إعلان

في الجونة.. انقسام حول "ستموت في العشرين".. و"البؤساء" يطلق جرس الإنذار

06:22 م الأحد 22 سبتمبر 2019

كتب- أحمد الجزار:

نجح مهرجان الجونة السينمائي في دورته الثالثة التي انطلقت منذ أيام في جذب عدد كبير من الحضور لقاعات العرض ومشاهدة أفلام مسابقاته المختلفة.

واختارت إدارة المهرجان باقة متنوعة من أفضل الإنتاجات السينمائية لهذا العام لتضعها أمام ضيوف هذه الدورة، لتصنع نوعا من الشغف والحرص لدي الحضور لمشاهدة أكبر عدد من هذه الأفلام.

البداية كانت قوية، مع عروض اليوم الأول بالمهرجان، الذي شهد عددا من الأفلام المنتظرة، أبرزها الفيلم السوداني "ستموت في العشرين" الذي عرض، لأول مرة، عالميًا بمسابقة مهرجان فينيسيا السينمائي، وحصل مخرجه أمجد أبوالعلاء على جائزة المستقبل كأفضل عمل أول.

أما الفيلم الاَخر، فهو الفرنسي "البؤساء" الذي عرض، لأول مرة، عالميًا بمسابقة مهرجان كان السينمائي، وحاز جائزة لجنة التحكيم، كما رشحته فرنسا مؤخرًا لتمثيلها في مسابقة أوسكار أفضل فيلم أجنبي.

"البؤساء".. جرس إنذار لقصر الإليزيه

حظيَ فيلم "البؤساء" للمخرج الفرنسي لادج لي، من أصل مالي، بإشادات معظم الحضور، وعده البعض أفضل انطلاقة لمهرجان الجونة مع بداية عروض اليوم الأول.

"البؤساء" مأخوذ عن رواية للأديب الفرنسي الشهير فيكتور هوجو، والتي تحمل الاسم نفسه، وهو جرس إنذار لقصر الإليزيه والقائمين على الحكم في فرنسا بأن هناك قنبلة موقوتة على وشك الانفجار، وثورة قادمة لا محالة من داخل الضواحي التي تعاني الفقر والقمع والفساد وغياب العدالة.

اختار لادج لي خلال تجربته الأولى أن يكشف عن الواقع الفعلي للمنطقة التي يعيش فيها دون أي إنحيازات عرقية أو دينية، قرر أن يكون أمينًا في نقل الواقع الذي تحول من مظاهرة حب جمعت كل أطياف الشعف الفرنسي بانتماءاته المختلفة إلى أعلى لحظات الغضب والكره لتحتدم المواجهة بين الجميع.

بدأت أحداث الفيلم باحتفالات الشعب الفرنسي ببطولة كأس العالم 2018، وتنتهي بالغضب واشتعال النيران في الشوارع.

تتوالى الأحداث مع ضابط الشرطة "داميان" الذي ينضم إلى قوة مكافحة الشغب في "منفر ماي" الفرنسية، وتتطرق الأحداث إلى تعامل الشرطة مع المسلمين والأقليات من أصول أفريقية في تلك الأحياء الفقيرة، ويدخلون في مناوشات مستمرة مع الأطفال، ولكن يشتعل الوضع عندما يصيب أحد رجال الشرطة أحد الأطفال في وجهه ولسوء حظه يتم تصوير ذلك عبر طائرة دون طيار فيخوض رحلة للبحث عن صاحب الطائرة ليخفي كل دليل على جريمته، وضرب بكل القوانين عرض الحائط، قائلا: "أنا القانون".

وينجح في إخفاء الحادث ولكن تشتعل الأحداث عندما يقرر الأطفال الثأر لصديقهم الذي يقود المعركة بنفسه لاسترداد كرامته المسلوبة، ليكشف هؤلاء الصبية عن قوتهم الحقيقة وأنهم بالفعل قوة لا يستهان بها، وأنهم قادرون على إشعال البلاد بقوة النيران المتأججة بداخلهم، ليأتي في النهاية أهم مشاهد الفيلم على الإطلاق عندما يقف الشاب وهو يحمل بيده القنبلة في مواجهة السلطة متمثلة في رجال الشرطة، فكيف ستكون النهاية إذن؟ هذا ما تركه لادج لي للمخرج لكي يتوقعه بنفسه دون أن يضع حكمه النهائي وليترك هذا المشهد أمام الجميع، ليكون جرس الإنذار الأخير.

ويختتم "لي" فيلمه بالعبارة التي اقتبسها من كتاب فيكتور هوجو وهي "لا توجد نباتات سيئة أو رجال سيئون، يوجد فقط مربون سيئون"، مشيرًا إلى أننا من نصنع هذا العنف داخل هؤلاء الصبية.

مخرج الفيلم طلب من الرئيس الفرنسي ماكرون مشاهدته، لضبط منظومته الأمنية في مثل هذه الأحياء والضواحي.

"ستموت في العشرين" يثير حيرة الجمهور

وبشغف كبير، استقبل جمهور مهرجان الجونة الفيلم السوداني "ستموت في العشرين" الذي يمثل عودة للسينما السوادنية الروائية، بعد غياب 20 عامًا، فضلا عن أن الفيلم حظي باهتمام عالمي، بعد اختياره للعرض في مسابقة "فينيسيا" ومن بعدها مهرجان "تورنتو".

في هذه التجربة يقدم المخرج أمجد أبو العلاء تجربته الروائية الأولى بعد أن قدم عددًا من الأفلام القصيرة، وقد استوحى قصة فيلمه من رواية "النوم عند قدمي الجبل" للكاتب حمور زيادة.

وتدور أحداث الفيلم في قرية سودانية، حينما تضع امرأة ابنها "مزمل" بعد أعوام من الانتظار، إلا أن نبوءة صوفية تقول بأن الطفل سوف يموت حينما يبلغ الـ 20.

تمر السنوات ويكبر مزمل وهو محاط بنظرات الشفقة، التي تجعله يشعر كأنه إنسان ميت يعيش في ثوب آخر حي، وتستمر الأحداث حتى يعود سليمان إلى القرية، بعد أن عمل مصورا سينمائيا في المدينة بعيدا عن المعتقدات الصوفية للقرية. وهنا يرى مزمل العالم بشكل مغاير تماما، من خلال جهاز قديم لعرض الأفلام السينمائية يقتنيه سليمان. وسرعان ما تبدأ شخصية مزمل في التغير بصحبة سليمان، ويتنامى الشك لديه يوما بعد يوم حول صدق النبوءة المشؤومة.

الفيلم، رغم أنه الأول لمخرجه، يحمل حالة من النضج الفني، وكانت أبرز عناصر قوته في أسلوب التصوير الذي استخدمه أمجد إلى جانب كادراته المعبرة، والتي كانت لها التأثير الأكبر في بناء وسرد الأحداث، بعيدًا عن الحوار خاصة أن فن السينما في حد ذاته عبارة عن صورة موظفة من أجل الدراما.

تركيز أمجد أبو العلاء على التراث السوداني، ونقل الواقع بإخلاص ونضج فني عالٍ، جعلنا أمام فيلم كبير، ولكن هناك بعض الهنات التي تشوب السيناريو الذي كتبه أمجد بنفسه إلى جانب السيناريست يوسف إبراهيم وهذا ما جعل الفيلم محيرًا لجمهور المهرجان؛ إذ وصفه البعض بأنه لا يستحق كل الضجة التي حصل عليها، وأنه جاء أقل من المتوقع في كل شيء، بينما يرى فريق آخر أنه أمام فيلم متميز، ولكن الحقيقة أننا أمام فيلم كبير يمثل عودة قوية للسينما السودانية، ولكن هذا لا يمنع أن التجربة نفسها لم تكن ناضجة بالشكل الكافي، وكان هناك انحياز للصورة والتكوينات البصرية على حساب السيناريو الذي ابتعد تمامًا عن رصد حالة الصراع داخل الشخصيات، وجعل من بعض شخصياته مجرد أيكونات ليس لها تأثير في تطور الأحداث، ولكن أثبت أمجد أن لديه لغة سينمائية مميزة، وأسلوبا خاصا يجعله قادرًا على أن يقود عربة السينما السودانية وينطلق بها من جديد في أنحاء العالم، ويرصد من خلالها هموم ومشاكل وواقع بلاده العريق الذي تأخر كثيرًا عن مواكبة النهضة السينمائية، خلال الـ20 سنة الماضية.

فيديو قد يعجبك: