إعلان

رمضان فى الصين.. دعوة متجددة للسلام

02:24 م الخميس 11 يونيو 2015

رمضان فى الصين.. دعوة متجددة للسلام

قال الشيخ هلال الدين تشين قوانغ يوان رئيس الجمعية الإسلامية (أعلى سلطة دينية لمسلمى الصين) إن احتفال الصين العام الحالى بشهر رمضان يتخذ طابعا عمليا حيث ستشرع فى بناء مدينة دولية إسلامية الطراز والخصائص والمعمار بمنطقة نينغشيا ذاتية الحكم الواقعة شمال الصين الغربى تجمع بين الثقافة والسياحة والحضارة والتجارة وتجذب إليها المسلمين من شتى بقاع الأرض وقد اختير لها مبدئيا اسم (هدية الصين لمسلمى العالم).

وأشار إلى أن هذه المدينة ستكون بمثابة نافذة للمسلمين العرب والفرس والأجانب والصينيين تدمجهم جميعا فى عصر العولمة.

وستضم مركزا ثقافيا صينيا عربيا ، وحديقة نموذجية منظرية للكعبة المشرفة تعرض فيها مناسك فريضة الحج ، ونموذجا لأكبر وأعرق مسجد صينى محاط ببحيرات صناعية ومروج خضراء ، ومسرحا تعرض فيه حكايات ألف ليلة وليلة الشهيرة ، ومكتبة تضم نسخا مخطوطة نادرة من القرآن الكريم وأمهات الكتب الإسلامية ، ومتحفا للأزياء الإسلامية ونماذج مصغرة من أسطول أمير البحر الصينى المسلم تشنغ خه الذى ساهم فى نشر الإسلام إلى العديد من قارات العالم من خلال رحلاته السبع.

ومن المقرر أن يتم الاحتفال رسميا داخل مسجد "دونغ سى" فى العاصمة بكين بإزاحة الستار عن النقش الحجرى للقرآن الكريم - الذى يعد الإنجاز الأول من نوعه فى الصين - والذى استخدم فيه 528 لوحا صخريا بطول متر واحد وعرض 50 سنتيمترا وسمك ثلاثة سنتيمترات ويبلغ إجمالى مساحته 264 مترا مربعا ووزنه حوالى 26 طنا .. وقد نقش عليه النص الكامل للقرآن الكريم بأجزائه الثلاثين وسوره الـ114.

وقد تزين شارع "نيو جيه" الكائن جنوب العاصمة بكين - والذى اشتهر منذ القدم بأنه الحى الخاص بالمسلمين الصينيين حيث يقطنه قرابة 12 ألف مسلم ويحتضن أعرق مساجد العاصمة وهو مسجد "نيو جيه" - بأزهى الحلل احتفالا بشهر رمضان المبارك .. وبإعادة افتتاح المسجد الشهير بعد انتهاء أحدث عملية ترميم تكلفت 22 مليون يوان (حوالى 3 ملايين دولار أمريكى) استعدادا لاستقبال أكثر من ثلاثة آلاف مسلم من كافة القوميات الصينية المسلمة العشر وكذلك الأجانب المقيمين والسائحين من الدول العربية والآسيوية - ماليزيا وأندونيسيا وتايلاند والفلبين -إلى جانب قاطنى الحى ، لأداء صلاة التراويح يوميا طوال الشهر الكريم.

كذلك تحولت المحال التجارية المنتشرة على امتداد الشارع إلى مهرجان لعرض ملابس النساء المحجبات والطرابيش والعبايات والسجاجيد والمسابح والفوانيس ، فيما حرص أصحاب المطاعم على تقديم الأكلات التقليدية للمسلمين الصينيين خاصة الكنافة والقطايف.

وفى كل ركن وزاوية بالشارع يطالع المرء يافطات كتب على واجهتها الأمامية باللغة العربية - إلى جانب اللغة الصينية الرسمية المعروفة باسم لغة الماندرين - "مطاعم المسلمين" وأخرى "اللحم الحلال" وثالثة "مخبز كعك العيد" ورابعة "مكتبات لأمهات الكتب".

ومن داخل هذا المكان المعبق برائحة التاريخ والمفعم بالأجواء الرمضانية ، تحدث الشيخ "وى تشون جيه" إمام مسجد "نيو جيه" لمراسلة وكالة أنباء الشرق الأوسط فى بكين حيث وجه التهنئة إلى العالم الإسلامى فى شتى أرجاء المعمورة ومجددا الدعوة لأن يكون الشهر المبارك مناسبة كى يعم السلام والوئام والانسجام والرخاء والأمن والسكينة بين البشرية بأسرها على اختلاف اللون والجنس والعقيدة وبين القوميات الصينية الـ56 بمن فيهم المؤمنون والملحدون.

وبداية أكد "وى" أن الدين فى الصين لم يعد كما كان طويلا "أفيون الشعوب" ، وأوضح أن لفظ (نيو جيه) الصينى يعنى (شارع البقر) ، وتعزى هذه التسمية إلى رغبة المسئولين الصينيين فى التفريق بينه وبين سائر شوارع العاصمة الصينية التى يسمح فيها بتجارة لحوم الخنزير ، ولأن تناول الخنازير محرمة فى الشريعة الإسلامية ، بات شارع البقر علامة مميزة على أنه الشارع الوحيد الذى لا يسمح فيه بتجارة لحوم الخنزير ويقتصر الأمر فقط على لحوم البقر التى يتناولها المسلمون.

وأضاف أن مسجد "نيو جيه" - الذى يقف شامخا وسط الشارع ويحمل نفس اسمه - يعود بناؤه لعام 996 ميلادية إبان فترة حكم أسرة (لياو) لكن هناك عددا من المؤرخين يشككون فى صحة تاريخ تشييد المسجد وإن ينقصهم البرهان على نفى الأمر، ولذلك فإن زمن بناء هذا المسجد ظل معترفا به على وجه العموم 996 ميلادية.

وتفيدنا المدونات التاريخية بأن أحد العرب ويدعى الشيخ قوام الدين ، قد جاء من بلده إلى الصين ومعه ثلاثة أولاد هم ابنه البكر صدر الدين وابنه الثانى ناصر الدين وابنه الثالث سعد الدين ، وكلهم أذكياء وأكفاء فوق العادة وعرف عنهم حبهم لعيشة الاعتكاف فلم يستسيغوا أبدا الوظائف التى منحهم إياها البلاط الإمبراطورى ، ولذلك فقد أنعم على كل منهم بلقب إمام المسلمين حين استوطنوا الصين.

أما صدر الدين فقد غادر سريعا إلى أماكن آخرى لنشر الإسلام ولم يرجع إلى الصين ، بينما قام سعد الدين ببناء مسجد فى دونغقوه (الناحية الشرقية من بكين) ، فيما قام ناصر الدين ببناء مسجد فى ضاحية بكين الجنوبية (ضاحية نيوجيه) بأمر من الإمبراطور.

وهذا المسجد الأخير هو مسجد "نيوجيه" وقد كان صغير الحجم فى بادىء الأمر ، ثم أصبح على الصورة التى نراها اليوم بعد توسيع بنائه مرارا فى عهد أسرتى مينغ وتشينغ (1368-1911م) ، وفى عام 1474 ميلادية أطلق الإمبراطور عليه اسم "لى باى سى" ومعناها (دار الصلاة) ، وعقب ترميمه عام 1696م على حساب البلاط الإمبراطورى ، تم منحه لوحا مكتوبا عليه "دار الصلاة الإمبراطورية" محفوظة بداخله إلى اليوم.

ومنذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية عام 1949 ونظرا لما تعرض له مسجد "نيوجيه" من تخريبات خطيرة بلغت الذروة إبان هوس "الثورة الثقافية" ومن ثم إغلاق أبوابه لأكثر من عشر سنوات ، فقد أجريت له أربع عمليات ترميم أعوام 1955 و 1979 و 1996 و 2005 على التوالى مما أفضى إلى توسيع مساحته من 6 آلاف متر مربع إلى 10 آلاف متر مربع فى الوقت الحالى تحيط بها من كل الجوانب شجر الرمان المذكور فى القرآن الكريم.

وقد حرص القائمون عليها على الإبقاء على الطراز الصينى بزخرفته وهندسته وأسطحه المائلة القرميدية ، كما نقشت آيات من القرآن الكريم على أعمدته ، وضم إليه مكتبة مخطوطات ومنبر يقال إنه جلب من اليمن قبل ألف عام.

وبالإضافة إلى ترميم المبانى القديمة فى مسجد "نيوجيه" تم بناء مسجد فرعى صغير ملحق به دورة مياه وخصص للنساء فقط ، كما تم تشييد صالة عرض للتحف والآثار التاريخية الإسلامية وقاعة للمآتم والأفراح ومدرسة إسلامية لتخريج الأئمة والوعاظ والخطباء.

ومع أن مبانى المسجد لا تختلف عن القصور الكلاسيكية الصينية شكلا وتوزيعا إلا أنها مميزة بالزخارف الإسلامية الطراز ، أما قاعة الصلاة فى المسجد فتفترش مساحة تزيد على 700 متر مربع وتواجه الشرق وهى تشكل مع القاعة المقابلة لها وجناحى المسجد الجنوبى والشمالى دارا مربعة مثالية (أى دار تحيط بها المبانى من الجهات الأربع وتتوسطها ساحة رحبة).

وفى قاعة الصلاة تظهر على العتبات العليا نقوش من الآيات القرآنية والتسابيح الإلهية والمدائح النبوية ، وعلى جنبات الدعامات القرمزية اللون نقوش لزهور النيلوفر المموهة بالذهب مما يشكل مع الثريات المعلقة فى القاعة منظرا فريدا من نوعه ، أما محارب قاعة الصلاة فمسقوفة بمقصورة سداسية الأضلاع مخروطية الشكل مميزة بالسقف الدائرى الملون من عهد أسرة سونغ (960-1279م).

وكان لهذه القاعة عيب ماثل فى الحرارة الخانقة التى يعانى منها المصلون صيفا والبرد القارص شتاء ، ولكن هذا العيب قد تم تفاديه بعد تزويدها بأجهزة التهوية منذ سنوات.

وعند الركن الجنوبى الشرقى يوجد مرقدان للشيخ أحمد البرتانى المتوفى عام 1280 م والشيخ عماد الدين المتوفى عام 1283م ، وهما من علماء الإسلام العرب الذين جاءوا إلى الصين لنشر الإسلام.

وينتصب بجوار هذين الضريحين شاهدان منقوشان بكتابات عربية واضحة الخطوط ، وهما فى نظر المسلمين المحليين من روائع الآثار الإسلامية.

أما بوابة المسجد ، فهى مفتوحة إلى الغرب ، وأمامها حاجز طوبى كبير ، ووراؤها برج لمشاهدة الهلال ، سداسى الأضلاع ، وأمام قاعة الصلاة اثنتان من مقصورات الأنصاب الصخرية تنتصب إحداهما فى الجنوب والأخرى فى الشمال ، وتبدو مبانى المسجد منسجمة متناسقة ومحكمة وتشكل مجموعة كاملة من المبانى الرائعة التى تثير فى النفس شعورا بالمهابة والإجلال.

ومن أهم محفوظات المسجد ، لوح منقوش عليه أمر أعلنه الإمبراطور كانغشى عام 1694م بخصوص المسلمين ، إذ يقال إنه لما وجد الحاقدون على الإسلام المسجد مضاء بالأنوار المتألقة فى ليالى رمضان ، سارع بعضهم إلى الإمبراطور ووشوا بالمسلمين بدافع التقرب إليه ، وزعم أحدهم قائلا "إن المسلمين يجتمعون ليلا ، ويتفرقون نهارا ، فيما يبدو لو أنهم يستعدون للتمرد".

