بعد أشهر من اندلاع الحرب الأهلية في اليمن أصبحت حفلات الزفاف مُتشابهة إلى حد بعيد، وكان بينها حفل زفاف هيا ومحمود في مايو 2015، كان تجمعًا يضم أقرب المُقربين للعروسين، يغالبون أحزانهم ويحاولون إخفاء اكتئابهم، مع استمرار حدوث المجازر في المدينة التي انطلقت فيها معارك ضارية مع بدء الحرب الأهلية، خلفت مجازر في الأحياء المتجاورة.
بدأت الحرب الأهلية في اليمن في مارس 2015، بمعارك وهجمات شنها الحوثيون والقوات الموالية للرئيس السابق "علي عبدالله صالح"؛ للسيطرة على محافظة عدن وتعز ومأرب، فسلبت الحرب أحلام الشباب وراحة بال الشيوخ وبراءة الأطفال، وكذلك قضت على الحلم الذي داعب ذهن هيا، ٢٧ عامًا، منذ نعومة أظافرها بإقامة حفل زفاف كبير، والعيش مع حبيبها في بيتٍ تجمعهما بداخله ذكريات تدوم أبدًا.
جاورت الأعراس المآتم في عدن، بينما يبكي البعض على رحيل فقيد، يحتفل آخرون بحياة جديدة، شهدت المدينة علاقة حب الاثنين اللذين التقيا لأول في الجامعة، بينما كانت هي في عامها الدراسي الأول، وهو في عامه الثالث، وقررا الارتباط رسميًا، والتحضير للزواج، لكن نظرًا لما فرضته الحرب من الظروف لم تشترِ هي أو خطيبها وقتذاك ملابس جديدة، اكتفيا بما لديهما من ملابس، حتى أن البيت لم يكن مفروشًا بالكامل، نظرًا إلى غلاء الأسعار خاصة المواد الغذائية علاوة على إغلاق الموانئ وتوقف حركة توريد البضائع، حتى أن الموظفين لم يكونوا يتلقون رواتبهم الشهرية ولا يحصلون على مستحقاتهم المادية.
تستحضر هيا ذكريات يوم عرسها في خيبة أمل وحسرة، خلا الحفل من أي مظاهر فرح، "يا دوب لبست توب عادي مش سواريه ولا أبيض، غير ما كنت أحلم إني ألبس فستان فرح وأروح القاعة الفلانية"، ولم تسلبها الحرب حلاوة اليوم المنتظر فحسب، ولكنها أيضًا كست علاقتها بمحمود بالبرودة والفتور نوعًا ما، "كانت المشاعر مُعدمة بهديك الأيام" لا سيما لدى الرجال، كانوا متواجدين جسدًا فقط، ولكن عقلاً وروحًا على الجبهة يشاركون في القتال، "وكانوا من كتر ما يشوفوا جثث أصدقاءهم اللي اتوفو والجرحى وكده يرجع البيت وما يقدر يتكلم".
كل الرجال كانوا مطلوبين على الجبهة وقتذاك، تحرير المدينة من سيطرة الحوثيين المدعومين من إيران، كان أولولية الجميع؛ لذا توجه محمود بعد أسبوع واحد من زواجه بـهيا إلى الجبهة، شارك في القتال بجبهة بالمدخل الشمالي لمدينة عدن تسمى "جبهة السفينة"، للتصدي للميليشيا الشيعية التي توغلت في كافة مناطق المدينة بعد فرار "علي عبدالله صالح" إلى السعودية.
كأي ثنائي حديث الزواج لم يكن التفاهم سهلاً بين هيا ومحمود "كان هو عصبي وأنا عصبية"، وزادت الحرب علاقتهما تعقيدًا، فعندما يعود الزوج إلى المنزل يُخيم الصمت على المكان، ولا يسمعان إلا أصوات القنابل والرصاص ودقات قلبيهما التي أصبحت مسموعة من فرط القلق والتوتر، وزاد انقطاع الماء والكهرباء بصورة مُستمرة الطين بلّة.
استعانت هيا بالصبر، وواست نفسها بأنها لم تكن الوحيدة التي تعيش هذه الظروف مع زوجها، فكانت إحدى كثيرات في عدن يختبرن نفس المواقف، "كنت أقول لعله خير وأصبر وأدعو يكون خير ليا"، وضعت الشابة اليمنية جدولاً ثابتاً ليومها لإلهاء نفسها وإبعاد تفكيرها عما يُقلقها، النوم بعد صلاة العشاء والاستيقاظ فجرًا لإنجاز مهامها المنزلية، تغسل الملابس وتطهو الطعام تحرص على الانتهاء من كل شيء قبل أن يحل الليل إذ تنقطع الكهرباء، علاوة على إعداد طعامٍ خاصٍ للرجال على الجبهات، والمشاركة في توزيعه عليهم.
ورغم امتلاء جدولها بالمهام، إلا أنها لم تستطع التوقف عن القلق والتفكير فيما إذا كان زوجها بخير، خاصة وأن التواصل بينهما لم يكن سهلاً، بالنظر إلى أن شبكات الاتصالات كانت شبه معدومة مع انقطاع الكهرباء، وتوقف أبراج الاتصال، "أحيانًا كنت بتصل 50 مرة للاطمئنان عليه، لكن إذا انقطع الاتصال لا أستطيع الاتصال مرة أخرى لضعف الشبكات".
مع استمرار المعارك، اقتصرت رغبة الزوجين على أن يمر عليهم اليوم بسلام، "نعيش مطمئنين لما يكون فيه وجبة أكل واحدة وبس"، لم يضعا أي خطط للمستقبل، لكن بعدما أذاهما الجوع واشتد القصف الحوثي، حاولا الهروب من المنزل، وقتها عاشت هيا موقفًا لن تنساه، "خرجنا من المنزل، وبقى زوجي في المنطقة يقاتل مع باقي الشباب واستطاع أن يخرج بعد مرور ثلاثة أيام".
تحررت عدن على أيدي القوات الحكومية المدعومة من التحالف العربي بقيادة السعودية في يوليو 2015، وساد الهدوء النسبي، وطوال فترة الحرب لم يفكر الزوجان في الرحيل، ولكنهما أعادا النظر في الأمر مرة أخرى، مع استئناف القتال قبل اعوام، وغياب أي تحسن للأوضاع، وعجزهما عن استعادة حياتهما القديمة، ومع توقعاتهما بأن تؤول الأمور إلى الأسوأ، وتتجدد الحرب في أي وقت.
ما فعلته الحرب باليمن
مقتل طفل دون الخامسة كل ٩ دقائق بسبب النزاع
مقتل ٣٧٧ ألف شخص حتى انتهاء ٢٠٢١
١٥.٦ مليون يمني يعيشون تحت خط الفقر
الخسائر الاقتصادية منذ ٢٠١٥ تقدر ب١٢٦ مليار دولار