جميل راتب.. "البرنس" يسلم "الراية البيضاء" (بروفايل)
كتب- عربي السيد:
صرخاته الأولى كانت بين أحياء القاهرة، أصوله مصرية تمتد جذورها للصعيد حيث تنتمي الأم، لكن ذلك لم يمنع البعض عن وصفه بـ"الخواجة" والجزم بأن انتمائه لغير بلاد النيل. طالما كان جميل راتب على الشاشة "البرنس" صاحب الطلة "الألافرانكة".
اختار جميل طريق الفن وشكلت الخطوات صورته، بداية من مشاركته في الفرقة المسرحية لمدرسة الحقوق الفرنسية، وسفره بعد عام فيها إلى باريس لاستكمال دراسته، التي أضفت على شخصيته طابعًا خاصًا، فصاحب المؤهل السياسي، لفظ الحياة الدبلوماسية، واختار التمثيل شريكًا، لم يستسلم أو يرفع "الراية البيضاء" أمام مشوار لم يرتضيه.
كان جميل نجمًا منذ البداية، في الأربعينيات حصل على جائزة الممثل الأول وأحسن ممثل على مستوى المدارس المصرية والأجنبية في مصر، وبدأ مشواره الاحترافي بعمل فرنسي، ووقف أمام "كلود جودار" الممثلة الفرنسية العالمية عام 1946. وسجل التاريخ أن الشاب المصري ضمن أبطال فريق "أنا الشرق" الذي ضم مصريين آخرين أمثال جورج أبيض، وحسين رياض، وتوفيق الدقن.
رحلة فنية طويلة، لم يترفع فيها "رئيس جمهورية نيبهاليا" عن العمل "كومبارس"، حتى اللحظة الفارقة في حياته الفنية؛ كان "الصعود إلى الهاوية" نقلة كبيرة في مشوار جميل، تلقى بعدها العديد من العروض، وحصل بسببه على أكثر من ثلاث جوائز دفعة واحدة عام 1978.
قدم راتب للسينما المصرية أكثر من 200 فيلم على مدار أكثر من 40 عامًا، أبرزها "لورانس العرب"، و"البهظ بيه"، وحصل على العديد من الألقاب الأنيقة، حتى في الأعمال الدرامية، لم يكن هناك بديلا له لتجسيد "الخواجة جيوفاني"، فيما كان "أبو الفضل" جدًا مميزًا لأبناء ونيس، و"السفير مفيد أبو الغار" نموذجًا مختلفًا لأصحاب المبادئ، الرافضين التسليم لأمثال "فضة المعداوي" (سناء جميل) التي سبقته في الرحيل عن عالمنا.
سطع نجم جميل في السبعينات والثمانينات، وشهدت التسعينات تألقه مع السينما العربية بدور مع الممثلين جليلة بكار، وفتحي الهداوي، في الفيلم التونسي الرومانسي "شيشخان"، والذي أخرجه محمود بن محمود والفاضل الجعايبي، وعُرض عام 1990، ثم مع الفنانة شريهان في الفيلم التونسي "كش ملك" أو "mate Check"، وطُرح للعرض عام 1994.
لم تغب صورة "البرنس" الفرنسي عن الحياة الشخصية لجميل، حتى أنه تزوج من فتاة فرنسية، كانت تعمل بالتمثيل، قبل اعتزالها وتفرغها للعمل كمديرة إنتاج ثم منتجة منفذة ومديرة لمسرح الشانزليزيه.
لآخر لحظة، ظل جميل على الشاشة، بابتسامة هادئة، رفض أن يغادر قبل ترك صورة الرجل صاحب الطراز الرفيع باقية، فكانت آخر أعماله الدرامية، مسلسل "شمس" مع الفنانة ليلى علوى العام الماضي. وعاد راتب إلى الكاميرات بعد غياب سنوات لظروفه الصحية بعد عرض مسلسل "ونيس والعباد وأحوال الولاد" عام 2011. غمرته السعادة وقتها قبل أن يسلم رايته البيضاء صباح اليوم بعد عمر بلغ 92 عامًا.
فيديو قد يعجبك: