بشغف يدعي أنه كان يتملكه وقتها، استأذن"مكاريوس" من رئيس المعهد الخاص بإعداد الرهبان، الذي يقيم فيه، ليسافر في غير الموعد المحدد لإجازته إلى قريته "طوه" بمحافظة المنيا، ويحضر زفاف "نادية" (اسم مستعار)، بارك لها، قًبلها، وطلب من زوجها أن يدير باله عليها، ثم استدار. وجاء في خاطره أنه كان سيحل مكان زوجها، وأن تلك القُبلة كان سيختلف معناها، إذا اكتملت قصة حبهما، واستجاب لها عندما طلبت منه أن يترك الرهبنة ويستمرا معا.
إعلان
إعلان
قبل 3 سنوات من هذا اليوم، بدأ مكاريوس وهيب طريق الرهبنة، ناذرًا نفسه لله وأن يعيش دون زواج، وقبلها بـ6سنوات أخرى، كان يحب نادية، صديقته في الكنيسة، والتي شبه علاقته بها بـ“روميو وجوليت"، كما عرفها أهل قريتهما، حيث كانا يلتقيان داخل الكنيسة وخارجها، يذهبان معًا إلى رحلات، حتى دفعته التقاليد الصعيدية إلى مقابلة شقيقها ثم أهلها ليخبرهم بعلاقتهما وأنه سيتزوجها.
وجد أهل "نادية"مكاريوس شابًا مناسبًا لابنتهم، فعرفوه شخصًا مرتبطا بالكنيسة، يعمل في تجارة الإكسسوار الحريمي، ويربح جيدًا، واستطاع أن يشتري شقة، ويجهزها لاستقبال ابنتهم.
سارت الأمور بينهما على ما يرام، لكن عندما أصبح"مكاريوس" في العشرين من عمره، وفي عامه الثالث بالدبلوم الفني، كانت "نادية" انتهت للتو من مرحلتها الإعدادية بمجموع كبير، وقررت أن تلتحق بثانوي عام، وهو ما أنذر بنهاية علاقتهما، التي استمرت 5 سنوات.
لا يجد مكاريوس حرجًا في أن يقول سبب انفصاله عن حبيبته: "أنا صعيدي، لا أقبل أن يكون تعليم زوجتي أعلى مني، طلبت منها أن تدخل دبلوم، وأنا سأتزوجها وأتكفل بها، لكنها رفضت لأنها كانت تحب التعليم، وقتها أخذت قرار إنهاء العلاقة".
سبب له هذا الأمر حزنا استمر لفترة طويلة: "شعرت أن هناك شيئا آخرا يمكن فعله في حياتي"، لكن "نادية" لم تستلم، أرسلت له رسائل كثيرة تبلغه فيها بأنها تحبه ولا تريد شخصا غيره، لكنه أصر على موقفه طالما لم تتراجع عن قرارها.
إعلان
إعلان
خلال هذه الفترة زاد الصوت الذي كان بداخل مكاريوس منذ سنوات، والذي فسره على أنه دعوه لتكريس حياته لخدمة الله، لكن لم يكن واضحا له كيف سيفعل ذلك؟ ولم تخطر في باله فكرة الانضمام إلى الرهبنة، لمعرفته بأنها تتطلب مؤهلا عاليا وحدا أدنى من المعرفة والثقافة، يقول إنها لم تكن متوفرة لديه، فالتحق بالجيش لمدة عام، ومع قرب إنهاء خدمته، كانت هناك مفاجأة في انتظاره.
فمنذ أن علم والداه بانتهاء قصته مع "نادية"، ظلا يبحثان له عن عروس مناسبة، وجدوها أخيرًا، "ماري" (اسم مستعار)، ابنة عمته، اتفقا مع أسرتها، وأبلغا "مكاريوس"، فأجابهما بالموافقة تليفونيًا. سيعرف فيما بعد أنه لم يكن محقا في قراره.
"ماري" التي تصغر مكاريوس بـ6سنوات، كانت تتفوق في جمالها على حبيبته السابقة، وتحبه بقدر ما أحب هو الأولى، كما أنها راضية بكل شيء، ولن يواجه معها سبب خلافه مع "نادية"، لأنها قررت دخول "الدبلوم وليس ثانوي عام" بسبب ظروف أسرتها الاقتصادية.
انتهت خدمته في الجيش، عاد إلى قريته، تبادلت الأسرتان الزيارات، كان الجميع سعداء بذلك، ومع اقتراب الزواج، قرر “مكاريوس" أن يوقف كل شيء، وصارح "ماري" أنه يحبها مثل شقيقته، ولم يراها في سياق غير ذلك.
صدمة "ماري" كانت سببا في دخولها المستشفى لفترة، كما دب الخلاف بين الأسرتين، وانقطعت علاقة والد مكاريوس بشقيقته (والدة ماري)، لكن كل ذلك لم يثني مكاريوس عن موقفه.
عن هذه الأيام يقول: "بكيت كثيرًا، وقلت يارب الموقف صعب عليِ، نصحتها أن تكون قوية، وأبلغتها أنني سأبتعد وأسافر".
نفذ "مكاريوس"ما قاله لـ"ماري" وسافر بالفعل إلى روسيا، وعمل هناك في مجال "النقاشة" لمدة سنة، وعلم خلال هذه الفترة أن "ماري" ترفض الزواج من أي شخص يتقدم لها، لذلك عندما عاد، التقيا وأخبرها أنه لم يعد يفكر في الزواج من أي شخص.وصدفة كان هناك شخصًا يعمل سائق تاكسي في قريتهم، يحاول التقرب منها، وذهب إلى "مكاريوس" ليقول له إنها ترفض بسببه، فوجد "مكاريوس" أن مساعدة هذا الرجل فرصة ليسعد "ماري"، ويوقف شعوره بالذنب تجاهها.
جعل "مكاريوس" ذلك الرجل على دراية بمواعيد خروج "ماري" وبالأشياء التي تحبها، وبالفعل نجحت خطته، وتزوجت "ماري"، ولديها الآن طفلان، وتصالحت أسرتاهما.
مرت الأيام، ارتبط "مكاريوس"بالكنيسة أكثر، وتمكن من الإنصات إلى ما يجري داخله بعد أن تخلص من كل المؤثرات.خاصة بعدما أدرك قوته في مقاومة “الإغراءات"التي كانت أمامه في روسيا خلال سنة كاملة، يقول إنه لم يقم خلالها أي علاقة جنسية رغم أن هناك فتاة كانت تقيم معه في الشقة.
وفي يوم تقابل فيه مع صديقة له، سألته "لماذا أنت الوحيد من بين أصدقائنا لم تتزوج؟"، ثم حكت له عن الرهبنة الفرنسيسكانية، التي أسسها القديس فرنسيس الأسيزي في القرن الثالث عشر، وسميت هكذا نسبة له،لأنها كانت تعمل في كنيسة الفرنسيسكان، ولم يكن "مكاريوس" يعرف أي شيء عنهم، بل يعتقد أنهم أجانب لا يتحدثون العربية، ولن يستطيع التعامل معهم.
انتهت ظنونه بعدما تعرف عليهم، وواظب على حضور الاجتماعات واللقاءات، ودعم تشجيع راعي كنيسته الأب يوسف مريد من رغبته في اتخاذ خطوة الرهبنة، حتى قرر التقدم بالفعل، وعندما وجدوه متحمسًا، تغاضوا عن الشروط التي يجب أن تتوافر فيه، وأهمها المؤهل العالي.
بدأ عامه الأول في رحلة الرهبنة بأحد الأديرة في منطقة بولاق الدكرور، ولم يكن يتخيل أن يلتقي بـ “نادية" مرة أخرى.
زارته "نادية" في الدير، وقالت إنها لازالت تحبه، وقد رسبت في بعض المواد بسبب تفكيرها فيه، كما ترفض أي عريس يأتي لها، وحكت له أنها كانت تبكي كلما رأت "ماري" في الكنيسة عندما علمت بخطبتهما، كاد "مكاريوس" أن يضعف ويفكر في العودة وترك الرهبنة، فزاد من صلاته،طالبًا من الله أن يرشده ليأخذ القرار الصحيح.
إعلان
إعلان
الأمر يزداد تعقيدًا، ذلك الجزء الذي يوجد بداخله ولا يستطيع مقاومة المشاعر الدرامية تلك، اهتز قليلًا، لكنه أخبرها في النهاية أنه لا يريد سوى الطريق الذي اختاره، ونصحها ألا ترفض الزواج من شخص إذا كان مناسبًا.
رفض "مكاريوس" لم يقلل من إصرار “نادية"، بل جعلها تقوم بفعل أكبر.فبعدما انتهت من دراستها بكلية التربية، قررت أن تقوم بعمل دراسات عليا في جامعة عين شمس، لتكون بجانبه، وعملت في القاهرة لتستطيع أن تنفق على نفسها، رغم معارضة أهلها، وخلال هذه الفترة، لم تضيع فرصة للقاء "مكاريوس".
يصفها بأنها كانت قوية وشجاعة، لكنه يقول"دائمًا كان هناك شيئا داخلي أكبر وأقوى منها".
فشلت كل محاولات "نادية"، وتزوجت، واتم"مكاريوس" 5 سنوات بالرهبنة، أنهى فيها المرحلة التمهيدية، ومرحلة الاختلاء والصلاة، ودراسة الفلسفة، ويستعد الآن لقضاء "سنة تدريب وخبرة" في إيطاليا، ليعود بعدها وينهي مشواره بدراسة اللاهوت، ولازال على تواصل مع كل من "نادية" و"ماري": "أصبحنا إخوة فقط، وأنا أحاول التركيز في القراءة والدراسة، لأفعل ما لم أستطع فعله في حياتي من قبل".
مكاريوس يحكي لمصراوي قصته مع نادية
لا يخجل "مكاريوس" أن يحكي إلى طالبي الرهبنة معه عن قصته القديمة ليس بحزن أو ندم على شيء، لكنه أيضًا ربما يخشى إيقاظ مشاعره أو إعطاء الحنين مجالا ينمو فيه.