كيف تخطف أمراض القلب حياة الشباب؟

فارقت الطبيبة الشابة يارا السقا، صاحبة الـ28 عامًا، الحياة بصورة مفاجئة أثناء تواجدها في عملها بقسم القلب بمستشفى طنطا الجامعي، فقبل لحظات كانت تداوي قلوب مرضاها، لم تدرك أنّها ستكون ضحية أزمة قلبية، الفتاة أنهت قائمة عملياتها الجراحية اليومية كالمعتاد، وقبل مغادرة المستشفى للعودة إلى منزلها، باغتها "القاتل المفاجئ" الذي لم يمهلها لتتغلب على أزمتها أو يساعدها زملاؤها.

حالة الطبيبة يارا ضمن آلاف الحالات التي تموت سنويًا بأمراض القلب، والتي شهدت ارتفاعًا كبيرًا في السنوات الأخيرة خاصة بين الشباب، مع تنامٍ كبير لعوامل الخطورة التي تسببها منها السلوكيات غير الصحية والانتشار الواسع للأمراض غير السارية والضغوط الحياتية، في ظل غياب جودة الرعاية الصحية وضعف منظومة الطوارئ التي تنقذ المصابين بالأزمات القلبية.

وأمراض القلب مجموعة من الاضطرابات تصيب القلب والأوعية الدموية ومن أكثر الأمراض غير المعدية انتشارًا، فتسبب 20 مليون وفاة سنويًا، 85% منها بسبب النوبات القلبية والسكتات الدماغية التي تعد من مضاعفات أمراض القلب، بالإضافة إلى أن 75% من الوفيات في البلاد منخفضة ومتوسطة الدخل، وتعتبر أمراض القلب القاتل الأول في العالم، تتعدد أشكالها ما بين وراثية وجلطات قلبية واختلال كهربي وتضخم القلب وأمراض الشرايين والأوعية الدموية لتصل في النهاية إلى أزمات قلبية قد تكون مفاجئة وبعدها يتوقف القلب ومعه كل شيء، بحسب منظمة الصحة العالمية والاتحاد العالمي للقلب.

وتعاني مصر من ارتفاع في حالات وفيات أمراض القلب مقارنة بباقي الأمراض، وتبلغ نسبة التغير في زيادة معدل وفيات أمراض القلب من عام 2011 إلى 2021 نحو 1%.

وشهدت مصر زيادة سنوية في نسب الوفيات بسبب أمراض القلب بداية من 2011 إلى 2021 لكنها انخفضت بشكل ضئيل عام 2016، ثم عادت بزيادة مطردة من 2017 إلى 2021، بعكس وفيات أمراض أخرى شهدت انخفاضًا كأمراض الدم والجهاز الهضمي.


دون أعراض

"لم تكن هناك أي مؤشرات على إصابة "يارا" بالأزمة القلبية، كانت تمارس عملها بشكل طبيعي".. بهذه الكلمات علقت الدكتورة إكرام صادق، أستاذة أمراض القلب بالجامعة وأستاذة الطبيبة الشابة، على واقعة وفاتها، وأرجعت سبب الوفاة إلى "الإجهاد والتعب والضغط النفسي والعصبي الذي عانته يارا في عملها فهم يعملون نبطشيات لساعات طويلة متواصلة في مستشفى الجامعة، وبعدها يعملون في مستشفيات خاصة لتوفير مستوى معيشة جيد خاصة مع تدني رواتب الأطباء في المستشفيات الحكومية".

وتضيف: "هذا الإجهاد يثير عضلة القلب ويخلق دقات قلب غير منتظمة بما يعرف باختلال كهرباء القلب تؤدي في النهاية إلى الوفاة وهو ما حدث مع يارا، خاصة أنها لم تكن تعاني من أي أمراض أو مشكلات صحية".

أستاذة طبيبة القلب يارا تتحدث عن وفاتها وسط مرضاها

ويرى الدكتور علاء الغمراوي، استشاري أمراض القلب وعضو لجنة روماتيزم القلب بمنظمة الصحة العالمية، أن من ضمن أسباب الأزمات القلبية المفاجئة خاصة لدى الشباب، الإجهاد والتوتر الشديد، فالأطباء يقضون ساعات عمل طويلة في المستشفيات فيكون الطبيب بصحة جيدة، ويموت بشكل مفاجئ نتيجة ذلك، وتؤدي العيوب الخلقية واختلال كهرباء القلب إلى حدوث أزمات قلبية قد تكون مفاجئة في الأغلب فيحدث فشل في القلب ويتوقف.

ويضيف "الغمراوي" أن حدوث خلل في ضربات القلب يصيب كل الفئات العمرية، فشهد لاعبة لا يتجاوز عمرها 13 عامًا توفيت أثناء اللعب بسبب اختلال في كهرباء القلب وصل إلى هبوط وتوقف في القلب؛ لذلك تم إطلاق مبادرة لحماية قلوب الرياضيين من توقف القلب المفاجئ تقوم بالكشف الشامل لكل الرياضيين لاكتشاف أي خلل لديهم في قلوبهم قد لا يعلمون به.

ويوضح أن قلوب المصريين الأكثر وجعًا في العالم وتبدأ في أعمار صغيرة اعتبرتها منظمة الصحة العالمية إلى عمر 65 عامًا، لكن تجد شباب في العشرينيات والثلاثينيات والأربعينيات يعانون من الأزمات القلبية المفاجئة، نتيجة جلطات في الشريان التاجي، أو الاختلال الكهربي الوراثي أو اعتلال وتضخم عضلة القلب، وكلها تسبب موتًا مفاجئًا.

وتشهد مصر ارتفاعًا في عدد وفيات الشباب في الفئات العمرية من (15:50) عامًا، بزيادات سنوية متتالية تعد مؤشر خطر حول وفيات الشباب نتيجة أمراض القلب؛ حيث بلغ معدل تغير الوفيات من 2013 إلى 2021 نحو 8% وهو معدل يعكس وجود زيادة كبيرة في وفيات الشباب في هذه الفترة الزمنية.

لكن المفاجأة التي تلقتها الدكتورة إكرام، أن تلميذتها يارا التي كانت تعيش بقرية سملا بمحافظة الغربية، لم يظهر عليها أي أعراض خلال الـ24 ساعة الأخيرة قبل وفاتها فتقول: "لم تشتك من أي شيء وكانت تجري العمليات للمرضى بشكل طبيعي، ووقعت فجأة للإجهاد، معظم الحالات المماثلة ليارا يكون أصحابها نايمين أو في الشغل وحاليا انتشر ذلك في صغار السن، وأصبح الإناث مثل الذكور بعكس السابق".

قلوب المصريين

ويقول الدكتور سامح شاهين، أستاذ أمراض القلب بجامعة عين شمس وعضو اللجنة القومية للأمراض غير السارية التابعة لوزارة الصحة، إن الأزمات القلبية تصيب أشخاصًا ليس لديهم أي تاريخ مرضي بدون سابق إنذار، أو الشعور بأعراض، فيكون أول عرض لها الوفاة، والأزمات القلبية المفاجئة أصبحت منتشرة، وفي الفترة الأخيرة زادت نسبة الأزمات القلبية المفاجئة في مصر بشكل كبير أعلى من الخارج خاصة بين الشباب الصغير والأطفال فيسبب ذلك صدمة رهيبة.

ويضيف أن أمراض القلب أصبحت منتشرة بين الشباب فمثلًا تضخم عضلة القلب منتشر بينهم ويسبب اضطرابًا في كهرباء القلب، والعيوب الوراثية في القلب التي لا يكتشفها الكثير حتى الوفاة، حيث إن معدل ضربات القلب الطبيعي من 70 إلى 90 ضربة منتظمة في الدقيقة فيحدث ما يسمى بالذبذبة الأذينية يتوقف على إثرها الدم عن الخروج من القلب فيقف فجأة وهذا يحدث في الأطفال والشباب بكثرة ويمكن اكتشافه برسم القلب.

الدكتور سامح شاهين أستاذ أمراض القلب يكشف أكثر امراض القلب انتشارا

فرحة الفيزياء


كانت "أسماء" طالبة الثانوية العامة، ذات الـ18 عامًا، ضحية أخرى، ففور عودة الفتاة لمنزلها تحمل فرحة تجاوزها لامتحان الفيزياء من أجل طمأنة والدتها إلا أنّ القدر لم يمهلها سوى دقائق معدودة فور دخولها المنزل لتسقط أرضًا بعد شعورها بهبوط مفاجئ مفارقة الحياة.

تقول "فاطمة" صديقة أسماء في المدرسة: "كنا راجعين من امتحان الفيزياء مع أسماء وإيمان وكانت أسماء كويسة مفيهاش حاجة، سعيدة بحلها في امتحان فيزياء 3 ثانوي كان لطيف لكنها كانت مطبقة قبله يومين بتذاكر، تركتها عند بيتها وروحت البيت ولما وصلت سمعت أنها تعبانة رجعت تاني لقيت صراخ طالع من البيت، أسماء ماتت".

وتضيف: "بعد أن دخلت أسماء البيت اترمت على كنبة الصالة نادت على أخوها قالت له أنا حاسة بهبوط اعملي مياه بسكر، رجع لقاها واقعة على الأرض مفيهاش نفس، اخدوها على المستشفى بس الدكاترة وقتها قالوا لهم دي ميتة وهي في البيت بهبوط مفاجئ في عضلة القلب أدى لأزمة قلبية، وقالوا ممكن يكون بسبب قلق وخوف الامتحان مع أنها كانت متفوقة ومتوقع تجيب مجموع كبير وتدخل طب زي اخوها الكبير بس ربنا مقدر".

من جانبه، يقول الدكتور خالد الخطيب، رئيس الإدارة المركزية للرعاية الحرجة والعاجلة بوزارة الصحة، إن الإدارة ترصد وجود حالات مصابة بأزمات قلبية مفاجئة قبل أن تطلب الإسعاف لنقله لأقرب مستشفى، فذهبنا لحالات كثيرة وعند وصول الإسعاف لمنزلها تكون توفيت، بسبب حدة الأزمة القلبية واختلال منظم كهرباء ضربات القلب، وانسداد الشريان المغذي له فيموت الإنسان فورًا.

ويضيف أنه على مستوى وزارة الصحة لإسعاف الحالات المصابة لديها 7500 سرير رعاية نسبة رعايات أمراض القلب حوالي 60%؛ وذلك لأن عدد الحالات التي تصاب بأزمات قلبية كثير جدًا وللأسف غير مرتبطة بفئة عمرية.

ويوضح: منذ يوليو 2022 إلى يوليو 2023 بلغ عدد الحالات المصابة بالأزمات القلبية التي استقبلها منظومة الطوارئ لتوفير رعايات قلب لها 6040 حالة (50% من عدد الرعايات)، ثلثها أي 33% من حالات القلب في أعمار ما بين 25 إلى 35 عامًا وهي نسبة مرتفعة جدًا وباقي النسبة الثلثين باقي الأعمار سواء فوق الـ35 عامًا أو تحت سن الـ25 عامًا.

وتعد مصر من الدول ذات المعدل العالي في وفيات الشباب، مقارنة بباقي الدول الأخرى حيث تشهد مصر ارتفاعًا في معدل وفيات الشباب بأمراض القلب في حين تشهد دول مثل ألمانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية وروسيا انخفاضًا في عدد الوفيات.

ويوضح "الخطيب" أن الموت المفاجئ بالأزمات القلبية قد تكون له مؤشرات سابقة وربما تكون صامتة والبعض يتجاهلها والبعض يكون لديه عيب خلقي في شرايين القلب دون أن يعلم أو اختلال في كهرباء القلب فجأة وتكثر عند الشباب والأطفال، وأطفال كثيرة تعاني من الشفة الأرنبية أو صمامات القلب والشرايين معكوسة كلها أشياء تؤدي إلى الموت بالأزمات القلبية المفاجئة.

ويضيف: يشهد النوعان سواء الذكور أو الإناث وفيات نتيجة الأزمات القلبية وليس كما كان في السابق انتشارها بشكل كبير بين الذكور دون الإناث.

وفي عام 2021 تصدرت وفيات أمراض القلب المركز الأول في قائمة الوفيات بنسبة 48.5% من إجمالي الوفيات، وارتفعت نسب الوفيات في أعمار الشباب وكان الذكور أعلى من الإناث في نسب الوفيات مع تزايد ملحوظ في وفيات الإناث.

وفاة ضغط العمل

الطبيب أحمد سمير عبدالعظيم، 33 عامًا، عمل لساعات متواصلة ربما كانت تتجاوز 48 ساعة، في إنقاذ حياة المرضى، في مستشفيات جامعة المنوفية، فأنهى ضغط العمل حياته فجأة وهو مازال بثياب العمليات يكمل لستة جراحات البسطاء وسط ذهول من زملائه.

يقول والد الطبيب المدرس المساعد بجامعة المنوفية: ابني يعمل لـ48 ساعة متواصلة في مستشفى جامعة المنوفية دون نوم، وبالرغم من أنه لا يعاني من أمراض لكنه مات من الإرهاق والتعب، فذلك شيء غير آدمي لا يراعي ظروف أحد في غياب أي رعاية أو سكن ملائم.

وعن تفاصيل الحادث يضيف: "كلمني ابني آخر مرة الساعه 2 الظهر، كان كويس، وقال لي هتأخر شوية عشان عنده لستة عمليات كبيرة، وفي الساعة 9 مساء كلمني زميل له قال لي أحمد تعبان وفي العناية المركزة وبمجرد وصولي كان توفى، سألت زميله قال لي وقع من طوله وهو يجرى عملية لمريض فأصيب بجلطة قلبية مفاجئة ثم الوفاة مباشرة".

والد الطبيب أحمد عبدالعظيم يروي واقعة وفاته بأمراض القلب بسبب ضغوط العمل

ويقول الدكتور جمال شعبان، عميد معهد القلب القومي الأسبق، واستشاري أمراض القلب، إن الموت المفاجئ في الأعمار الصغيرة يكون نتيجة جلطة في الشريان التاجي، أو اختلال كهربي وراثي أو اعتلال عضلة القلب، وقد يسبب ذلك موتًا مفاجئًا، فيتوقف القلب خلال ساعة من بداية الأعراض.

ويضيف "شعبان"، أن الأزمة القلبية قد تأتي في هيئة ذبحة ووجع فقط يمكن علاجها، ويمكن أن تصل إلى جلطة نتيجة انسداد كامل في الشريان التاجي، وتسبب تلفًا في عضلة القلب ثم الوفاة، لكن من المفترض أن النوبات القلبية المفاجئة تكون في أعمار فوق الأربعين لكن في مصر تحدث في الثلاثينيات والعشرينيات ونسبة انتشارها مرتفعة في كل المحافظات.

وتعد محافظات القاهرة والجيزة الأعلى في نسب الوفيات السنوية بأمراض القلب، تليها الشرقية والدقهلية والقليوبية، فكلما زاد عدد السكان في المحافظة زاد عدد الوفيات، بينما تعد محافظات جنوب سيناء، شمال سيناء، البحر الاحمر، الوادي الجديد، مطروح، الأقل في عدد وفيات أمراض القلب عام 2021.

وداع أخير


بداخل منزل بسيط في إحدى قرى محافظة الغربية، جلس الأب رفقة أبنائه الثلاثة وزوجته، يتسامرون كعادتهم كل يوم، لكنّ الأب فجأة نظر لأبنائه صامتًا ترتسم على شفتيه ابتسامة كانت هي الأخيرة في حياته، الوالد صاحب الـ47 ربيعًا فارق الحياة وسط عائلته دون مقدمات، كما سردت نجلته الشابة "سارة".

لم تدرك عائلة الأب الراحل ما حدث، حملوه إلى مستشفى المركز التي تبعد عن قريتهم الصغيرة نحو 15 دقيقة، لكنّ العائلة فقدت الأمل على أبواب المستشفى بعدما أبلغهم الطبيب أن أباهم فارق الحياة منذ أن كان معهم بالمنزل، مصابًا بأزمة قلبية مفاجأة لم يكشف الطبيب عن أسبابها.

في صباح ذلك اليوم، توجه الأب إلى عمله بأحد المعاهد الأزهرية، في قرية مجاورة لقريته، اعتاد الذهاب سيرًا على الأقدام وسط الحقول، لمسافة تتجاوز الـ7 كم، وفي الثانية ظهرًا عاد من عمله تناول غداءه بشكل طبيعي وبعد العصر جلس خارج منزله مع أسرته.

تقول ابنته سارة: "كان طبيعي جدًا ويتحدث معنا خرجنا نقعد بره البيت وقعد يهزر معانا وقال لماما عايز اعدل ظهري وبيرجع ظهره للخلف ليسند على الحائط فقد الحياة، مكنش بيعاني من ضغط أو سكر أو أي مرض يؤدي إلى القلب".

وتضيف سارة: "فكرناه أغمي عليه أو غيبوبة سكر قمنا برش الماء على وجهه لكنه لم يفق، انتبهت جدتي وقالت محدش يشيله من مكانه هو مات خلاص، لكن لم نلتفت إليها تعلقنا بالأمل وقمنا بنقله للمستشفى في أقل من 15 دقيقة وفور فحصه من الدكتور قال أنتم جبتوه ليه هو ميت".

وتوضح الفتاة أن أباها لم يكن يعاني من أي أمراض مزمنة سوى القولون العصبي وما يصاحبه من وجع في المعدة، ويتناول العلاج له منذ سنوات، ولم يشتك في هذا اليوم من أي أعراض مفاجئة، مضيفة: بس حصلت حاجة غريبة "بعد العصر قال لماما أنا حسيت إني أغمي عليّ وتهت مرة واحدة وشفت عالم تاني، لكن لم يظهر عليه أي تعب وماما قالت إن ذلك لم يحدث، ورجع يمارس حياته بشكل طبيعي جدًا".

ويوضح الدكتور سامح شاهين أن دراسة علمية أثبتت أن أعمار المرضى المصريين المصابين بالجلطات القلبية أقل بمعدل عشر سنوات من مثيلتها في الخارج، فمعنى ذلك أن الإنسان في مصر يصاب بأمراض القلب مبكرًا.

"وأثبتت دراسة أخرى أعدتها الجمعية الأوروبية لأمراض القلب عام 2019 أن مصر من أعلى النسب العالمية في أمراض القلب، فيوجد بها 9 ملايين مصري يعانون من أمراض القلب، ودراسة أجرتها منظمة الصحة العالمية عام 2021 أثبتت أن نسبة الوفيات بأمراض القلب في مصر أعلى من مثيلتها في الدول الخارجية، فيموت 500 من كل 100 ألف مصري بأمراض القلب، مقارنة بـ50 وفاة لكل 100 ألف شخص في ألمانيا، و200 وفاة لكل 100 ألف شخص في أمريكا".

وتحتل مصر المركز الـ16 عالميًا في نسب وفيات أمراض القلب لكل 100 ألف نسمة بـ518 وفاة، وهي تعد أول دولة عربية وأفريقية في نسب الانتشار المرتفعة بوفيات القلب.

وبالترتيب تعد (اوزبكستان، جزر سولومون، طازجستان، أذربيجان، نيري، أفغانستان، منغوليا، شمال مقدونيا) الأعلى في معدل الوفيات بأمراض القلب، ودول (اليابان وبيرو وفرنسا وسنجابور، وكوريا الشمالية وإسرائيل وتايوان) الأقل في معدل الوفيات.

تشخيص خاطئ

قبل أسبوع من الرحيل، شعر عمر فتحي، 26 عامًا، بتعب أثناء عمله بشركة استصلاح أراضٍ بالواحات البحرية، تتمثل في آلام بالصدر تشبه ذبحة صدرية، نقله زملاؤه للمستشفى، لم يستطع الطبيب تشخيصه بشكل سليم واتخاذ الإجراءات الطبية المناسبة لضعف الخدمة الطبية هناك ونصحه بالسفر إلى أسيوط للتشخيص السليم، وعاد عمر في موعد إجازته إلى قريته الجيزة بمركز الداخلة بمحافظة الوادي الجديد.

مكث الشاب مع أهله، قرر أن يسافر لمحافظة أسيوط بعد غد للفحص، لسوء الخدمة الطبية بالوادي الجديد، لكن الموت كان أقرب، فاستيقظ من نومه وتناول إفطاره وفي التاسعة صباحًا شعر بألم شديد في صدره فارق بعده الحياة.

يقول محمد شقيق عمر: "وصل من شغله قبل وفاته بيوم لم يخرج من البيت خرجنا نحن لعملنا في الصباح الباكر، وبعد ذلك تعب فجأة بعد ما فطر خد نصف ساعة يتألم ألم شديد، وفور نقله للوحدة الصحية المجاورة كان قد مات ورجح الطبيب أن يكون ذلك تضخم في عضلة القلب أدى إلى أزمة قلبية ظهرت علاماتها قبلها بأيام".

ويضيف: "عمر لم يكن يشتكي بحاجة غير تعب بسيط في المعدة من فترة وكشف وتعامل معه الطبيب على أنه تعب في الجهاز الهضمي، وأخذ دواء للمعدة، لكن لما تعب في شغله لم يكن هناك أحد يشخّص كويس فنزل اجازة ليسافر لأسيوط للكشف لكن كان فات حوالي أسبوع ولم ينتبه الطبيب إلى أنها أعراض أزمة قلبية فظل يعاني حتى مات".

شقيق عمر فتحي يتحدث عن مأساة وفاته بأزمة قلبية

تجاهل ألم المعدة


ويحذر الطبيب جمال شعبان من تجاهل ألم المعدة فهو من أعراض النوبات القلبية، فالعديد يتناولون لألم المعدة مضادات حموضة، لمريض عمره 30 عامًا ظل يعالج عامًا كاملًا من أعراض الحموضة والارتجاع ووضعته المستشفى في قائمة عمليات منظار للجهاز الهضمي رغم أنه مصاب بمرض في القلب وجلطة قلبية، واكتشفت ذلك بسؤال المريض هل الحموضة مرتبطة بالأكل أم ببذل مجهود، فأي نوع من الوجع والألم يزيد مع المجهود هي أعراض أزمة قلبية، لكن هناك تأخير يحدث في التشخيص فترتفع نسبة الوفيات نتيجة اختلال كهرباء القلب التي تسبب معظم حالات النوبة القلبية.

ويضيف الدكتور علاء الغمراوي، خبير الصحة العالمية، أن الرجال أكثر عُرضة من النساء بأمراض القلب، وكذلك السيدات بعد سن الطمث، أكثر عرضة لذلك، وقبل سن الطمس يكونوا محميين بهرمون الاستروجين.

الدكتور علاء الغمراوي استشاري القلب بمنظمة الصحة العالمية يكشف الفئات الأكثر عرضة لأمراض القلب


فحوصات لازمة

"وفي حال الشعور بأي نهجان أو ضربات القلب غير طبيعية، أو سماع ضربات القلب عند وضع رأسه على الوسادة للنوم، يتجه لإجراء فحوصات القلب والاطمئنان على نسبة السكر والدهون الثلاثية والكوليسترول في الدم، واليورك اسيد وقياس ضغط الدم والوزن" بحسب قول الغمراوي.

ويعقب الدكتور سامح شاهين على حالة عمر قائلًا: "من الواضح أن لدينا مشكلة أسبابها عدم الاهتمام بالمرض وتقصير الهيئات الطبية المسؤولة والتشخيص الخاطئ أو العلاج الغير مضبوط الذي يوصف من بعض الأطباء للمرضى؛ لذلك نقوم بتوعية شباب الأطباء وتدريبهم بالمستجدات في هذا مجال أمراض القلب خاصة في وحدات الرعاية الأولية للاكتشاف المبكر للجلطات القلبية". بحسب شاهين.

ويستكمل شقيق عمر: "الأزمة القلبية يصاب بها ناس كثيرة هذه الأيام، فعمي عبدالكريم، 55 سنة، بعد وفاة عمر بشهرين، ذهب إلى الغيط يوم الجمعة وكان بصحة جيدة وشرب معانا الشاي وقال إنه حاسس بنغزة في صدره، واختفت، وذهب للبيت ومسك المصحف يقرأ القرآن كعادته كل يوم جمعة وميّل فجأة فقمنا بنقله للوحدة الصحية لكن مات قبل ما نوصل وكل ذلك لم يستغرق ساعة، رغم أنه لم يكن يشتكي من أي أمراض أو أعراض لأمراض القلب من قبل".

وتعد أمراض القلب السبب الأول والرئيسي في الوفيات منذ عام 1990 الى 2019 يليها السرطان وأمراض الجهاز التنفسي ثم أمراض الجهاز الهضمي، وفي مصر هناك تزايد سنوي في عدد وفيات أمراض القلب.

فحص شامل

وخلال فحص طبي شمل 60 مليون مصري، أجرته مبادرة 100 مليون صحة للكشف عن فيروس سي والأمراض غير السارية (الضغط، السكر، السمنة) انتهى إلى إصابة 21% من إجمالي المفحوصين بارتفاع ضغط الدم أي 12 مليون مواطن، 15% بالسكري أي 9 ملايين شخص، و40% بالسمنة أي 24 مليونًا وتم توجيه من اكتشفت إصابتهم للمستشفيات للعلاج مجانًا.

وجاءت عوامل الخطورة على رأسها الأمراض غير السارية ومنها ارتفاع الضغط أول أسباب الوفيات في المدى الزمني من 1990 إلى 2019.

وبالترتيب جاء ارتفاع ضغط الدم، السمنة، السكري، تلوث الهواء، والتدخين أكثر عوامل الخطورة تسببًا في الوفيات، ويعد عام 2019 الأعلى في الوفيات مقارنة بالأعوام التي تسبقه في التسلسل الزمني الموضح، وتبلغ نسبة التغير لمرض ارتفاع ضغط الدم بصفته الأعلى في عوامل الخطورة منذ 1990 إلى 2019 يساوي 1.2% وهو معدل مرتفع.

لكن الشاهد أن هناك اختلافًا ما بين الموت المفاجئ بأمراض القلب، فأحيانا لا تعطي أي مؤشرات أو علامات على الإصابة وأحيانًا قد تعطيك أعراضًا كتنبيه قبل فقد الحياة.

فيقول الدكتور علاء الغمراوي إن الموت المفاجئ يكون حسب حجم الجلطة فإذا كان حجمها كبيرًا لن يكون هناك وقت لإسعافها وقد تصيب شريانًا أو اثنين أو ثلاثة وتمنع سريان الدم لعضلة القلب فتموت كليًا مباشرة فيموت القلب مضيفًا أن الخلل في كهرباء القلب يحدث ما يسمى بالرجفان البطيني تليه الوفاة مباشرة دون أي أعراض.

لكن الطبيب جمال شعبان متمسك برأي آخر فيقول: الأزمة القلبية المفاجئة البعض يعتقد أنها تأتي فجأة دون أعراض سابقة لكن ذلك ليس صحيحًا كليًا، بل يكون هناك أعراض سابقة قد يتجاهلها البعض.

كل ثانية حياة

"25% ممن تعرضوا للأزمات القلبية يفقدون حياتهم، أكثر من نصفهم في أول يوم، وهذا ما يجعلنا نصرخ بأن يجب التعامل معها في بداية الإصابة". بحسب الدكتور سامح شاهين.

الدكتور خالد الخطيب، رئيس إدارة الرعاية الحرجة، نصح من يتعرضون لأزمات قلبية بعدة خطوات يجب اتباعها، والتي تبدأ بسرعة التوجه إلى المستشفى أو طلب الإسعاف على الرقم 123، عند الشعور بأي أعراض للجلطة، وحجزه في الرعاية إذا تطلبت حالته الصحية، وحال عدم توافرها يتم الاتصال بغرفة الرعاية الحرجة من خلال منسق الغرفة بالمستشفى، لتوفير رعاية في مستشفى آخر أو الاتصال برقم 137 حال وجود الحالة في مستشفى خاص.

الدكتور خالد الخطيب مدير ادارة الرعاية الحرجة يكشف كيفية التصرف حال الاصابة بأزمة قلبية

ولمحاولة حل مشكلة الموت المفاجئ بأمراض القلب؛ عكفت وزارة الصحة على دراسة أسباب ارتفاع نسب وفيات أمراض القلب، في ظل ضعف منظومة الطوارئ وأطلقت مبادرة "كل ثانية حياة" التي تهدف لوضع منظومة طوارئ تبدأ بتوجيه الإسعاف للمريض المصاب بأعراض مفاجئة، التي تقدم الإسعافات الأولية له مع عمل رسم قلب وتوجيه لأقرب مستشفى ويتم ربط المستشفيات الصغرى والبعيدة بالكبرى لسرعة التشخيص وإدخال المريض غرفة العمليات خلال ساعتين لإجراء قسطرة وتركيب الدعامات قبل حدوث تلف كامل في عضلة القلب؛ بحسب الدكتور شريف وديع مستشار الوزير للرعاية الحرجة والعاجلة ورئيس اللجنة العلمية للمبادرة.

ويضيف: لا يفضل استخدام مذيبات الجلطات حالياً لأنها قد تؤدي إلى نزيف، فهذه تعد منظومة طوارئ لإنقاذ المريض في 120 دقيقة كحد أقصى منذ بداية الألم إلى إجراء العملية، كما تتضمن تدريب شباب الأطباء على الاكتشاف المبكر للجلطات القلبية وكيفية التعامل معها مع توفير القسطرة التشخيصية والعلاجية لمرضى الجلطات القلبية الحادة مع إمكانية التواصل مع الخط الساخن 16474، لتقديم الإرشادات الصحية للمريض،لإنقاذ حياته، وستقوم بتوفير جهاز الصدمات ومزيل الرجفان القلبي الخارجي في محطات المترو والقطارات والشوارع الكبيرة والأندية لإنقاذ المصابين بالأزمات القلبية من قبل المواطنين بعد التدريب عليه.

واستطاعت هذه المبادرة منذ إطلاقها قبل 3 أشهر من إنقاذ حياة 5500 شخص إلى الآن بعد تعرضهم لأزمات قلبية مفاجئة، وتم إجراء التدخلات الطبية اللازمة ما بين عمليات القسطرة وتركيب الدعامات واستبدال الصمامات التالفة وزرع الشرايين التاجية وتركيب جهاز تنظيم ضربات القلب، مع الأدوية اللازمة وذلك للحد من وفيات الجلطات القلبية التي تقدر بـ16% من الوفيات في العالم. بحسب الدكتور وديع.

كما تم إطلاق مبادرة أخرى لقلوب المصريين؛ حيث أكد الدكتور علاء الغمراوي إطلاق مبادرة سلامة قلبك للكشف عن قلوب الأصحاء بدأت في محافظة الغربية حيث تقوم بالكشف على المواطنين مجانًا من خلال القوافل التي يشارك فيها، فمنذ أيام كان في قافلة ضمن المبادرة اكتشف إصابة حالتين في عمر 15 عامًا بروماتيزم القلب، بالإضافة إلى فحص الأطفال في المدارس للاكتشاف المبكر لأمراض القلب.

الوقاية خير


لكن بالطبع الوقاية خير من العلاج، فبها يمكن منع آلاف الإصابات بالنوبات القلبية سنويًا، فعدد من الخطوات لو أصبحت روتينًا يوميًا تجنبك الجلطات القلبية وأمراض القلب؛ بحسب الغمراوي.



معركة وعي

ويختتم الدكتور جمال شعبان حديثه قائلًا: الفترة المقبلة معركة الوعي مع الأزمات القلبية المفاجئة والموت المبكر في الشباب لابد من تعريف الناس بالأمراض الصامتة؛ مثل ضغط الدم والصداع والسكري والكوليسترول والدهون الثلاثية واليوريك أسيد والهيموجلوبين وفيتامين D والأرقام الحيوية لكل هذه الأمراض.

الدكتور جمال شعبان عميد معهد القلب الأسبق يكشف عن عوامل يجب الانتباه لها

رحل عمر، مصباح، أسماء، سمير، ويارا، في أعمار شبابية متفاوتة، صدم الناس في نبأ وفاتهم لمفاجأة قدر الأزمات القلبية دون أي علامات تمهد لذاك الرحيل، وفي كل ثانية يزداد عدد الراحلين فجأة، نرثيه للحظات وتستمر المأساة...