إعلان

قطع غيار "الموت" على أرصفة سوق التوفيقية بـ10 جنيهات.. هل من مشتري؟

12:28 م الثلاثاء 31 أغسطس 2021

تقرير - محمد جمال:

تصوير - نادر نبيل:

مع انتصاف أحد أيام شهر أغسطس الصيفية، اتجه فريق عمل تابع لـ"مصراوي" صوب سوق التوفيقية لقطع غيار ولوازم السيارات بوسط القاهرة، لرصد حركة البيع والشراء واستطلاع آراء التجار والمستهلكين عن مدى تحرك الأسعار مع توالي العقبات بفعل فيروس كورونا الذي لم يزل يلقي بظلاله القاتمة على الصناعة حول العالم.

لكن ما وجدناه هناك حول دفتنا 180 درجة، قطع غيار مجهولة المصدر تباع على أرصفة سوق التوفيقية بـ10 جنيهات، لا شيء يضمن صلاحيتها بالمرة ومع أهمية هذه الأجزاء داخل السيارة تبدو وكأنها تأشيرة متاحة للموت.

قبل سنوات كان الباعة الجائلون يفترشون أرصفة سوق التوفيقية وفي محيطه ببعض لوازم السيارات غير الأساسية مثل ملصقات الزينة والدلايات والدواسات وأطواق عجلات القيادة وفوط التنظيف وأطقم السماعات، ولكن في 2021 أصبح السائد على الأرصفة قطع الغيار الأكثر حساسية في السيارة كـ"تيل الفرامل وأكياس الوسائد الهوائية ولمبات الكشافات وأحزمة المحرك (السيور) وشمعات الإشعال (البوجيهات) وفلاتر الزيوت ومضخات البنزين (الطرمبات) واسطوانات الفرامل والضفائر الكهربائية وغيرها من قطع أقلها قادر على إنهاء حياة العشرات.

وما عمق من الصدمة هو تفاعل الكثير من الزبائن مع المعروضات التي تباع لدى بعض البائعين بسعر موحد 10 جنيهات، تخيل أنك تشتري موتك بهذا السعر الزهيد، تخيل أنك تصنع من نفسك ومن حولك فريسة يلتهمها حادث سير بفعل فاعل في الغالب هو أنت، ذلك فقط من أجل التوفير في سعر قطعة غيار على الأغلب لن تستمر بالسيارة أكثر من أيام لأسابيع وستعاود لشراء أخرى.

في جولتنا حاولنا أن نحاور عددا ممن يفترشون ببضاعتهم أرصفة السوق، إلا أن أغلبهم رفض الحديث إما خوفًا من الكاميرا أو لمعرفته بمدى فداحة ما يفعلون بالناس، وأخيرًا امتلك أحدهم الجرأة وتحدث إلينا قائلًا: "معظم البضاعة في السوق بتكون مستعملة واللي بيجي يشتري بيكون عارف دا فبينضفها ويعيد إصلاحها ولا يوجد مشكلة من استخدامها مرة أخرى، فالهدف الأول لدى الزبون هو التوفير فالقطعة عندي بعشر جنيهات وعند محل قطع الغيار بـ 300 جنيه".

يضيف صاحب الـ(35 عامًا): "أنا بشتغل هنا بقالي أكثر من من 7 سنين، والزبون اللي بيجي لبضاعة الرصيف ميقدرش على سعر المحلات، ودا علشان المحلات ممكن ترجع حتة الغيار أو تبدلها خلال 14 يوما إذا كان فيها عيوب تصنيع".

ولم يخف البائع أن بعض القطع المعروضة وخاصة "الميكانيكية" قد تكون غير صالحة للاستخدام، إلا أنه أكد أن الميكانيكية لديهم القدرة على إصلاح تلك القطع وإعادة استخدامها، أما إذا كانت تالفة بشكل كامل فمن الممكن أن يحتاج منها أجزاء معينة لإصلاح أى قطعة أخرى، منهيًا حديثه: " العشرة جنيه مش هتفرق مع الزبون وهي أفضل بكثير من دفع 200 و400 جنيه مقابل نفس القطعة من محال قطع الغيار".

بعد ما رصدناه، تواصلنا مع جهاز حماية المستهلك، حيث أكد مصدر مسؤول داخل الجهاز أنهم يولون هذه القضية اهتمامًا كبيرًا ويعملون على رصد من يتاجرون ويروجون لقطع غيار السيارات مجهولة بجميع أنحاء الجمهورية، والتي قد تتسبب في تعريض حياة الآلاف للخطر.

وحذر المصدر المسؤول من تهاون بعض المواطنين في هذه القضية، مشيرًا إلى أن قطع غيارمثل الكاوتش وتيل الفرامل و الزيوت ومضخات البنزين وماستر الفرامل، تعد من الأجزاء التي يمثل استخدام المقلد منها خطورة بالغة على حياة السائق و الركاب والمارة.

وأشار إلى أن قضية قطع الغيار المغشوشة أو مجهولة المصدر وخاصة بأسواق العاصمة، يعمل على مواجهتها إلى جانب الجهاز عدد من المؤسسات الأخرى ومنها المحليات ومحافظة القاهرة كونها تضر كذلك بالاقتصاد القومى على جميع الأصعدة.

حديث مسؤول حماية المستهلك عن المؤسسات المشاركة في محاربة تلك الظاهرة دفعنا للتواصل مع الأستاذة عزة عتريس، المتحدث الرسمي باسم محافظة القاهرة، والتي أكدت باقتضاب أن هناك تعليمات صارمة من محافظ القاهرة اللواء خالد عبد العال بالتصدي لهولاء البائعين، مشددة على شن المحافظة حملات شبه يومية ومصادرة ما يتم ضبطه من بضائع مجهولة.

حاولنا مرارًا كذلك الحصول على تعليق من مسؤولي وزارة التنمية المحلية التي أكد مسؤول جهاز حماية المستهلك أنها أحد أضلاع مقاومة انتشار قطع الغيار المغشوشة، ولكن لم يتسنى الرد.

طريق سريع للموت

يفيد تقرير للجهازالمركـزي للتعبئة العامة والإحصاء، صادر في عام 2019 بأن الحالة الفنية والعيوب بالسيارات كانت سببًا في وقوع 13.5% من إجمالي عدد الوفيات خلال ذلك العام والتي بلغت نحو 12 ألف حادث تصادم، إلا أن ذلك العدد تراجع في 2020 إلى نحو 7 آلاف حادث.

أما في النصف الأول من عام 2021 الجاري، شهدت حوادث الطرق تحولا على مستوى فداحة الإصابات والوفيات، إذ أكد إبراهيم لبيب، المدير التنفيذي للمجمعة المصرية للتأمين الإجباري على المركبات، رصد 700 حالة وفاة في 72 حادثا فقط، ما يعني أن عدد الوفيات في كل حادث يقترب من 10 ضحايا.

لمزيد من التدقيق عن مشكلة قطع الغيار المقلدة والمعاد استخدامها تواصلنا مع خالد سعد أمين رابطة مصنعي السيارات المصرية، والذي أكد أن بعض المستهلكين يقدمون التوفير في الإنفاق على سلامة سياراتهم وحتى أرواحهم وعائلاتهم.

ونادى سعد بضرورة التصدي لانتشار قطع غيار السيارات مجهولة المصدر المتاحة بالأسواق وعدم مشاركة المستهلكين في تنميتها، والتي من الممكن أن تحصد أرواح المئات من المواطنين الأبرياء نتيجة استخدام أجزاء غير مطابقة للمواصفات ولا يعرف مدى جودتها ولا مصدرها.

وشدد على أن بعض قطع الغيار الرئيسية بالسيارة لا يمكن شراءها إلا من خلال التوكيل أو موزع معتمد، على رأسها ما يستخدم بمحرك السيارة، ومنظومة الفرامل، والإطارات، ومنظومة الكهرباء كونها عناصر مؤثرة فى العمر الافتراضي للسيارة فضلًا عن أنها أساس في سلامة الطرق.

أما أسامة أبو المجد، رئيس رابطة تجار السيارات المصرية، طالب في حديثه لـ"مصراوي" بضرورة التصدي لمثل لهولاء البائعين الذين يتاجرون بحياة البشر ضاربين بمعايير السلامة والأمان عرض الحائط كونهم يساعدون على زيادة معدلات الحوداث بهذه القطع الغير معروف مصدرها.

ونصح أبو المجد، قائدي السيارات والمستهلكين الراغبين فى شراء قطع غيار السيارات، أن يكونوا حائط الصد الأول إلى جانب الجهات المسؤولة وألا يناسقو خلف هولاء البائعين كونهم جزء أساسي في انتشار هذه السلع مجهوله المصدر، والتوجه إلى المراكز والوكلاء المعتمدين.

وبالحديث عن الفروق السعرية بين المراكز المعتمدة والباعة بالأسواق، قال أبو المجد إنه ينبغي على العملاء أن يتفهموا أن القطعة الأصلية عمرها الافتراضي أطول من القطع المجهوله فضلا عن كونها آمنه على السياراة ولن تعرضها للتلف بالإضافة إلى أمانها على حياة السائق والركاب.

وفي الوقت الذي يتحدث مسؤولين عن ضرورة مجابهة قطع الغيار المجهولة، يعيش سوق السيارات في الآونة الأخيرة حالة من الارتباك والتخبط، بسبب نقص كبير بقطع الغيار وعدم قدرة عدد من وكلاء العلامات التجارية على توفير القطع للسيارات التي لا تزال داخل الضمان وتوقف بعض تلك السيارات لأشهر نتيجة لذلك.

ويواجه العشرات من ملاك السيارات الجديدة في مصر، معضلة عدم توافر قطع الغيار بمراكز الصيانة المعتدمة من الوكلاء، وفي الوقت ذاته عدم قدرتهم على صيانة سياراتهم بمراكز أهلية خوفًا من فقدان ضمان السيارة.

ويرجع السبب الرئيسي لنقص قطع الغيار بحسب تصريحات للمهندس عبدالمنعم القاضي، نائب رئيس غرفة الصناعات الهندسية باتحاد الصناعات، إلى إغلاق مصانع عديدة حول العالم لإنتاج قطع غيار السيارات جراء جائحة فيروس كورونا.

القاضي أشار، إلى أن مصلحة الجمارك المصري استحدثت أجهزة لفحص قطع الغيار، الأمر الذي نتج عنه منع بعض الأنواع من دخول مصر لأنها غير مطابقة للمواصفات المعتمدة، لافتًا إلى أنه بدءًا من شهر سبتمبر 2021 سيتم تطبيق نظام النافذة الجمركية، أي أنه سيتم منع دخول أي قطعة غيار دون معرفة مصدرها؛ ما يشير إلى أن أزمة قطع الغيار الجديدة قد تمتد لفترة قادمة لحين توفيق مستوردين أوضاعهم ومنع استيراد القطع التي لا ينطبق عليها المواصفات المصرية.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان