إعلان
إعلان
لعدة أشهر تبقى العقول مشوشة، الاعتياد على البيت ليس سهلًا لمن قضى سنوات في الطرقات والميادين، التأقلم يأتي ببطء، إزالة أثر التيه والوحدة وما جرى لهم في الشوارع من مضايقات يحتاج وقتًا طويلًا، لكنهم يمرون في نهاية المطاف من تلك المرحلة، يستردون آدميتهم وابتسامتهم.
حالة تعاملت معها الوزارة في 2018
مُشرد تم إنقاذه من قِبل الوزارة في 4 سنوات
إخصائي اجتماعي داخل وزارة التضامن
دور رعاية اجتماعية فقط تأوي المشردين
من بلاغات الخط الساخن للوزارة تكون عن المشردين
الخط الساخن لتلقى البلاغات
عدد المشردين في محافظات مصر
(لا يوجد حصر دقيق بأعدادهم لدى الحكومة)
إعلان
إعلان
إعلان
إعلان
أشياء كثيرة تموت حين يعيش الإنسان في الشارع، وأخرى تخفت حتى يعتقد المرء أنها لم تعد موجودة، من بينها الحُب، أين هو على الأرصفة وعلى جنبات الطرق، في نظرات الازدراء وخذلان المعارف، كان "حمدي محمد" قد نسِى تلك المشاعر، بعد أن عاد من رحلة قصيرة إلى الإسكندرية، ليجد باب منزله بحدائق القُبة الذي يتشاركه مع إخوته مُغلقًا! أخبره حارس العقار أن شقيقيه باعا المكان دون عِلمه، وأنه صار ملكًا لساكن جديد "وقعت من طولي في ساعتها، جالي جَلطة" أبناء الحلال نقلوه إلى مستشفى، وعندما صار قادرًا على الخروج "رغم إني مبقتش قادر أتحرك على رجلي تاني" لم يجد سوى الشارع ليبيت ليلته وباقي أيامه.
بعد 6 أشهر من الفَقر والعَجز والنوم بالطرقات، تدخلت إحدى المذيعات لإنقاذه، شاهدته صُدفة أثناء زيارة قريبة لها، اتصلت بـ"محمود وحيد" وبعد ساعات كان حمدي يجلس بين عدد من نزلاء الجمعية، حصل على رعاية جيدة، لكنه شعر بمحبة واهتمام من "منة" إحدى الفتيات التي تم العثور عليها بالشارع "هما فاصلين طبعًا بين الرجالة والستات، لكن في المناسبات أو لما بيجي حد جديد الكُل بيتعرف عليه".
دق قلبه، باتت اللحظات التي يشاهدها فيها هي متنفسه في الحياة.. الحديث السريع القصير معها يَرد روحه، لم يسألها كثيرًا عن حياتها قبل وجودها في المأوى، في المكان الجميع يُخلق من جديد، وبات يُحدث نفسه بأنه يريدها حبيبة له، غير أن هناك عائقًا وحيدًا! "مكنتش بعرف أتحرك بسهولة، رجلي متأثرة بالجلطة اللي جتلي" ساعده مسؤول الجمعية عن إتمام عملية حتى يُصبح قادرًا على الحركة، قبل ذلك بأيام جَلس معها بعد استئذان القائمين على الجمعية "حبيت أوضح لها الدنيا، وإني مش عايز أعلقها بيا، لو العملية مانجحتش لازم نبعد" هزت رأسها كطفلة، لن تُفلته من يديها "قالتلي أنا معاك مهما حَصل" يذكرها بينما تعلو ملامحه ابتسامة كبيرة.
منذ أكثر من عام خَرج حمدي من العملية بصحة جيدة، عادت أقدامه للحركة، كانت تهاتفه كُل ليلة للاطمئنان عليه "حسيت إني بقى ليا حد في الدنيا" كان فاقدًا الأمل، لكنها أعادت النور إلى روحه مرة ثانية، بات للدنيا طعم مُختلف، أزالت عنه قسوة ذويه، رَممت انكساراته، عالجت الجُرح الغائر الذي ظل داخله من الناس "لقيت نفسي بفكر في حياة ومستقبل وعيلة".
انتقل إلى دور رعاية آخر في منطقة الدُقي، طلَب أن يعمل كفرد أمن، بدلًا من جلوسه وسط النزلاء "مش معقولة هفضل آكل وأنام وأنا بصحتي" بعد فترة تطور وجوده إلى المساعدة في استقبال النزلاء الجُدد ورعايتهم "يمكن بحس بيهم أكتر لأني كنت واحد منهم" يُعد لهم الطعام، يساعدهم في قضاء حاجتهم، يجلس إليهم للدردشة عن حياتهم، بات لهم مثالًا واقعيًا على إمكانية الخروج من الأنفاق المُظلمة.
في يونيو الماضي، تقدم حمدي لخطبة منة، شعر أنه صار يملك زمام نفسه، ويمكنه الادخار من مرتبه، فيما كانت موافقتها حاضرة "تاني يوم اتعملّنا خطوبة في الجمعية" ذهب لزيارتها ليكتشف إعداد مفاجأة لهما، ومنحهما "محمود وحيد" شَبكة كهدية "النَظرة اللي شفتها في عين منة لما لبستها الشبكة كانت جميلة" شعرت أنها تعيش حياتها الطبيعية كبنت، وهو أمر عظيم.
يمضي الوقت، الحُب يُلون حياتهما، ينتظران جمع مبلغ مالي جيد لتأجير منزل وأثاث تمهيدًا لزواجهما، فيما يواظب على مشوار أسبوعي لمنة، يَشد الرحال إليها، حاملًا الورد أو هدية بسيطة، يحاول منحها حنانًا يُنسيها آلام الماضي ومتاعب الحياة "نفسي أجبلها الدنيا عندها".
إعلان
إعلان
في نهاية عام ومطلع أخر، يحلم مصراوي بشوارع خالية من المشردين، وأن يستقر كل إنسان في مأوى يحميه، ونشارك عموم المصريين في مد يد العون لأولئك الذين اتخذوا من الشارع مسكنًا، بأن لا نكتفي بنظرات الشفقة أو حتى المساعدات الوقتية فحسب وإنما بالتواصل مع الجمعيات والجهات المعنية كي تنتشلهم من بؤس الطرقات وإيصالهم لبر أمان، دون عوز لمأكل أو مشرب أو مسكن.
يمكن الإبلاغ عن حالات المشردين عبر الوزارة أو المؤسسات المختصة مثل:
مؤسسة معانا لإنقاذ الإنسان
رقم الهاتف: 01210810856