لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

طقوس الإشارات والتحولات.. "ونسيتُ نفسي خوف أن أنساك" (ريفيو)

02:27 م الأحد 16 يوليو 2017

كتب- أحمد الليثي:
من أنت؟، من صفت روحه، تصالح القلب مع المظهر، أضحى الجوهر منطبقا مع القالب. أم ذلك الذي يبدو ملاكا في وجوه الناس، والشيطان يتملكه، يحركه يمنة ويسرة، يسير بين العامة إماما مرشدا وهو لا مرشد له، ضل سعيه وهو يحسب أنه يحسن صنعا "رأيت ربي بعين قلبي فقلت من أنت.. قال أنت".

تساؤلات عدة لا تبرح ذهنك طيلة ساعة ونصف. في ليلة ممتعة من ليالي المهرجان القومي للمسرح قدم عدد من المبدعين عرض "طقوس الإشارات والتحولات" للكاتب السوري الكبير سعد الله ونوس، وبرؤية مميزة صاغتها يد أحمد الجوهري كدراماتورج وزياد هاني مخرجا، وشباب لم يكمل أغلبهم الـ20 عاما حولوا خشبة مسرح مترو إلى حالة صوفية خالصة برفقة فرقة موسيقية قادها محمود وحيد، والذي يُعاد عرضه اليوم، الأحد، في تمام السابعة والنصف على المسرح ذاته.

الإشارات والتحولات لها أكثر من مسلك، فالظاهر لا يُنبئ دوما بالحقيقة. الحكاية عن ذلك الذي يرأس نقابة الأشراف فيما يقع في المحارم ويُقبض عليه متلبسا في صحبة غانية، بمكيدة من رجل الأمن وبتدبير من عدوه اللدود، مفتي الديار الدمشقية، يرجمه الناس في الشوارع، تُكبل إرادته، تلتصق الوصمة به وهو ابن الأكارم، يأتيه صوت والده العارف بالله فيختل ميزانه، تداهم رأسه الوساوس، بصيص يذكره بأن الأمل في القلب، وأن الله مُطلع على الباطن، حتى وإن أذنب فهناك من يعرف أن الفؤاد مكسور "ما حيلتي والعجز غاية قوتي..".

يعيث المفتي في الأرض فسادا يظهر للجميع كظل الله في أرضه، بينما يكمن الجحيم في باطنه، يحيك الخدع، يدبر المكائد، يساوم الجميع، يحدثهم عن الأخرة بينما هو أبعد الناس عن الله، تأبى نفسه أن تقيم صلاة يعلم جيدا أن فارضها لن يتقبلها من فؤاد فاسد. ألقى بغريمه في السجن مستغلا ذلته عسى أن يفوز بزوجته "مؤمنة"، تلك الفتاة التي عاشت وهما كبيرا لأب كان شبيها بالمفتي؛ يناديه الناس بكبيرهم وبيته مكتظ بالفسق، يطلبه الناس لإقامة عماد الدين وغرفه ملأه بصبايا أوقعهن في الرذيلة.

حلمت "مؤمنة" دوما أن تتحرر من صور النفاق، ألا تبقى طويلا تحت صورة مزيفة لأنثى تدعي الحشمة. أقسمت أن تصير أكثر شفافية، أن ينطق ظاهرها بما يحويه القلب لا بما يُرضي الناس. تيقنت أن ثورتها ستحملها عواقب وخيمة لكنها قبلتها بصدر رحب. حتى الشخصية التي تؤدي دور "المثلي" فضل أن يُظهر للناس حقيقته على أن يدعي الفضيلة التي يصدرها أوغاد ضلعوا في الشر.

في مشاهد متقطعة تتخلل العرض تظل روح كبير الأشراف الواقع في الإثم هائمة، يتخبط بين ظاهره الذي فسد، ومحاولاته بلحاق باطنه من العطب. أتلف الظاهر ويأبى أن ينفذ اليأس إلى أحشائه. هل من رجعة؟، أيمكن لرُقع الروح أن تُرتق، هل يجدي نفعا إن عرج العاصي عن طريقه وصوّب أمله تجاه الرحمن، كيف تصفى السريرة، أين المفر للجازعين، إلى أي مدى تُفتح أبواب السماء لمن خُبِروا بأن التوبة منجاة للجميع، لماذا تتخم الطرق بالمنافقين، وتعج دروب المخلصين بالوحشة "رباه.. ونسيتُ حبي واعتزلتُ أحبتي.. ونسيتُ نفسي خوف أن أنساك".

بخفة تتمايل روح المخرج على المسرح، تظهر لمساته في ديكور ملائم للغاية واستعراض حركي يحكم إيقاع روح العمل باقتدار، وألحان وضعت في مقرها، وبطانة من مطربين غلفوا الحالة كأنها حضرة صوفية يتوسطها حكاية من زمن غابر، يخبرنا بأن ما تراه العين ليس حقيقة دامغة وأن ما وقر في القلب وكمُن في السرائر هو ما بقي وشفع.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان