يتذكر "علي" الذي يسير في منتصف عقده الرابع، كيف كانت السينما مقصد جيليه الأول في خروجات الأعياد، وكيف عزف عنها منذ سنوات.
يشعر بالحنين، وهو يذكر فيلمه الأول الذي شاهده في السينما برفقة والديه في عيد الفطر عام 2000 وهو في عمر الثانية عشر، "ليه خلتني أحبك" بطولة كريم عبدالعزيز، أثناء وقوفه أمام شباك التذاكر، لمشاهدة فيلم النجم نفسه عام 2022، ويأمل أن يعيد إليه هذا الفيلم شغفه بالسينما مرة أخرى، ليصحب أبناءه ويتوجه إليها في كل عيد.
ومع المؤشرات الأولية لنجاح موسم سينما عيد الأضحى 2022، بتحقيق الأفلام الثلاثة التي طرحت هذا الموسم، إيرادات 87 مليونا و914 ألفا و968 جنيه مصري، وفقًا للبيانات المنشورة على موسوعة السينما خلال أسبوع العيد، هل تتحقق أمنية "علي" وتعود شمس سينما العيد مرة أخرى للشروق؟
في هذه القصة المدفوعة بالبيانات نتتبع أحوال سينما العيد في مصر منذ عام 2016 وحتى الآن، لمحاولة الحصول على إجابة لهذا السؤال.
خلال هذا الموسم تم طرح 3 أفلام في السينما المصرية، هما "كيرة والجن" لكريم عبدالعزيز وأحمد عز، "بحبك" لتامر حسني وهنا الزاهد، و"عمهم" لمحمد إمام.
حققت الأفلام الثلاثة خلال أسبوع العيد فقط، نحو 68 مليونا و528 ألفًا و685 جنيها، وفقًا للبيانات المنشورة على قاعدة بيانات موقع السينما.
تصدر فيلم "كيرة والجن" إيرادات السينما المصرية، بنحو 52 مليونا و500 ألف جنيه، أي ثلاثة أضعاف ما حققه فيلم "بحبك" في دور السينما المصرية، وهو 18 مليونا و692 ألفا و760 جنيه مصري، وفقًا للبيانات نفسها.
وما يزيد عن 3 أضعاف ما حققه فيلم "عمهم" والذي سجلت إيرادته 16 مليونا و704 آلاف و456 جنيه مصري.
حققت الأفلام الثلاثة التي تم طرحها في عيد الأضحى هذا العام حتى الآن نحو 7% مما حققه مجموع إيرادات الأفلام التي تم طرحها في موسمي عيد الفطر وعيد الأضحى، منذ عام 2016، وحتى عام 2021، بنحو مليار و303 ملايين و803 آلاف و422 جنيها مصريا. وفقًا لبيانات موقع "السينما" المتخصص في أرشفة وتأريخ السينما المصرية والعربية والصادر منذ عام 2008.
منذ عام 2011 وحتى عام 2016، ومع فترة التقلبات السياسية في مصر، مرت السينما بفترات بين التوقف والحضور الباهت، تحديدًا في مواسم الأعياد، ومنذ عام 2016 بدأت المواسم السينمائية في الانتظام، وهو ما انعكس على الإيرادات.
فيما عدا مواسم الأعياد التي تزامنت مع تفشي وباء كورونا، تحديدًا بين الأعوام 2020 وعيد الفطر عام 2021، حيث شهدت إيرادات الأفلام التي تم طرحها في الأعياد، تصاعدًا ملحوظًا، حتى أن موسم عيد الأضحى عام 2021 حقق وحده نحو 17% من إجمالي إيرادات الأعوام الستة.
يقول الناقد الفني طارق الشناوي إن سينما العيد هي سينما العيد، تأثرت فقط بفترة جائحة كورونا، حيث أغلقت دور السينما وتقلصت عدد الحفلات، والآن بدأت تسترد أنفاسها، خاصة هذا الموسم، ويستشهد قائلًا: "بدليل أن فيلم كيرة والجن قد حقق إيرادات ضخمة، كما حققا فيلمي بحبك وعمهم إيرادات معقولة".
ويضيف الشناوي، أن ما ساهم في ذلك أن نوعية الأفلام المطروحة هذا الموسم تتناسب مع طبيعة جمهور العيد من الشباب صغير السن، الذي يميل إلى الأكشن، حتى وإن كان في فيلم وطني مثل كيرة والجن أو رومانسي مثل بحبك.
من ناحية أخرى، لم يكن المخرج مجدي أحمد علي متفائلًا بأرباح الموسم الحالي، فلم تخدعه زهوة الإيرادات في أيام العيد، ويتطلع لما بعد العيد حتى يستطيع أن يطلق أي أحكام.
لكنه يعتبر موسم العيد هو موسم مصيف، ودور السينما قليلة في المدن الساحلية المصرية، بالإضافة إلى أن أسعار التذاكر مرتفعة، والعيدية التي يتقاضاها الصغار لم تعد تتحمل سعر تذكرة السينما.
لذلك لا يتجه المنتجين حاليًا لطرح أفلام عديدة، وأصبح التلفزيون هو صاحب السيطرة خلال تلك الفترة، إلى جانب سينما المنصات، من وجهة نظره.
منذ الأعوام 2016 وحتى عام 2022، تحديدًا، في أعياد الأضحى والفطر، تم طرح 61 فيلمًا، بمتوسط يبلغ نحو 5 أفلام في الموسم. طرح 55% منهم في عيد الأضحى، و45% في عيد الفطر.
وكان أحمد عز الفنان الأكثر ظهورًا في أفلام العيد منذ 2016 وحتى الآن، حيث ظهر كبطلًا في 5 أفلام، تلاه كل من محمد سعد وتامر حسني.
وظهرت كل من منة شلبي وغادة عادل ودينا الشربيني، 4 مرات في مواسم الأعياد منذ 2016 وحتى الآن.
شهد موسمي أضحى 2017 و2018، أكبر عدد من الأفلام بنحو 7 أفلام في كل موسم منهم، وشهد موسم أضحى 2020 أقل عدد أفلام، حيث تم طرح فيلم واحد فقط.
وعلى الرغم من أن موسم عيد الأضحى عام 2017، شهد أكبر عدد من الأفلام -تحديدًا 7 أفلام - هم "الخلية، وبث مباشر، وخير وبركة، والكنز 1، وشنطة حمزة، وهروب مفاجئ" - إلا أن موسم عيد الأضحى عام 2021، والذي طرح خلاله 3 أفلام فقط، هم "العارف، والبعض لا يذهب للمأذون مرتين، ومش أنا"، حقق 250% ما حققه هذا الموسم من الإيرادات.
وقرب 150% من إيرادات موسم أضحى 2018، والذي طُرح خلاله نفس عدد الأفلام وهي "تراب الماس، والبدلة، وسوق الجمعة، والديزل، وبيكيا، وبني آدم، والكويسين".
يقول الناقد الفني طارق الشناوي، أن قلة عدد الأفلام المطروحة يعود إلى آثار الجائحة، وإذا قارنا الوضع بما هو في السابق سابق سنجد أن أسعار التذاكر ارتفعت، وربما هذا أثر على الإيرادات وعدد التذاكر، فأصبح الإقبال أقل والإيرادات أعلى.
فالأمر لا يعود فقط لعدد الأفلام، بل يعود لعدد الأسابيع الذي طُرح خلالها كل فيلم في دور العرض، فعلى مدار الـ 6 أعوام - تحديدًا منذ عام 2016 وحتى عام 2021، كان متوسط عدد أسابيع الأفلام في دور العرض نحو 15 أسبوعا.
شهد عيد الأضحى 2017 وعيد الفطر 2016 أقل عدد أسابيع عرض لأفلام بعينها خلال الأعوام الستة، وهم فيلم "هروب مفاجئ" الذي استمر لأسبوعين فقط في السينما، و "بارتي في حارتي" الذي استمر لثلاثة أسابيع فقط.
بينما حققا موسمي عيد الأضحى 2019 و2020 أعلى متوسط عدد أسابيع لعرض الأفلام خلال السنوات الستة.
وخلال السنوات الستة، حقق ثلاثة أفلام، هم (ولاد رزق 2، البدلة، والبعض لا يذهب للمأذون مرتين) أطول مدة عرض في دور السينما المصرية، وهي 25 أسبوعا".
استحوذت تلك الأفلام الثلاثة، على نحو 16% من إيرادات السينما المصرية في مواسم أعياد الفطر والأضحى خلال 6 سنوات، وجاء اثنين منهم في قائمة أعلى 10 أفلام تم طرحهم في أعياد الفطر والأضحى منذ عام 2016 وحتى عام 2021، وهما (أولاد رزق 2) في المركز الأول، والبدلة في المركز الرابع.
لكن المخرج مجدي أحمد علي، يقول أن أرقام الإيرادات ليست دقيقة، فمع زيادة أسعار التذاكر، يحقق الفيلم إيرادات أعلى بتذاكر أقل.
وبالرجوع إلى نتائج دراسة "البحث عن الفيلم الأنجح في تاريخ السينما"، الصادرة عن مركز السينما العربية عام 2021، فإنه بحساب التضخم، ومعادلة الإيرادات بأسعار 2021، فإن أعلى 10 أفلام حققت إيرادات في السينما المصرية هي "صعيدي في الجامعة الأمريكية، وهمام في أمستردام، واللمبي، وبوحة، والفيل الأزرق 2، وعوكل، وجاءنا البيان التالي، واللي بالي بالك، وإسماعلية رايح جاي، والناظر".
لهذا يختتم المخرج مجدي أحمد علي، قائلًا: "رأيي الحكم لا يكون بحجم الإيرادات، ولكن بعدد التذاكر المباعة".