منذ أكثر من شهر، تتشح سعاد عبيد، -التي أوشكت على دخول عقدها السابع-، بشالها الأسود، مع بزوغ أول ضوء في السماء يوميا، وتترك منزل نجلها في العجمي، لتجلس على دكة محطة المكس. تجعل البحر خلفها، غير مبالية ببرد الصباح، أو حرارة الظهيرة، أو حتى المطر، وتنتظر اللودر الذي يأتي يوميا لهدم منازل المنطقة لترجوه "والنبي يا ابني ما تهدش بيتي.. لحد ما يدونا الشقة".
في فبراير الماضي، بدأت محافظة الإسكندرية عملية إخلاء عزبة الصيادين بمنطقة "خندق المكس"، ونقل أهلها إلى مساكن "طلمبات المكس"، ضمن مبادرة أطلقتها وزارة الإسكان. إلا أن منزل "سعاد" لم يقيد بكشوف الحصر حتى الآن، ما يهدد حقها في الحصول على سكن بديل.
لا تتذكر الحاجة سعاد بالضبط اليوم الذي جاء رجال الحصر فيه إلى المنطقة، ربما كان ذلك منذ شهور. يومها رافقت السيدة المسنة زوجها للمشفى، في رحلته الدورية لغسل الكلى، اتكأ عليها كالمعتاد، وذهبا، وما إن عادا، حتى عرفا بالخبر، جاء رجال الحي، حصروا البيوت الموجودة على ضفتي ترعة المحمودية، تمهيدا لنقل أهالي منطقة "خندق المكس"، المصنفة ضمن العشوائيات الأعلى خطورة، إلى 9 عقارات في مساكن "طلمبات المكس". ولما شاهدوا القفل على باب بيتها، اعتبروه مهجورا، وأسقطوها من الكشوف.
بعدها، دخلت سعاد في محاولات مضنية مع الحي والمحافظة، لتثبت أنها وزوجها و9 أبناء، لا يزالون يعيشون داخل المنزل المكون من طابقين، والمشيد منذ ما يقرب من 60 عاما، اشتركت في شرائه مع زوج ابنتها، قبل 8 سنوات، لتسكن عائلتها طابقا، وابنتها وزوجها الطابق الثاني.