"آخر حاجة راقية راحت!".. كيف رثى أهالي المنيل سينما فاتن حمامة؟
كتبت- سما جابر:
كانت مكانًا مميزًا لتنزه أهالي منطقة منيل الروضة.. كانت بمثابة "البلكونة" الخاصة بمنزل الأسرة التي يذهب إليها أفراد تلك الأسرة عندما يشعرون بالضيق من متطلبات الحياة والضغوط المحيطة.. كانت "الرئة" التي يتنفس بها أهل المنطقة، كما وصفها الحاج حسنين صاحب أحد محلات التُحف والأنتيكات المجاورة لسينما فاتن حمامة التي شهدت العديد من الذكريات الخاصة به منذ أن افتتح محله قبل 49 عامًا بتلك المنطقة.
ذكريات سنوات العمر
عدة أوصاف وصف بها الحاج حسنين في حديثه لـ"مصراوي"؛ ذكريات معظم أهل المنطقة مع سينما فاتن حمامة التي صدر قرار بهدمها قبل أيام لتتحول إلى برج حديث.. يتحسر صاحب محل الأنتيكات على سنوات عمره التي قضاها إما داخل السينما التي يعتبرها بمثابة مكان أثري يدخله في الوقت الذي يريده "ببلاش"، أو بجوارها في المحل الخاص به؛ شاهدًا على حالها ومرتاديها من عاشقي السينما "من أول ما فتحت المحل وإحنا معاصرين سينما ميرندا اللي كانت مملوكة لحسين رياض في البداية، وتحولت بعد كده لسينما فاتن حمامة".
ويروي "حسنين" ذكرياته مع السينما وكيف كان يشاهد أفلامها بالمجان باعتباره أحد أهالي المنطقة، كما أنه كان يلجأ هو وأسرته لها سواء لمشاهدة الأفلام او الجلوس على "الكافيتريا" الموجودة داخل السينما "إحنا دلوقتي لما نتضايق ونتخنق هنروح فين؟"، ويضيف: "زمان كانت التذكرة بـ3 صاغ، وقرشين صاغ، و3 تعريفة والناس المسؤولين هناك كانوا عارفينا اننا أهل الحتة".
عندما تبدّل جمهور السينما من "البني آدمين" إلى "المعيز"!
أما المعلم محمود الدمياطي صاحب محل الفول القريب من السينما والموجود منذ عام 1959، استعاد ذكرياته مع سينما سيدة الشاشة العربية التي كان يدخلها طفلًا وشابًا لكنه توقف بعد تقدمه في العمر، وبعد أن أصاب السينما الإهمال "كنت بادخلها على طول وأنا صغير لكن بعد ما اتجددت دخلتها 3 مرات بس آخرهم من 20 سنة".
ويحكي "الدمياطي" عن الأجواء المختلفة التي كانت تضفيها السينما لمنطقة المنيل "أنا شغال في المنطقة والسينما كانت عاملة رواج في الشارع، وبيجي ناس من هنا ومن هنا، وكانت أول ما اتعملت نضيفة لكن لما بدأ أصحابها يحطوا في دماغهم إنهم يبيعوا، بدأ الإهمال وبقت التكييفات تعطل وجهاز الصوت يبوظ فالناس اللي بتروح قلت".
ويضيف جاره "حسنين" أن السينما كانت معروضة للبيع منذ إغلاقها بمبلغ 33 مليون جنيه، لكنها بيعت بمبلغ 25 مليون، كما دفع المشتري لصاحب المحلات الموجودة بداخلها حوالي 7 ملايين جنيهًا حتى يتنازلوا عن تلك المحلات المستأجرة، ومنذ أن أغلقت السينما، باتت مكانًا لتربية "الماعز والأوز" من قِبل الحارس "بقى في بدل الزباين البني آدمين معيز!!".
كله راح!
يؤكد صاحب محل الفول الشهير على الفكرة التي أشار لها جاره صاحب محل الأنتيكات، وهي أن تلك السينما كانت المتنفس لمصر القديمة وعين الصيرة ودار السلام، حتى بالرغم من وجود سينما أخرى مثل "جالاكسي" في هذا الحي، إلا أن لـ"فاتن حمامة" متعة أخرى لا تضاهي تلك السينمات الحديثة، بالإضافة إلى سعر تذكرتها المناسب لبعض الأهالي واعتبارها جزء من تاريخ المنطقة "دلوقتي سيما الجزيرة راحت، وسيما الروضة راحت، وسيما دريم راحت، وميرندا راحت.. يتبقى إيه تاني في المنيل؟، دي كانت آخر حاجة راقية.. دي تاريخ ومتنفس للناس كلها".
اقتراحات للحفاظ على ما تبقى من آثار السينما
بالرغم من رفضهم لقرار الهدم وإيمانهم بأن السينما أصبحت تراث ممنوع المساس به حتى، إلا أنهم بدلًا من أن يظلوا مكتوفي الأيدي أمام تلك القرارات الحكومية، توصل الحاج حسنين والحاج محمود الدمياطي إلى اقتراح للحفاظ على ما تبقى من آثار سينما فاتن حمامة، حيث طلبا أن يصل صوتهما لوزارة الثقافة وتقوم بشراء طابقين من البرج الجديد الذي سيتم إنشاؤه بعد الهدم، وتحويلهما إلى قاعات سينما تحمل اسم الفنانة القديرة الراحلة، يكون لها باب دخول منفصل عن الخاص بالسكان حتى لا تتم مضايقاتهم.
من جانبه دافع اللواء محمد زين العابدين، رئيس حي مصر القديمة عن قرار الهدم الذي يرجع لكون المبنى ملكية خاصة لعدد من الأهالي، وليس ملكية عامة أو تابع للدولة، وهذه الأسباب لا تمنع هدمه، كما أن المبنى ليس مسجلًا ضمن مباني التراث المعماري التي يحظر هدمها.
هناك ما هو أقسى من هدم السينما!
رغم حالة الحزن التي يشعر بها البعض تجاه قرار هدم السينما، إلا أن هناك جمهورا آخر يرى أن ذلك القرار لا يجب أن يشغل بال الرأي العام أو يؤثر عليه، فهناك ما هو أقسى على الشعب من قرار غلق أو هدم سينما، بغض النظر عن تاريخها، حيث اعترض صاحب أحد المحلات التجارية المجاورة للسينما على اهتمام وسائل الإعلام الكبير لما حدث، وإهماله لقضايا أخرى "في حاجات وقضايا أهم من كدة بكتير".
فيديو قد يعجبك: