الانهيار، ويمنحها قبلة الحياة ليستمر في عطاءه الفني،، قامت الضرائب بالحجز على عمارته التي بناها بسنوات من التعب والعرق، لتباع أمام عينه في المزاد، ويضطر شارلي شابلن العرب لحل فرقته المسرحية، ويقبل العمل كمنولوجست في لبنان، ويضطر لقبول أدوار صغيرة لا تلائم تاريخه الفني.
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك ...اضغط هنا
فيديو قد يعجبك: