لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

خاص| أمير رمسيس يكتب: "نور الشريف والمغامرة التي لم تتوقف"

02:00 م الأحد 28 أبريل 2019

أمير رمسيس

‎في بدايات عام ٢٠٠٢ كان اللقاء الأول بيني وبين الفنان الراحل نور الشريف، في مكتب المخرج يوسف شاهين؛ حيث كنت أعمل مساعد مخرج في فيلم ١١ سبتمبر. الفيلم القصير الذي أدى فيه نور للمرة الثانية دور يحيى شكري مراد، تلك الشخصية التي سحرتني.

في كواليس البروفات لم تفاجئني موسوعية معارفه في السينما والمسرح والسياسة والحياة؛ ففي نهاية الأمر، عرفته منذ سنوات ممثلاً ومنتجاً، قدم كبار المخرجين في أعمالهم الأولى ومخرجاً سينمائيا ومسرحياً.

لم تكن تلك الموسوعية هي الجزء المذهل في شخصيته بقدر ما كان هذا السخاء والكرم في منح المعلومات لمن حوله، بداية من رحلة السيارة في لبنان التي سيحكي فيها لفنيي الكاميرا المترادفات المختلفة للكلمات بين اللهجات المصرية واللبنانية وعما شاهده من عوالم الحرب اللبنانية، خلال تصوير ناجي العلي لذلك الحوار الطويل على شاطئ بيبلوس والذي اختصني فيه بحديث عن المسرحية التي يحلم بتقديمها من جديد على خشبة المسرح مخرجاً "ماراصاد" والحوار المطول عن المسرح وتقنياته وحتى تركيزه مع الفنيين في التصوير والوقت الذي يقتطعه فنان بحجم نور الشريف ليشرح لمساعد الصوت المكان المثالي الذي ينبغي أن يقف فيه بالميكروفون حتى لا يقطع ظله الكادر؛ فينفعل عليه مدير التصوير.

هذا الفنان الموسوعي السخي فكرياً كان من عرفناه بنور الشريف والذي كان لي أستاذا وشريكاً في صناعة فيلم "بتوقيت القاهرة" وصديقاً جمعنا فيلم شاهين وسنوات من اللقاءات في المهرجانات وأخيراً في فيلمي.

‎لم يستغرق نور الشريف أكثر من ٤٨ ساعة لقبول الدور، بل التصميم على أن يكون هو لمرة أخرى "يحيى شكري مراد"، تلك الشخصية التي أهديتها ليوسف شاهين باستعارة الاسم منه.

"أنا هعمل يحيى".. هكذا قال بكل بساطة حين هاتفني ليخبرني قراره الذي لم يعقه نوع الفيلم أو الشكل الإنتاجي الذي لا يحتمل ميزانيته أجر فنان في حجمه.. "ما تقلقش.. أنا حاعمل يحيى".. هكذا أغلق دفة الحوار حين نقلت مخاوفي له.

كان فناناً يرغب في عمل الدور الذي أحبه، وكانت الأمور تنتهي هنا عنده. ‎الحقيقة أنني بدأت في التعامل مع نور الشريف بحذر، فلم يكن مرضه خافيًا عني منذ سنوات، و لكن روحه المعنوية المرتفعة وشبقه للتمثيل وحماسه جعلتني أصدق ما كان يؤمن به دائما بأنه سيقهر هذا المرض.

كنت أحاول عمل بروفات أقل قبل التصوير، فيطلب هو زيادتها. حين أخبرته أنني أفكر بنقل مشاهد السيارة إلى استديو وعمل خدع سينمائية من أجل المزيد من التحكم، انفعل سائلاً:

إن كنت سأفكر في هذا مع غيره من الممثلين أم أن مرضه هو منبع الفكرة؟

وحين ترددت في الإجابة تمسك بأن أصور رحلة السيارة والطريق في مكانه الفعلي، وأن أنتصر لخياري الأول.

وأعتقد أن سخاءه في البروفات مع بقية الممثلين، وفي التصوير وفي تصميمه على أن يكون أمامهم حتى حين لا يظهر في اللقطة ليعطيهم الإحساس كما ينبغي- كل ذلك كان عاملاً كبيراً في الصورة البراقة التي ظهروا عليها لينال أربعة من أصل ستة ممثلين في الفيلم جوائز عدة عن أدوارهم، كما لو كان نقل إليهم جزءا من روحه وتشبثه بالكمال لينقلوه في أدوارهم.

‎حكاية ربما يعرفها القليل. بما أننا صورنا الفيلم في عهد السينما الرقمية ولنور الشريف كمخرج ومنتج خبرة كبيرة في التصوير بخام الـ٣٥ مم الذي قامت عليه صناعة السينما.. عرفت من المقربين أنه يشعر بقلق كبير من بعض المشاهد التي استخدمنا فيها تقنية حديثة في الإضاءة شعر منها أن وجهه قد يكون مظلماً.. ولحرصي على روحه المعنوية عرضت عليه أن يأتي لرؤية الفيلم في المونتاج وهو ما رفضه بإصرار: "إنت المخرج وطالما إنت مطمئن يبقى أنا مطمئن" ليرى الفيلم لأول مرة مع الجمهور في مهرجان دبي في احترام ندر أن نراه لتقاليد المهنة في عصرنا الحالي.

‎ومع تخوفي الشديد من رد فعله بعد المشاهدة، جاءت الجملة التي قالها في المؤتمر الصحفي والتي أصبحت بمثابة وسام على صدري: "لو كل بلد عربي فيها ٣ مخرجين زي أمير.. السينما العربية بخير".

هذا التصريح الذي أبكاني على منصة المؤتمر والذي حملني حتى يومنا هذا مسئولية أن أكون بقدر تلك الشهادة من ممثل وفنان بحجم نور الشريف.

‎لم يمهلنا القدر فرصة أن يرافق الفيلم في بقية المهرجانات، إلا أن هذا لم يمنع حصد الجوائز ومع كل جائزة كان يتسلمها كان معها وعد أن يرافق الفيلم في المهرجان القادم، ولعله حتى بعد رحيله كان معنا في تلك الرحلة.

ربما كان في مكان ما بأعلى المسرح يشاهد كل الجماهير، وهي تبكي و تصفق لأدائه، أو كان يسير مبتسماً في شوارع تلك المدينة الإسكندنافية الباردة التي حمل أفيش مهرجانها صورته من الفيلم فرحاً بمن يتوقفون أمامها.

اقرا ايضا:

سارة نور الشريف تكتب لوالدها: "أنا بقيت أعرف أطبخ يا بابي"

عمرو يوسف يكتب: "نور الشريف.. الأب الروحي"

مي نور الشريف تكتب لوالدها: "إلى أن نلتقي يا حبيبي دائمًا"

يسرا تكتب: "نور الشريف.. كان حلم حياتي"

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان