تحقيق.. نفوذ شركات صناعة السيارات تتحكم في الانتخابات الألمانية
برلين - (د ب أ):
أصبح النفوذ السياسي لشركات صناعة السيارات الألمانية قضية مهمة في معركة الانتخابات العامة التي تشهدها ألمانيا حاليا والتي ستجري في سبتمبر المقبل، حيث اضطرت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إلى رفض الإشارات إلى أن حكومتها تخضع لنفوذ صناعة السيارات الألمانية.
وقالت "أولريكه ديمير" المتحدثة باسم المستشارة إنه "لا يوجد مثال واحد على أنه تم تقديم مسودة خطاب لجهات خارجية للمراجعة".
يأتي التصريح في أعقاب الاتهامات التي نشرتها صحيفة "بيلد آم سونتاج" الأسبوعية الألمانية، بأنه تم السماح لمجموعة "فولكس فاجن" الألمانية أكبر منتج سيارات في العالم بتخفيف لغة خطاب "ستيفن فايل" رئيس وزراء ولاية ساكسونيا السفلى الاشتراكي الديمقراطي بشأن فضيحة التلاعب بنتائج اختبارات معدلات العوادم في سيارات "فولكسفاجن" التي تفجرت منذ عامين.
يذكر أن حكومة "فايل" تعد مساهما رئيسيا في "فولكسفاجن" التي يوجد مقر رئاستها في ولاية "ساكسونيا السفلى"، حيث تمتلك 20% من حقوق التصويت في الشركة. ويمثل رئيس وزراء الولاية، حكومته في مجلس إدارة المجموعة.
جاء تقرير "بيلد" في الوقت الذي تكافح فيه شركات صناعة السيارات الألمانية لاستعادة الثقة العامة في صناعتها بعد سلسلة من الفضائح التي ضربت صناعة السيارات مؤخرا.
كانت "فولكسفاجن" قد اعترفت منذ عامين باستخدام برنامج كمبيوتر معقد لتقليل كميات العوادم المنبعثة من سياراتها التي تعمل بمحركات الديزل (السولار) أثناء الاختبارات مقارنة بالكميات الحقيقية المنبعثة أثناء السير في ظروف التشغيل العادية. وقد استخدمت هذا البرنامج مع حوالي 11 مليون سيارة في مختلف أنحاء العالم.
واشتدت حدة الأزمة في أعقاب التقارير الإعلامية التي ظهرت مؤخرا وتحدثت عن تورط شركات السيارات الألمانية الخمس "فولكسفاجن" و"أودي" و"بورشه" و"بي.إم.دبليو" و"دايملر" في تكتل احتكاري منذ التسعينيات بهدف تنسيق تحركاتها بشأن التعامل مع المعايير الأوروبية والأمريكية لعوادم السيارات.
ومما يؤكد الأهمية السياسية والاقتصادية لصناعة السيارات الألمانية، أنها تضم حوالي 828 ألف عامل في ألمانيا يمثلون حوالي 14% من إجمالي حجم العمالة في قطاع التصنيع الألماني ككل.
يأتي ذلك في الوقت الذي يعزز فيه الحزب المسيحي الديمقراطي المحافظ الذي تقوده ميركل تفوقه على منافسه الحزب الاشتراكي الديمقراطي في استطلاعات الرأي العام قبل التصويت في الانتخابات يوم 24 أيلول/سبتمبر المقبل، في الوقت الذي أشار فيه استطلاع رأي تلفزيون "زد.دي.إف" الشهر الماضي إلى تفوق شعبية "ميركل" على منافسيها.
لكن تقرير صحيفة "بيلد" أدى إلى تركيز اهتمام المعركة الانتخابية على العلاقات بين صناعة السيارات الألمانية المتعثرة والمؤسسة السياسية في البلاد.
وقد شغل العديد من كبار مستشاري الحكومة الألمانية مناصب رئيسية في شركات السيارات.
وتضم قائمة المسؤولين "ماتياس فايسمان" الذي يرأس اتحاد صناعة السيارات الألماني (في.دي.أيه) وهو أيضا وزير النقل الذي يجلس مع "ميركل" على مائدة اجتماعات الحكومة.
في الوقت نفسه فإن "إيكارت فون كلايديون" الذي شغل مدير مكتب "ميركل" في وقت سابق، يرأس حاليا جماعة الضغط في شركة "دايملر" التي تنتج سيارات "مرسيدس بنز" الفارهة.
ويعمل "توماس ستيج" المتحدث السابق باسم الحكومة كرئيس لجماعة الضغط لصالح "فولكسفاجن" منذ 2012.
يقول "تيمو لانجه" من منظمة "لوبي كونترول ألمانيا" المعنية بالحد من نفوذ جماعات المصالح الاقتصادية في ألمانيا إن "صناعة السيارات ترتبط بقوة مع السياسيين وبخاصة من خلال جماعات الضغط التي تمثل شركات معينة ومن خلال قيادة اتحاد صناعة السيارات".
تقول المتحدثة باسم الحكومة الألمانية إن الحكومة تتلقى تعليقات من كل من الشركات وجماعات المصالح بشكل يومي فيما يتعلق بصناعة السيارات وتعقد محادثات مع جماعات المصالح.
وأضافت المتحدثة "ديمير" إن الحكومة الاتحادية تتخذ قراراتها رغم ذلك باستقلالية تامة وفقا لآليات صناعة القرار لديها.
وتبقي ميركل نفسها بعيدا عن أي تداعيات سياسية لفضيحة العوادم، حيث أشار "لانجه" إلى أنها "نادرا ما تتحدث في القضية".
وجاءت محاولة شركات صناعة السيارات تصحيح صورتها المشوهة بالموافقة مؤخرا على إجراءات تستهدف الحد من انبعاثات سيارات الديزل، بنتائج عكسية، حيث يؤكد المحللون أن التحرك المقترح من جانب صناعة السيارات ستفشل في تقليل التلوث في المناطق الحضرية بالدرجة المناسبة.
والآن فإن التعديلات التي يقال إن "فولكس فاجن" أدخلتها على خطاب "فايل" في تشرين أول/أكتوبر 2015 بشأن فضيحة العوادم أكدت مرة أخرى الروابط بين شركات صناعة السيارات والعالم السياسي لألمانيا.
كما وضعت مشاورات "فايل" مع "فولكسفاجن" الحزب الاشتراكي الديمقراطي في مرمى الانتقادات، في الوقت الذي يكافح فيه الحزب لتضييق الفارق مع تكتل المحافظين قبل الانتخابات.
ودافع "زيجمار جابريل" وزير خارجية ألمانيا والزعيم السابق للحزب الاشتراكي الديمقراطي عن "فايل" وقال إن قراره بالتشاور مع "فولكسفاجن" بشأن الخطاب كان "طبيعيا تماما".
وقال "فايل" إنه طالب "فولكس فاجن" بمراجعة خطابه عام 2015 لأمور قانونية ومعلوماتية في ضوء المعركة القضائية التي تواجهها المجموعة على خلفية فضيحة العوادم.
وقال جابريل أمام تجمع انتخابي في جنوب غرب ألمانيا "كنت سأتصرف بنفس الطريقة تماما"، حيث كان وزير خارجية ألمانيا رئيس وزراء لولاية "ساكسونيا السفلى" في وقت سابق وكذلك عضوا سابقا في مجلس إدارة "فولكس فاجن".
فيديو قد يعجبك: