كان الشاب يرتدي ملابس ثقيلة، وطبقات متعددة منها، ويضع وشاحا حول عنقه، وقفازا في يديه، ورغم ذلك كان البرد يسري إلى جسده، فقرر أن يستأجر بطانية وهو في طريقه إلى الجبل كلفته 50 جنيها. وقبل الصعود مباشرة كان باعة يحملون الكشافات المضيئة، ويبيعونها لم يشاء، ويحمل آخرون بضائع أخرى مختلفة تعين الزائرين على تلك الرحلة: «لم أشتر شيئا، كنت قد جهزت كل شيء وأنا ما أزال في القاهرة، لكنني سأشتري بعض الحلويات أثناء صعودي لتعطيني بعض الطاقة على استكمال السير».

قبل الخطوة الأولى على الجبل، الذي ناجى عليه النبي موسى ربه، يقف الأدلة رفقة المجموعات التي معهم، للحديث حول تفاصيل الرحلة، ويعطون الزائرين بضعة معلومات عن الجبل، الذي يزيد ارتفاعه عن 2200 كيلو مترا، وتبلغ المساحة المنقطعة سيرا على الأقدام نحو 7 كيلو مترا، وبقطع المدقات وانتهائها، تظهر مرحلة أخرى أكثر صعوبة، متمثلة في 750 درجة سلم، ليست ممهدة بشكل كامل.

ولكل دليل أن يصطحب مجموعة يصل عددها إلى 25 فردا، ويحصل في مقابل الأمر على 250 جنيها، وقد يعطيه البعض مبالغ أكثر وفقا لاتفاق بينه وبينهم. ويختلف السعر إذا كان الزائر أجنبيا. ويحرص كل دليل على أن يطلق اسما على المجموعة التي معه، حتى يسهل التواصل معهم بين مدقات الجبل ودرجاته وقمته.

لدى محمد 22 عاما، وورث ذلك العمل من عائلته، وكان والده يعمل دليلا قبل أن يتجه إلى قيادة المركبات، تاركا ذلك العمل لابنه. ويحفظ الأدلة الطرق عن ظهر قلب، ويصعد الشاب جبل موسى نحو 3 مرات أسبوعيا، وقد يقل الأمر عن ذلك أو يزيد بحسب أعداد السائحين. ورغم أن الأعداد تكاد تنكون متقاربة في جميع الأيام، إلا أن ليلة السبت تعد الأكثر ازدحاما في عدد الزائرين والراغبين في صعود الجبل، بحسب جميع: «وإلى جانب العمل أكمل دراستي، وأحاول التنسيق بين الاثنين، رغم صعوبة الأمر».

في أول استراحة على الجبل، يجلس كثير من الزائرين، وحين تصل مجموعة جديدة تغادر الأخرى، وهكذا في رحلة مستمرة على طول الجبل. ويبيع القائمون على الاستراحات أمورا شتى، تبدأ من المشروبات الدافئة كالشاي والقهوة والنسكافيه، وصولا للشيكولاتة والحلويات، والقفازات والكشافات. وكان الباعة قد عانوا لفترة طويلة نتيجة اختفاء السياح في أزمة كورونا، لكن الأمر الآن اختلف قليلا، بحسب صالح نجدي الذي كان يسأل الزائرين عن طلباتهم، ويرشدهم أحيانا إلى كثير من الأمور التي يستفهمون عنها: «ورغم عودة السائحين إلا أن الاستراحات لا تعمل كلها، فهم قليلون أيضا نتيجة كورونا، ونأمل أن تتحسن الأوضع قريبا».

وباجتياز درجات السلالم الكثيرة، يتخير كل شخص لنفسه مكان على قمة الجبل، وينتظرون لحظات شروق الشمس. ولهذه اللحظة سحرها الخاص، فعلى غير العادة تبدو الشمس قادمة من أسفل المتفرجين أعلى الجبل، لا من فوقهم. ومع بزوغها تنتشر الصيحات والهتاف، ويلتقط الكثيرون عشرات الصور لتلك اللحظات الفريدة والمميزة. فيما تذوب تجمعات الثلج شيئا فشيئا والتي تكونت خلال الليل.

وبعد النزول والخروج من الدير يجلس أطفال وكبار معهم بعض المشغولات اليدوية وغيرها من الأحجار الكريمة والتذكارات للبيع، سواء للمصريين أو الأجانب، مقابل أسعار يتم التفاوض بشأنها، ويعد الأمر باب خير لهؤلاء الباعة وأسرهم. فيما يتبقى أمام زائري الجبل زيارة بعض الأماكن في المدينة السياحية، ورؤية بعض معالمهما، والتقاط مئات الصور، في بيئة ساحرة للعين والروح والقلب.



كتابة وتصوير: عبدالله عويس
تنفيذ وتصميم: محمد عزت
إشراف عام: علاء الغطريفي