توجه الإمبراطور على الفور إلى المسجد وهو متخف فى بزة مدنية للتحقق من الأمر ، ولكن تبين له أن كل ما ورد فى وعظ الإمام هو من التعاليم الإسلامية الداعية إلى الخير والناهية عن الشر ، فما لبث أن أصدر أمرا جاء فيه "ليكن فى علم جميع المقاطعات إنه إذا افترى أحد الموظفين أو الرعايا على المسلمين بالتمرد متذرعا بذريعة تافهة ، فلابد من معاقبته معاقبة شديدة قبل استشارة القيادة العليا ، وليتمسك المسلمون بالإسلام دون السماح لهم بمخالفة أمرى هذا".

وقال الشيخ "وى تشون جيه" إمام مسجد "نيو جيه" "فى عالم اليوم ، تبدو التناقضات والخلافات بين الأديان والحضارات والثقافات أحد العوامل الرئيسية لزعزعة الاستقرار .. لكن العكس تماما هو ما يمكن تلمسه فى الصين الشيوعية ، التى يبلغ تعدادها السكانى 1.3 مليار نسمة ، أكثر من مائة مليون منهم يعتنقون خمس ديانات رئيسية هى البوذية والطاوية والإسلام والبروتستانينية والكاثوليكية ، يعيشون فى وئام وانسجام وتناغم دفعهم إلى تأسيس ما أسموه "جمعية السلم للأوساط الدينية الصينية عام 1994" شعارها "الصداقة ، السلام ، التنمية ، التعاون".

يأتى ذلك تماشيا مع نصوص جميع الدساتير الصينية الأربعة (1945/1975/1978/1982) التى أكدت على احترام وحماية حرية الاعتقاد الدينى والمساواة بين مختلف الأديان والتعايش فى وفاق فيما بين معتنقيها .. فلا يجوز التمييز بين دين وآخر ولايجوز التعصب ضد أى مواطن لمجرد أنه يعتنق دين أو لأنه لايعتقد فى الأديان مع التركيز على المبدأ الرئيسى (فصل الدين عن الدولة) وفكرة (حب الدين والوطن معا) التى تمثل ركيزة الاستقرار والوئام والانسجام بين قوميات المجتمع الصينى ال56 على اختلاف عقائدها.

كما يأتى ذلك بعد أن بدلت الحكومة المركزية موقفها "الماركسى التقليدى" الذى طالما ارتأى "أن الدين أفيون الشعوب" ، حيث أكدت وثيقة صدرت فى أكتوبر 2007 عن اللجنة المركزية للحزب الشيوعى الصينى أن الدين يمكن أن يلعب دورا محوريا فى إحراز هدف "الوئام والانسجام والتناغم الاجتماعى" الذى أصبح إحدى الأولويات القصوى فى عهد الرئيس هو جين تاو الذى ينتمى إلى قومية الهان التى يشكل أفرادها أكثر من 92% من إجمالى تعداد سكان الصين ، وغالبية أفراد هذه القومية لا دينيين لكنهم يؤمنون بالمطلق بحرية العقيدة الدينية.

وعن الإسلام فى الصين قال الشيخ "وى تشون جيه" إمام مسجد "نيو جيه" "إن الاسلام فى الصين حضارة خالدة وحقائق غائبة .. فليس ثمة من يستطيع الجزم يقينا بموعد دخول الإسلام إلى الصين لعدم توفر المعلومات الموثقة أو الأدلة الدامغة ومما يزيد الأمر تعقيدا هذا التباين الكبير فى السجلات التاريخية الرسمية الصينية .. وإن كان الاعتقاد السائد شبه المتفق عليه هو أن الإسلام دخل إلى الصين فى أواسط القرن السابع الميلادى ، وأن دخوله لم يكن اعتمادا على منطق القوة والسيف أو ارتكازا على الفتوحات الإسلامية ولكن عبر التجار العرب والفرس والأتراك المسلمين الذين قدموا إلى الصين عن طريق البر إلى شمالها الغربى وعن طريق البحر إلى جنوبها الشرقى.

وعندما اشتدت هجمات المنغول على الصين إبان عهد أسرة يوان (1271-1368م) كان من العسير عليهم العودة إلى بلادهم فلم يجدوا بدا من استيطان الصين ومع تعاقب الأجيال أصبحوا مواطنون أصليون وليسوا ضيوفا أو مهاجرين.

منذ ذلك التاريخ أخذ الإسلام بالانتشار فى شتى أنحاء الصين فى إطار عملية سلمية استغرقت نحو سبعة قرون ظل خلالها موضع اهتمام حكام الصين شأنه فى ذلك شأن العقائد الأخرى كالبوذية والطاوية والشامانية والزرداشتيه والنسطورية والمسيحية واليهودية بل ربما أفضل منها من حيث تمتع علماء المسلمين بالحماية القانونية والإعفاء من الضرائب وأعمال السخرة.

وقال الشيخ "وى تشون جيه" إمام مسجد "نيو جيه" "إن من بين القوميات ال56 التى يتشكل منها نسيج المجتمع الصينى توجد عشر قوميات يدين أفرادها بالإسلام وهى (هوى / ويغور/ قازاق / دونغشيانغ / قرغيز/ سالار/ طاجيك/ أوزبك / باوآن / التتار) وإذا كانت الإحصائيات الرسمية تشير إلى أن إجمالى عدد مسلمى الصين يبلغ نحو 28 مليون نسمة (يشكلون نحو 4.1% من مسلمى قارة آسيا ونحو 2.9% من مسلمى العالم) فإن قومية هوى وحدها تشكل أكثر من عشرة ملايين من هؤلاء المسلمين حتى أن عموم مواطنى الصين لايكادون يعرفون أن هناك مسلمين من غير أفراد قومية هوى ومن ثم نسبوا الإسلام إليهم وباتوا يعتقدون أن جميع المسلمين فى شتى أرجاء المعمورة تنحدر أصولهم من تلك القومية.

ولكن الصين بها أيضا عدد من المسلمين لا ينتمون إلى هذه الأقليات القومية العشر ، فعدد غير قليل من أبناء قومية هان - أكبر القوميات فى الصين عددا وانتشارا وتشكل 92% من إجمالى سكان الصين - انضووا تحت لواء الإسلام ، وبعض أفراد قومية التبت يعتنقون الإسلام منذ القرن التاسع عشر ورغم أنهم لا يجيدون اللغة الصينية أو العربية قراءة أو كتابة وخاصة المسنين لكنهم يؤمنون بالله بإخلاص ويلتزمون بالمبادىء الإسلامية فى أقوالهم وأفعالهم حيث تأصلت فى قلوبهم.

هناك أيضا قوميات (داى / مياو / باى / يى) التى تحول عشرات الآلاف من أفرادها تباعا إلى الإسلام حسبما ورد فى السجلات التاريخية حتى وصل عددهم اليوم إلى نحو ربع مليون مسلم وأصبحوا أعضاء جددا فى الأسرة الإسلامية الصينية الكبيرة.

وأوضح الشيخ وى قائلا "إن لفظ الإسلام ارتبط فى الصين بألفاظ كثيرة إلى حد اختلاط المفاهيم وإن اختصر مؤخرا إلى ثلاثة ألفاظ فقط لها دلالاتها الخاصة وهى "داشى" و"فانفانغ" و"هوى".. فأما اللفظ "داشى" فهو مرادف صينى للأمة العربية كبشر وللجزيرة العربية كمكان نسبة إلى المكان الذى ولد ومات فيه الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأما لفظ "فانفانغ" فهو يطلق على كافة المناطق التى تقطنها القوميات الإسلامية فى الصين شريطة أن تضم تلك المناطق ثلاث منشآت رئيسية هى مسجد ومقبرة عامة ودار لليتامى لتتخذ الشكل الذى تصبح معه "فانفانغ" ، وأما لفظ "هوى" فهو نسبة إلى أكبر القوميات العشر التى تدين بالإسلام فى الصين وهى قومية هوى.

وحتى يستقيم المعنى والمفهوم للفظ الإسلام ..أصدر مجلس الدولة الصينى يوم الثانى من يونيو عام 1956 إشعارا رسميا تم بمقتضاه حظر استخدام جميع المسميات والمصطلحات غير الصحيحة وقصر ذلك على استخدام لفظ الإسلام ذاته فى معرض التعبير عن الدين السماوى الذى حمل رسالته إلى العالم النبى محمد صلى الله عليه وسلم.

وتعتبر الديانة الإسلامية فى الصين هى الثانية من حيث عدد الأتباع (بعد البوذية وقبل المسيحية) علما بأن مسلمى الصين جميعهم من أهل السنة ويتبعون المذهب الحنفى ولايختلفون عن سائر مسلمى العالم إلا فى بعض الأمور التى آثر المشرعون والفقهاء فى الصين تنظيمها وفقا للقوانين المدنية والوضعية.

واعتبر الشيخ وى أن الاختلافات بين مسلمى الصين ومسلمى العالم هى مجرد أمور بسيطة غير جوهرية لاتمس العبادات والفرائض المنصوص عليها وفقا للشريعة الإسلامية حيث تتعلق ببعض أحكام الزواج والطلاق والميراث وحساب المناسبات الإسلامية.

فبالنسبة للزواج لايحق للمسلم الصينى الزواج بأكثر من امرأة - أيا كانت الأسباب - وبالطبع تكتب وثيقة الزواج باللغة الصينية الرسمية (الماندرين) بينما تجرى مراسيم الزواج بما فى ذلك مراسيم عقد القران باللغة العربية لغة القرآن الكريم حيث يشترط فى المأذون إجادة اللغة العربية.

وبالنسبة للطلاق فالمسلم الصينى لايتمتع وحده بهذا الحق بل تشاطره المرأة المسلمة ويمكنها الحصول عليه متى شاءت بقرار من المحكمة .. الأمر الذى بات معمولا به اليوم فى العديد من الدول الإسلامية تحت مسمى (الخلع) وإن تباينت الشروط التى تحصل المرأة بمقتضاها على هذا الحق من بلد لآخر.

وفيما يتعلق بأحكام الميراث وخلافا لما هو مطبق فى غالبية الدول الإسلامية فإن نصيب المرأة المسلمة الصينية فى الميراث مساو تماما لنصيب الرجل أى أنها تحصل على نسبة معادلة للنسبة التى يحصل عليها الرجل وليس ثمنه أو ربعه أو ثلثه أو نصفه وليس ضعفه!!

كذلك فإن ارتداء المرأة المسلمة الصينية للحجاب ليس فرضا إلا حال دخولها المسجد للصلاة على عكس الرجل المسلم الصينى الذى لايخلع الطاقية البيضاء من فوق رأسه على مدار الساعة باعتبارها أحد معالم هويته الإسلامية!!.

وبالنسبة للمناسبات الإسلامية .. قال إمام مسجد "نيو جيه" إن مسلمى الصين يصومون رمضان لمدة ثلاثين يوما كاملة كل عام وفقا لتقويم خاص اعتمدوه منذ دخول الإسلام إلى الصين.

هذا التقويم يقسم العام الهجرى إلى قسمين الأول يضم الأشهر الفردية ويبلغ عدد أيامها 30 يوما بينما يضم القسم الآخر الأشهر الزوجية ويبلغ عدد أيامها 29 يوما علما بأن رمضان يوافق الشهر التاسع من التقويم الهجرى لذلك يكون على الدوام ثلاثين يوما ولم يحدث مطلقا وعلى مدار القرون الطويلة أن كان رمضان فى الصين منقوصا ، كما تعرف بدايته ونهايته منذ اليوم الأول للسنة الهجرية الجديدة فيما يتم الإعلان رسميا عنه من قبل الجمعية الإسلامية الصينية فقط على سبيل التذكرة خاصة وأن التقويم الهجرى ليس معمولا به فى الصين.

