عندما بدأت المعامل الخاصة إجراء تحاليل فيروس كورونا، أصدرت وزارة الصحة قرارًا بمنعها، فضربت المعامل به عرض الحائط. جهرت بذلك وملأت إعلاناتها السمع والبصر بأسعار مُضاعفة، بل قدمت شهادات تحمل ختم النسر؛ فأصر مسؤولو الوزارة مجددًا على أنها غير مصرح لها بالعمل ونتائجها غير دقيقة. لكنهم لم يوقفوها.
السؤال البديهي هنا: لماذا غضت الوزارة الطرف عن تلك المعامل طوال هذا الوقت؟ وكيف تعمل وتصدر تلك الشهادات الموثقة؟ سيأخذنا البحث عن إجابات منطقية إلى رحلة طويلة داخل عالم المعامل الخاصة الذي أحياه كورونا، وإلى أشياء كثيرة ربما أكبر وأكثر تعقيدًا ومفاجأة مما كنا نتوقع.
"منع إجراء تحليل كورونا بالمعامل الخاصة"
وزيرة الصحة في مؤتمر صحفي 25 مارس 2020"
كانت الأجواء مشحونة ومتوترة داخل مبني وزارة الصحة العتيق. ترتج الغرف الضيقة المتجاورة بكثير من الحركة والأصوات، خاصة الغرفة التي يجتمع فيها أفراد يرصدون ويتتبعون ما تسميه الوزارة "شجرة المخالطين" للحالات المصابة بالفيروس الجديد.
وسط ذلك، خرج بيان الـ25 من مارس ليعلن ارتفاع الإصابات إلى 456 حالة والوفيات إلى 21. صاحبه تأكيد الوزيرة على "منع إجراء فحص الفيروس إلا من خلال المعامل المركزية التابعة للوزارة أو معامل المستشفيات الجامعية". اتفق هذا المنع مع المنشور الذي وجهته الوزارة إلى المديريات الصحية بتاريخ 11 مارس، وينص على عدم السماح للمعامل الخاصة بإجراء تحاليل كورونا.
في الوقت الذي صدر فيه القرار، وأكده البيان، كان المعمل الخاص الذي تعمل فيه أمل سلامة، قد بدأ بالفعل إجراء المسحات لامتلاكه جهاز PCR، ولم يحتَج الأمر سوى شرئهم "كيتس كورونا" (المحاليل التي يعمل بها الجهاز) من الشركات المُصنعة، لكن- بحسب أمل- "كان الأمر في الخفاء وللمعارف فقط".
بالتزامن؛ حصلت معامل المستشفيات الجامعية، التابعة لوزارة التعليم العالي على تصريح من رئيس الوزراء يسمح لها بتقديم التحاليل بمقابل مادي؛ قدرته وقتها بـ2600 جنيه للمسحة الواحدة.
بعد زمن لم يطل عن ذلك، عَلت أصوات أصحاب المعامل الخاصة المطالبة بإدخالها في مشهد تحاليل كورونا؛ بينهم مؤمنة كامل، رئيس مجلس إدارة معامل "المختبر": "نحن مؤهلون تمامًا لإجراء التحاليل ونمتلك كل الأجهزة". وأشارت في تصريحها إلى أن ممثلين لمعامل القطاع الخاص عرضوا على الوزارة بالفعل رغبتهم في المشاركة مع احترام سرية النتائج.
لكن الوزارة استمرت على موقفها الرافض لهم.
مرت أشهر، وتجاوزت مصر الثمانين ألف إصابة. رغم ذلك، أعدت الدولة خطتها للتعايش مع الوباء؛ فاستُؤنفت حركة الطيران مجددًا، وبات على أغلب المسافرين إجراء اختبار PCR أولا، فحددت لهم المعامل المركزية 28 معملا تابعًا لها مقابل 1050 جنيها. في حين لم يعد بمقدور أي شخص إجراء مسحة مجانية بالمستشفيات الحكومية إلا إذا عانى أعراضا واضحة، وصنفه الفحص المسبق كـ"حالة اشتباه".
هذا المشهد بكل تفاصيله دعم اتجاه خلق منظومة خاصة موازية للمنظومة الحكومية، لم تعترف بها الوزارة ولم تحصِها ضمن أعدادها اليومية التي ظلت "محل تشكيك". لذلك يقول الدكتور محمد النادي، عضو اللجنة الحكومية لمكافحة كورونا، إن "الأعداد الحقيقية للإصابات قد تكون عشرة أضعاف الرقم المعلن لوجود تلك المعامل والمستشفيات الخاصة".
كان مشروع شركة "برايم سبيد ميديكال" الخاصة أشبه بنقطة البداية لانطلاق هذا السباق. عندما تعاقد مع المعمل المرجعي لمستشفى عين شمس الجامعي لإجراء تحاليل كورونا بعد أن يسحبها من المارين بالسيارات داخل جامعة عين شمس، ما عُرف باسم "درايف ثرو"، بمقابل ألفي جنيه للمسحة الواحدة.
ذلك التعاون الكبير بين "الخاص" و"العام" لإجراء التحاليل التي ظلت لأشهر حِكرًا على القطاع الحكومي- على الأقل في العلن- افتتحه كل من رئيس الوزراء ووزير التعليم العالي، إلى جانب وزيرة الصحة.
وسرعان ما انتشرت بعده إعلانات المعامل الخاصة التي تجري مسحات للسفر يصل سعر الواحدة منها إلى ألفي جنيه، خاصة بعدما اعترفت بعض المطارات كالإمارات والسعودية بنتائج مجموعة معامل "البرج" و"المختبر" دون الحاجة إلى خَاتَم النّسر.
انتقلت أمل سلامة للعمل بمعامل البرج ضمن مديريها. وتقول إنهم "لم يحتاجوا إلى مصدر حكومي ليحصلوا على مستلزماتهم الخاصة بتحاليل كورونا مثل الكيتس؛ فقد استوردوا كل شيء من شركتي Roche السويسرية وSiemens الألمانية مباشرة".
ذلك على الرغم من أن ثمة جهة واحدة هي المسؤولة عن عملية استيراد تلك المنتجات وهي هيئة الشراء الموحد، التي- وفقا لقانون تأسيسها عام 2019- "تتولى دون غيرها شراء المستلزمات الطبية لجميع الجهات الحكومية وأي جهة يوافق على طلبها مجلس إدارة الهيئة". لذا هي مورد المواد الكيميائية الخاصة بكورونا إلى مستشفى عين شمس- بحسب غادة عبد الواحد، مدير المعمل المرجعي هناك.
لكن شركة Roche أكدت في ردها لـ"مصراوي": "أنها تزود كلا القطاعين الخاص والعام في مصر بالاختبارات بشكل أسبوعي" دون الإشارة إلى هيئة الشراء الموحد.
ولم يصادفْ أمل أيُّ اعتراض من جانب وزارة الصحة متمثلة في إدارة العلاج الحر المنوط بها الرقابة والتفتيش على المعامل الخاصة، وتديرها نهال الشاعر، التي رفضت التعليق على الأمر ووجهتنا نحو المتحدث باسم الوزارة.
لم يكن ذلك مثيرًا للاستغراب بقدر الإعلان المنشور في 22 يوليو على صفحة معمل خاص آخر باسم "NSA"، ويفيد "بإجراء مسحة للسفر، بالتعاون مع مستشفى خاص كبير بمنطقة 6 أكتوبر، على أن يكون التحليل معتمدا من وزارة الصحة"!
كانت المفاجأة في العبارة الأخيرة تحديدًا؛ فكيف يُصدر معمل خاص شهادة بخَاتَم النسر معتمدة من وزارة الصحة- تلك الجهة التي لم تعترف أبدًا بإجراء المعامل مسحات، بل يُفترض أن تمنعها؟!
بمرور الوقت، لم يعد تقديم الشهادات الموثقة بخاتم النسر مقتصرا على هذا المعمل، بل انضم له قائمة طويلة أخرى.
وقتها لم ندرك ما وراء كل ذلك. لكننا سنفهم فيما بعد.
"المعامل الوحيدة المعتمدة هي المعامل المركزية.. وما عدا ذلك معامل غير مصرح لها ونتائجها غير دقيقة"
رئيس اللجنة العلمية لمواجهة كورونا بوزارة الصحة- 18 نوفمبر 2020
يمكن القول إنه قد بدأ "الانتشار الكبير" لإعلانات إجراء تحاليل كورونا في المعامل الخاصة- المقدرة بعشرة آلاف معمل- خلال شهر نوفمبر الماضي الذي هيأت ظروفه انتشارا أكثر لها وطلبا متزايدًا، بعدما ارتفعت أرقام الإصابات مرة أخرى. وتأهبت مصر لـ"موجة ثانية" خلال فصل الشتاء.
فقدرت أمل سلامة الأعداد التي تأتي إلى معامل البرج فقط بنحو 1000 حالة يوميا في هذه الفترة.
ورغم ذلك، واصل مسؤولو وزارة الصحة، منهم رئيس اللجنة العلمية لمواجهة كورونا، ورئيس المعامل المركزية- التأكيد على "أن جميع المعامل الخاصة غير مصرح لها".
كان حسين عبد الهادي واحدًا ممن أغرتهم إعلانات تلك المعامل وإمكانية سحب العينة من البيت، ليستبعد بذلك خيار الذهاب إلى المستشفيات الحكومية: "كنت قلقا جدًا منها خاصة أنني لم أعانِ أعراضا، وأردت التأكد فقط بعد إصابة شقيقتي".
عشوائيًا؛ اختار حسين، الموظف بإحدى الشركات، معملا يسمى "كوفينا" ومقره منطقة المعادي. وكما يُظهر اسمه؛ فقد تأسس قبل أن يجده حسين بشهر واحد: "لست واثقا بدرجة كبيرة بما يفعلونه". ثم هاتفهم طالبًا تحديد موعد. على الجهة الأخرى، سأله الشخص إن كان يريد المسحة للاطمئنان أم للسفر.
قصد الرجل بذلك أن التصنيف الأول لا يحتاج للشهادة المعتمدة بخاتم النسر، ويمكن إبلاغه بالنتيجة تليفونيًا أو برسالة واتس آب أو بتقرير ((pdf بخاتم المعمل أو بدونه. أما الثاني فيستلزم ما سمّاه "خِتم الحكومة"، وهنا يزيد السعر.
لكن كيف يحصل هذا المعمل وغيره على "خِتم الحكومة" الذي يمكن أن يوفره لحسين إذا طلبه؟
كانت الإجابة عند أغلب المعامل الخاصة واحدة: "مستشفيات عين شمس الجامعي"، المكان الذي أصبح "ملاذا حكوميا آمنا لها"، بعد أن سمحت بإجراء تعاقدات مع تلك المعامل لتحليل المسحات التي يسحبها مندوبو المعامل الخاصة.
لم يتطلب هذا التعاقد منهم سوى "صورة من السجل التجاري، البطاقة الضريبية، وتفويض للمندوب الذي سيأتي بالعينات ويتسلم النتائج". أما التكلفة، فليست ثابتة، وإنما يحددها الاتفاق مع إدارة المستشفى، وفقا لتواصلنا مع المستشفى على أننا معمل خاص يريد التعاقد معهم، ذاكرين اسم مجهول.
على هذا النحو، تمضي أغلب المعامل الخاصة التي تريد إصدار شهادات موثقة لزبائنها.
ويوضح أحمد مصطفى، فني التحاليل في حميات العباسية وبأحد المعامل الخاصة، أن معمله يرسل كل عيناته، التي تتراوح ما بين 30 إلى 50 عينة يوميًا إلى هناك مع مندوب، لكن للمسحات الموثقة بخاتم النسر سعرها الخاص في تعاقدهم.
تلك التعاقدات تقول عنها غادة عبد الواحد، مديرة معمل مستشفى عين شمس، إنها "محدودة وتتم وفقًا لشروط وهي أن تكون المعامل معروفة ولها أوراق وترخيص، كما يدرب مندبوها عندهم على سحب العينات ويأخذون منهم الأدوات الخاصة بالسحب". لكن أحمد مصطفى لم يتلقَّ هذا التدريب، ولم يأخذ أدواته منهم، إنما هو من درب زملاءه في المعمل بحكم خبرته في سحب المسحات بالحميات.
في حالة حسين، كانت مسحته للاطمنئان فقط، ولن يحتاج هذه الشهادة المعتمدة.
أنهى اتفاقه مع المعمل الذي أرسل له بصورة الطلب. لكن حسين وجده موجها إلى معمل باسم "صحة"، وهو معمل آخر تأسست صفحته قبل "كوفينا" بشهرين فقط. سألهم عن هذا الاسم؛ قالوا "إنها المعامل التي تجري التحاليل، وهم يتعاونون معها".
في اليوم التالي، وصل إليه تقرير باسم "معمل صحة" يقول إن نتيجته "إيجابية". وهذا يعني شيئين: أحدهما أن حسين لن يُحصَى في أي رقم رسمي يخص أعداد المصابين، وأنه يمثل ربحا جديدا للمعمل؛ لأنه سيطلب زيارة جديدة بعد نحو أسبوع ومعها مبلغ 1500 جنيه آخر، وربما تتكرر إيجابية نتيجته وتتكرر المسحات والدفع.
على عكس حسين؛ كان علاء السيد وميرفت سعيد؛ فلم تترك لهما إمكانياتهما المادية فرصة ليفعلا مثله. الأثنان يريدان عمل المسحة؛ فالأول، مدرس، يعاني أعراض الفيروس كلها، والثانية، بالمعاش، تُوفي زوجها مُصنفا "كحالة اشتباه".
ليس أمام الاثنين سوى المستشفيات الحكومية المتكدسة، ولا حيلة لهما سوى الالتفاف على الأمر.
فاتفق علاء مع مدير أحد المستشفيات الحكومية له صلة به على أن يرسل له مندوبا على أن يعطي هذا الرجل 200 جنيه. فيما اعتمدت ميرفت على شخص تعرفه أيضًا داخل الحميات لتدخل دون انتظار: "200 جنيه ولا 2000 في معمل خاص!".
"وزارة الصحة لم تصرح لأى معمل خاص بإجراء مسحات كورونا"
رئيس إدارة المعامل المركزية- 27 ديسمبر 2020
الأيام الأولى من ديسمبر كانت الفترة التي انتشر فيها بيع منتجات تحاليل كورونا في بعض شركات المستلزمات الطبية بالأسواق. وعليه؛ كثفت إعلاناتها عبر مجموعات "فيسبوك" الموجهة لدائرة المعامل الخاصة، لتخبرها بتوافر كواشف كورونا السريعة لديها، خاصة مع بداية استخدام تحليل المسحة السريعة "Antigen test" بالمعامل، والذي يظهر نتيجته في 15 دقيقة فقط.
يرجح أكثر من مصدر مُطلع "أن تلك المنتجات التي تصل إلى الأسواق تأتي مُهربة".
ويدعم هذه الاحتمالية ما ذكره أحد البائعين، ويُدعى حاتم الفقي، عندما تواصلنا معه كمعمل خاص يرغب في الشراء: "إحنا مابنتعاملش بورق. ولو لقوها عندك هيشمعولك المعمل. لو عايزين تشتغلوا بيها ماتحطهاش هناك".
وكانت هيئة الدواء المصرية حذرت، في بيان لها، من بيع هذه الكواشف:"جميع الكواشف يتم استيرادها لصالح الجهات الحكومية وغير مصرح ببيعها لأي جهة أخرى، كما يتم التفتيش على جميع الشركات المستوردة لضمان عدم توريدها للمعامل الخاصة والصيدليات".
لكن الواقع في السوق لم يكن مثلما ظهر في البيان كواقع المعامل الخاصة كلها، الذي استماتت نانسي الجندي، رئيس إدارة المعامل المركزية، مجددًا في تأكيدها على استمرار موقف الوزارة تجاهها.
في تصريحها نفسه- يوم 26 ديسمبر - أشارت الجندي إلى أمرًا لافتًا وهو أن "هناك مستشفيات خاصة ترسل لهم بعيناتها لتُحللها في حالة وجود مرضى محتجزين عندهم".
تلك الإشارة كان من شأنها أن تعيدنا إلى البداية، حيث معمل"”NSA الذي أعلن في يوليو الماضي، "تعاونه مع مستشفى خاص كبير لإصدار شهادات معتمدة من معامل وزارة الصحة" التي يختلف موقفها تمامًا عن معامل المستشفيات الجامعية.
كان الطرف الأول في هذه القصة هو المعامل المُعلنة. لذا صوبنا استفسارنا إلى أحد المعامل الذي يذكر ذلك، ويسمى "زايد لاب"، الذي أخذ مكانه بين المعامل في 25 يوليو الماضي بمنطقة الشيخ زايد.
باعتبارنا شركة تريد التعاقد معهم لعمل مسحات لموظفيها؛ قدم مدير المعمل سعرًا أقل من المعلن مع إمكانية توفير شهادات موثقة من المعامل المركزية، سواء نريدها للاطمئنان أم للسفر.
وبسؤاله عما إذا هناك تعاقد رسمي معهم، شرح لنا تلك المسألة قائلا: "التعاقد معهم ليس رسميًا لكنه اتفاق مع موظف داخل المعامل نرسل له بالعينات، والشهادات تخرج باسم المعامل المركزية والختم غير مذكور فيها اسم المعمل الخاص".
وبالمثل، جاء رد مسؤول معمل آخر بمنطقة إمبابة، الذي يوزع مسحاته بين ثلاث جهات بحسب تصنيفها؛ إن كانت "للاطمئنان"، فيرسل بها إلى معمل "كايرو لاب" المتعاقد معه؛ لأنه يملك جهاز الـpcr وهي الطريقة المعروفة في أوساطهم بـ"lap to lap". بينما تذهب "مسحات السفر" إلى مستشفيات عين شمس بـ1700 جنيه للمسحة أو المعامل المركزية بـ2100 جنيه.
وأكد أن كليهما بهما نفس الأجهزة ونفس الدقة، لكن كل جهة تحدد مبلغها، وهو يضع هامش ربح بسيطا لنفسه.
أما الطرف الثاني في هذه القصة، فكان المعامل المركزية نفسها.
في مقرها بوسط القاهرة؛ يتقاطع الناس داخلين إلى المعامل وخارجين منها: أطباء، موظفون، مرضى، مسافرون، ومندوبون يحملون العينات والأوراق.
وقف أحد موظفيها في ردهة ضيقة أمام واحدة من غرف تحاليل الفيروسات، كان يوجه الناس إلى حيث يقصدون. انتبه إلى ما نسأل عنه وهو "لو كنا معملا خاصا نريد إجراء تحاليل المسحات هنا؟" ثم أجاب: "المعامل الخاصة كانت بتعمل عندنا من فترة بس أعتقد اتوقف الموضوع ده. ممكن تسألي (د/...) المسؤولة الإدارية".
من عنده إلى الطابق الأول بالمبنى الإداري، حيث مكتب هذه المسؤولة، التي ردت باقتضاب شديد دون أن ترفع نظرها عن الهاتف: "مبنعملش لمعامل خاصة. مستشفيات خاصة بس في حالة وجود مرضى محتجزين عندهم".
وقبل خطوات من بوابة الخروج، كان لدى فني تحاليل بالمعامل الطريقة التي يمكن اتباعها، والحقيقة أنها متوقعة إلى حد كبير: "لو عايزاها للاطمئنان ممكن تتعمل عندنا عن طريق مستشفى خاص. أي مستشفى قريب اتفقي معاهم على مبلغ معين ويأخدوا العينات. والريبورتات هتتبعت لإيميل المستشفى نسخ pdf. لكن للأسف مش هتصلح للسفر".
ولم تعلق رئيس المعامل المركزية على ذلك حتى تأتي لها موافقة من المتحدث باسم الوزارة، الذي لم يرد على مخاطبتنا له تليفونيا أو عبر البريد الإلكتروني.
بطريقة أو بأخرى، تذهب كل الأحاديث بنا إلى المستشفيات الخاصة، الطرف الثالث وربما هي الاستثناءات الملحوظة أيضًا.
هذه المرة، كان السؤال الموجه لثلاثة مستشفيات خاصة هو "هل يمكنني إجراء مسحة للسفر؟"، مع العلم أن مديرة المعامل المركزية وموظفيها أكدوا أن المستشفيات الخاصة لا تأتي إلا بعينات مرضاها المحتجزين فقط.
في المستشفى الأول،الذي ذكر معمل "NSA" تعاونه معها، دار الحوار كالتالي:
هل يمكن عمل مسحة عندكم؟
نعم. للاطمئنان أم للسفر؟
للسفر
بـ2750 جنيه وموثقة بـ"خِتم النسر"
أي جهة ستعتمدها؟
المعامل المركزية لوزارة الصحة
ما المطلوب؟
جواز السفر
في حالة أن الدولة لا تتطلب تأشيرة مسبقة؟
يمكن الاكتفاء بالبطاقة الشخصية
باستثناء التكلفة، لم يختلف رد المستشفى الثاني، كذلك الثالث، لكن الأخير أضاف إمكانية إرسال مندوب لأخذها، وأعطى مسؤولة العلاقات العامة رقمها الشخصي للاتفاق قبلها بيومين على الميعاد المناسب، وذكر أن جهة الاعتماد هي مستشفى حميات العباسية.
على هذا النحو، مرت مصر من ذروة الموجة الثانية وتستعد لزيادة أخرى. وصلت شحنات متتالية لها من لقاحات كورونا. بدأ تطعيم فئات كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة. ولا تزال المعامل الخاصة مستمرة في عملها، ولا يزال مسؤولو وزارة الصحة يقولون إنهم غير مصرح لهم دون أي فعل يُذكر لمنعهم.
لم تهتم أمل سلامة، أحد مديري "البرج" أن يتوصل معملها إلى اتفاق مع وزارة الصحة أو الحصول على تصريح ما دام عملهم مستمرا، وليسوا بحاجة إليه. وبحسب قولها الذي ربما لخص الإجابة التي كنا نبحث عنها في البداية: "الدولة تعرف كل شيء وهناك ضغط عليها؛ فببساطة تركتنا نعمل".
غيرنا بعض أسماء الشخصيات الواردة في القصة.