بقيت عنيفة

symp

أتيح لإسراء عاشور فرصة العقاب الفوري للمتحرش، أجبرته على الاتصال بوالدته وزوجته وإخبارهما بفعلته. نجحت بمفردها رغم مراوغته وما لاقته من ردود فعل البعض ورميها بكلمات: "بلاش بهدلة.. إن الله حليم ستار". أرادت أن تلقنه درسًا لا ينساه، لا سيما بعدما علمت أن له ابنة، رأت انكساره مقابل تحليها بقوة غير معهودة، لكن ما إن عادت إلى المنزل حتى انهارت.

إلى الآن، تتجنب إسراء الذهاب لمنطقة مصر الجديدة -مكان التحرش بها- منذ يناير 2017. أصبحت حياتها مقتصرة على منطقتي الزمالك والمهندسين، بين العمل والمنزل تتنقل بسيارات الأجرة الخاصة.

انعزلت صاحبة الثلاثين ربيعًا، لم ترَ الطريق لخمسة أيام، واصلت تأنيب نفسها كأنما اقترفت جرمًا، شعرت بالنقص، ودار في رأسها طنين أفكار سلبية: "أنا جسمي مشكلة بالنسبة لي.. أي حد ممكن يحط إيده على جسمي ومعاه الحق وأنا اللي غلطانة"، ولم تستطع أن تطرد عن نفسها سؤال: "يا ترى البنت اللي ما بتاخدش حقها بتعمل إيه؟!".

تراكم غضب إسراء منذ الجامعة، وقت أن تعرضت للتحرش للمرة الأولى، لكن ظلت تخشى الرد؛ كي لا تتعرض للضرب، أو الإهانة، ومن ثم زاد الشعور بأن جسدها: "عورة وحاجة المفروض أستعر منها"، لكن بعد تلك المرة تحرر سخطها، حتى أنها خرجت إلى الشارع لمرتها الأولى بما يخالف طباعها "لبست أضيق حاجة عندي وقلت على الله حد يكلمني"، كانت بصحبة والدتها إلا أنها تعمدت كسر عزلتها الداخلية.

اليوم لا تطأ قدما إسراء الطرقات حتى تُحصن نفسها؛ إما بأشخاص تصحبهم، أو سماعة تضعها في أذنيها؛ كي لا تؤذيها كلمة، فيما تتأهب يداها لتوجيه الضربات. لا تترك شيئًا يساعدها على مقاومة الشارع إلا وفعلت، حتى نظارتها الطبية تضعها في حقيبتها "عشان ما شوفش حاجة تضايقني حتى لو نظرة من فوق لتحت".

ذاقت إسراء تبدل الحال بعد التعرض للتحرش: "يا إما بتحصل حالة تبلد، يا إما بتحصل حالة إنك تنزلي سنّة سنانك على الناس في الشارع مستنية حد يكلمك عشان تعملي مشكلة". وجودها في دائرة لا تخلو من التحرش سواء بين المقربين أو المعارف، فضلاً عن تجربتها الشخصية، يجعل إسراء دائما تُحدث نفسها: "أنا عندي 30 سنة، اتجوزت واطلقت، أنا كبيرة كفاية إن ده ميحصليش. أنا كبرت على البهدلة والمرمطة والعياط والانهيار وإحساس إني رخيصة".

تجاوزت إسراء نوعًا ما الشعور بالألم، لكنها لم تغير قرارها: "اللي هيقرب مني هضربه. هو استخدم إيده وأنا هستخدم إيدي".

إسراء عاشور

2017 القاهرة

النساء من 30 إلى 35 عامًا هن الأكثر عرضة للتحرش. مسح الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء وهيئة الأمم المتحدة عام 2015.

القصة التالية
➱ (فقدت رجلي)