وفيما يتعلق بعيد الأضحى المبارك فيتم الاحتفال به بعد سبعين يوما بالتمام والكمال من أول أيام عيد الفطر ، ولاعلاقة لمسلمى الصين فى ذلك برؤية الهلال أو بالحسابات الفلكية أو بما هو متبع فى المملكة العربية السعودية أو سائر الدول الإسلامية الأخرى.

وعودة إلى شهر رمضان المعظم يقول الشيخ وى "إن هذا الشهر الفضيل بالإضافة إلى أنه مناسبة لصلة الرحم وإظهار كرم المسلمين بالعطف على الفقراء والمساكين فإنه فى الصين يكتسب أهمية خاصة بالنسبة لعمليات ترميم وتزيين المساجد وفرشها بالسجاجيد وغرس حدائقها بالزهور والورود بلونيها الأحمر والأصفر رمز البركة والبهجة وفقا للعقيدة الصينية .. وذلك استعدادا لاستقبال المصلين الذين تتضاعف أعدادهم فى هذا الشهر قياسا ببقية أشهر السنة ، حتى أن الصورة المغايرة التى تبدو عليها مساجد الصين فى هذا الشهر تكاد تكون بمثابة العلامة البارزة التى يعرف منها عموم مواطنى الصين أن شهر المسلمين قد حل.

فى هذا الصدد ، أوضح الشيخ وى أن عدد المساجد المنتشرة فى شتى المقاطعات الصينية الاحدى والثلاثين يصل إلى 35 ألف مسجد أشهرها على الإطلاق خمسة مساجد هى مسجد (هوايشينغ) - ومعناها الحنين إلى النبى صلى الله عليه وسلم - ويقع فى مدينة قوانغشو بمقاطعة قوانغدونج الجنوبية وهو المسجد الذى راح الصحابى سعد بن أبى وقاص يدعو من خلاله المواطنيين للدخول فى الدين الإسلامى وينشر تعاليمه ومبادئه وفروضه.

ومن أشهر المساجد أيضا ، مسجد (تشنجياو) - طائر العنقاء - ويقع فى مدينة هانغتشو بمقاطعة تشجيانج الشرقية ، ومسجد (سونغجيانغ) فى شانغهاى ، ومسجد (نيوجيه) فى العاصمة بكين ، ومسجد (هواجيوجيه) بمدينة شيآن بمقاطعة شنشى الشمالية الغربية .. وهذه المساجد تكتسب شهرتها من تاريخها العريق ومساحتها الفسيحة وطرازها المعمارى الفريد.

ويطلق الصينيون على المسجد كلمة (تسى تانغ) ومعناها قاعة التقديس والصلوات ويراعى فى تصميمها أن تتسع لألف شخص على الأقل فيما يمكن تقسيمها إلى نوعين :

الأول وهى المساجد القديمة الخشبية الهياكل المشيدة على الطراز المعمارى الصينى التقليدى ، والآخر فهى المساجد الحديثة الحجرية المشيدة على الطراز المعمارى الإسلامى العربى.

وإضافة إلى المساجد - يقول الشيخ وى - يوجد فى الصين أكثر من أربعين ألف إمام - بخلاف الواعظين والدعاة - وجميعهم خريجو المعاهد الإسلامية الصينية التى تمنح درجات علمية معادلة لتلك التى تمنحها الجامعات الصينية ، على أن النخبة منهم الذين يتبؤون أعلى المناصب الدينية ويحق لهم الفتوى هم أولئك الذين درسوا أصول الفقه والشريعة الإسلامية بالأزهر الشريف بالقاهرة.

هذا المحتوى من

Asha
جاوب واكسب مع فوازير مصراوي , للمشاركة أضغط هنا سارع بخروج زكاة الفطر _ زكاتك هتوصل للمستحقين مصراوي هيساعدك أضغط هنا

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان