كـــن أنت البطــــل

لم يعلم مصطفى سعيد حينها أن جلوسه رفقة جده بين أرفف الكتب سيخلق منه شخصًا مختلفًا، كان الطفل صغيرًا، لم يتخط عامه الخامس بعد، يلهو أقرانه، بينما يقرأ عليه الجد كل صباح مقطعًا من كتابٍ جديدٍ، لذا بدا الأمر طبيعيًا أن يحصد الجد ثمار ما حصده، ويصير حفيده أحد أبطال "تحدي القراءة العربي".

في 13 نوفمبر الجاري سيكون مصطفى رفقة 19 طالبا وطالبة بين حضور حفل جوائز بطل تحدي القراءة العربي في دبي؛ للأسف لم يسعف مصطفى ورفاقه المصريين الحظ في التواجد وسط أفضل 3 متسابقين على مستوى الوطن العربي –رغم وصول اثنين من الطلاب المصريين للمراحل الأخيرة من السباق، غير أن المشاركة في المسابقة لم يكن غرضها الأساسي هو المكسب فحسب؛ وإنما هناك انتصارات أخرى.

في الملف التالي، يسترجع مصراوي الرحلة التي خاضها أبطال التحدي في مصر خلال شهور مضت.. إذا أردت أن تكون مثل هؤلاء فقط تحتاج إلى زيارة صغيرة لمكتبة المدرسة؛ كي تكون أنت البطل.

مصطفى.. التحدي يحقق حلم الجد

على الرغم من أن مصطفى لم يتجاوز الأحد عشر ربيعا، فطريقته في الحديث توحي برجلٍ حكيمٍ يتكلم، خبيرٍ في شؤون عدة؛ لديه مدارك في العلوم، والطب، والصحافة وسير الشخصيات التاريخية، جغرافية الدول الأوروبية، ظواهر الفيزياء ودروب الفضاء.
يشارك مصطفى للسنة الثالثة على التوالي في "تحدي القراءة العربي"، وفي كل مرة ينال إعجاب المحكمين، ولا يقتصر الأمر عند حدود محافظته –المنوفية- فحسب وإنما ينتزع أحد الألقاب العشرة للمتسابقين بمحافظات مصر كافة، في المرة الأول حصد المركز التاسع على مستوى الجمهورية، وفي العام التالي جاء في المركز الثالث بالمسابقة الماسية، فيما حل بالمركز الخامس على مستوى الجمهورية هذا العام، ومع كل جائزة ينالها لا يمل من التذكير بأن كل ما يجري هو نتاج حلمه بأن يصير مثلما تمنى جده "طبيب قلب"، وكذا يحاكيه في الثقافة والاطلاع.
يعتبر ابن محافظة المنوفية مكتبة جده لأمه أنها المكان الأقرب لنفسه، فيها تشرب حب القراءة والحياة، لذا تمس رائحة الكتب شغاف قلبه، لذا أكثر ما يسعده مع كل انتصار يحققه في المسابقة هو الهدية الممنوحة للعشرة الأوائل "كانوا 50 كتابًا هدية.. وأكثر كتاب جذبني كان قصة غاندي"، وفي إحدى المرات كانت المكافأة وثيقة شراء بنحو 7 آلاف جنيه "اشتريت وقتها موسوعة للشخصيات التاريخية".
مع كل كتاب وكل خطوة يأتي ذكر الجد الراحل، والذي لم يتوقف مداد المعرفة عنده، فوالدة مصطفى هي الداعم الأول له، يحكي عنها الابن بفخرٍ؛ "تم تكريمها في عيد العلم قبل سنواتٍ"، وخاله يكمل معه مسيرة الجد "عنده مكتبة كبيرة جدًا، وأطلع فيها على المجموعات الكاملة لنجيب محفوظ وعباس العقاد وأحمد خالد توفيق".
لم يتوقف دور مصطفى، الطالب بالصف الخامس الابتدائي، عند حدود تفوقه فحسب، فالصغير يحاول دعم رفاقه في المدرسة "الطلاب فاكرين إن القراءة شيء ممل، يجوز كتاب المدرسة نمطي، لكن المعرفة أوسع وأمتع".
أقنع مصطفى صديقًا له بالمشاركة في مسابقة للقراءة تنظمها وزارة التربية والتعليم تحت اسم "المشروع القومي للقراءة..أقرأ وارتقِ"، وهي المسابقة التي حصد فيها مصطفى المركز الأول على مستوى الجمهورية، وكذلك أثر الأمر في محيط الأسرة، فأولاد عمومته قرروا الانتقال إلى مدرسته – حصدت المدرسة المركز الأول على الجمهورية خلال أول عامين من "تحدي القراءة العربي".
يمتن والد مصطفى الذي يعمل طبيبًا لجراحة المخ والأعصاب، لمشاركة ابنه في التحدي "كان محبًا للقراءة لكنه منطوٍ، الآن صار اجتماعيًا، ودودًا، يتفاعل مع الناس ولا يخشى الحديث أمام الجموع"، يحاول الأب ألا يعزل مصطفى عن عالم الطفولة، لذا يشارك الابن في ممارسة الرياضات بالنادي "حتى الموبايل يستخدمه بشكلٍ سليمٍ.. عرف أن الإنترنت منجمٌ للمعلومات والمعرفة، فصار صديقًا صحيًا".
يتابع مصطفى أحوال التحدي والمشاركين في كل الدول العربية "باحترم جدًا المشاركين من فلسطين وأعتبرهم الأكثر اطلاعًا.. وأرى المنافسين من المغرب أصحاب عزيمة؛ لأنهم يتحدثون الفصحى وسط أناس يتكلمون العربية إلى جوار الفرنسية"، يعدد ابن محافظة المنوفية مكاسب عدة اقتنصها من التحدي ومشاركاته "تعلمت احترام الآخر، وأن المنافسة شرفٌ، وأكدت لي أن القراءة حياة".

إعلان

"تحدي القراءة العربي" هو أكبر مشروع عربي أطلقه الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، رئيس مجلس الوزراء "حاكم دبي"، لتشجيع القراءة لدى الطلاب في العالم العربي، ويأخذ التحدي شكل منافسة للقراءة باللغة العربية يشارك فيها الطلاب عبر المراحل الخمس سالفة الذكر؛ وصولاً للتصفيات النهائية والتي تُعقد في دبي سنويا.. بدأ التحدي في 15 سبتمبر 2015، وتم إعلان جائزة الدورة الأولى في أكتوبر 2016، ويعقد حفل إعلان بطل التحدي في دورته الرابعة، في نوفمبر 2019، ويحصل الفائز باللقب على مستوى الوطن العربي على 500 ألف درهم إماراتي.

وتهدف المسابقة إلى: إحداث نهضة تعليمية ومعرفية في الوطن العربي عبر ترسيخ ثقافة القراءة لدى الأجيال الصاعدة، وزيادة الوعي بأهمية القراءة وتكريسها كعادة لدى شباب الوطن العربي وأبناء الجاليات العربية المقيمين خارج المنطقة ومتعلمي "لغة الضاد".

شلة كفر الشيخ.. القراءة تجمعنا

بدت ثلاثتهن كصديقات قدامى، مع أن لقاءهن قبل يوم من إعلان الفائزين في "تحدي القراءة العربي" على مستوى المحافظات كان للمرة الثانية، لكن القراءة كانت صديقتهن الرابعة، جمعتهن وأبقتهن على تواصل رغم اختلاف أعمارهن وسكنهن بمناطق مختلفة في محافظة كفر الشيخ.
أبدًا لم تكن القراءة هواية آلاء أشرف لكن منذ نوفمبر 2018 أصبحت "حياة فعليا". تبدل حالها من الشعور بالملل إلى إتمام أكثر من 50 كتابًا وتلخيصها خلال ثلاثة أشهر، ومن الانطوائية إلى الانطلاق في الحديث بالعربية الفصحى بطلاقة .
انجذبت طالبة الصف الأول الثانوي لفوز ابنة محافظتها كفر الشيخ مريم محمد يوسف عبد السلام بالمركز الثاني في التحدي على مستوى العالم العربي، العام الماضي، فكان السؤال المتبوع بالتنفيذ "ولم لا أقرأ؟".
كان فوز مريم في إدارة بيلا محركًا لكثير من طلاب كفر الشيخ على الاشتراك في" تحدي القراءة"، خاصة بعدما شهدوا الحفل المذاع مباشرة من داخل مدرستها وقت إعلان فوزها بينما هي في الإمارات أكتوبر 2018، ضرب صابر كمال الشهاوي، موجه عام المكتبات في المحافظة المثال بمدرستها رخا للغات "كانت نسبة المشاركة وقت التحاق مريم بالمسابقة بين 70-75% والسنة دي وصلت 100%".
تواصلت آلاء مع مريم عبر "فيسبوك"، وبدعم من الأخيرة، اشتركت الطالبة "نصحتني أن أخوض التجربة لأكتسب الخبرة فإن لم أوفق يكن لي نصيب العام المقبل". وفي هذا العام وصلت آلاء إلى تصفيات الجمهورية، وهي التي لم تتوقع الحصول على مركز على مستوى محافظتها.
أصبحت مريم ملهمة؛ بسببها أيضا اشتركت سمر أحمد سعد في التحدي، تلك المرة الثانية لها. تغيرت الأوقات لطالبة الصف الثاني الثانوي؛ صار للقراءة نصيب يومي "أصبحت بالنسبة لي كالماء لا أستطيع الاستغناء عنها" مبتسمة تصف ابنة إدارة البرلس التعليمية.
لمست سمر أثر القراءة، وعلمت أنه لا يزول، وبدا ذلك في اهتمام المعلمين "يقولون إنني تغيرت كثيرا من ناحية الإدراك والتحدث". أصبح لسمر أصدقاء يقتدون بها، حتى باتت أسعد لحظة تسر نفسها حين تأتيها زميلة لها وتقول "رأيتك تقرأين وأحببت القراءة بسببك"، حينها تشعر بالفخر.
"الممارسة هي النقطة الأهم التي أقولها دائما لكل المتسابقين الذين أقابلهم" دائما تنصح مريم زملاءها حينما يسألونها عن خبرتها، ولهذا قررت جمع خلاصة ما تعلمت في كتيب سمَته "نصائح على درب التحدي" ووضعته على الإنترنت كي تعم الفائدة، فحظي بالانتشار بين العديد من الطلاب خارج مصر، وهو ما أشعرها بالإنجاز ودفعها لقول: "لا يوجد أجمل من أن يجد المرء غرسه يثمر".

الرابحون في التحدي



التحدي يصل محطته الرابعة


278 إدارة تعليمية

15400 مدرسة

9.424.374 طالبًا وطالبة

المصدر: الإدارة العامة للمكتبات بوزارة التربية والتعليم

الشيماء.. درة تاج الأزهر الشريف

كانت الشيماء علي مجرد طفلة صغيرة في رياض الأطفال، غير أنها تتفوق على أقرانها -الملتحقين بالمدارس ممن يكبرونها سنا- في القراءة والكتابة؛ وجدت العائلة فيها نبوغا ملحوظا، بينما مرت الأيام تتبعها الأعوام وأصبحت الشيماء بطلة لتحدي القراءة العربي في جمهورية مصر العربية، ممثلة لمؤسسة الأزهر الشريف لعام 2019.
بين ذراعي والدها تربت الشيماء على حب القراءة، يُطلعها على كتب الهدي النبوي، ويدعو الله أن يقر عينيه بها. كبرت الطفلة على العيش في كنف المكتبة وأصبحت خبيرة في انتقاء العناوين التي تدعم مسيرتها "السنة دي قريت أكتر من 50 كتاب وعرفت إزاي أحقق أحلامي واصنع أهدافي زي ما شفت في واحد من الكتب القريبة لقلبي".
تعلمت الشيماء التي تدرس في الصف الثاني الإعدادي من مشوار التحدي أن تنسب الفضل لأصحابه؛ لذا تكرر غير مرة كيف ساعدتها مشرفة المكتبة داخل مدرستها النموذجية في حب الاطلاع "دخلتني أحضر ندوات ومناظرات.. وكانت سبب في توسيع مداركي ومرشدتي للقراءة في مجالات مختلفة، وعلى طول تقولي هتكوني بطلة التحدي".
شاركت ابنة محافظة الإسكندرية في التحدي ثلاث مرات؛ لم تفلح في اثنتين منها في الوصول إلى المراكز الأولى على محافظاتها، فيما كانت المحاولة الثالثة تحمل لها تقديرا كبيرا "رغم إني مكنتش الأولى على الإسكندرية.. بس ربنا كتب لي الخير وحصدت المركز الأول على الجمهورية".
قبل إعلان نتائج الحفل الختامي، لاختيار أفضل عشر طلاب على مستوى الجمهورية من مؤسسة الأزهر الشريف، كانت الشيماء تشعر بأن النصر سيكون حليفها، لذلك تُغذي لدى أشقائها الثلاثة الأصغر منها حب القراءة وتشير إلى أنهم سيشاركون في ماراثون التحدي خلال جولاته المقبلة.
شاركت الشيماء –ممثلة للأزهر الشريف- وزميلتها رنيم سمير –عن وزارة التربية والتعليم- جمهورية مصر العربية، ضمن 16 متسابقا وصلوا لنهائيات تحدي القراءة العربي في دبي هذا العام، لم يحالف الشيماء ورنيم الحظ في الترقي لآخر مراحل السباق، لكنها تعتبر أن الالتقاء بأصدقاء من أنحاء الوطن العربي يشاركونها نفس الحلم هو شعور رائع يستحق الاجتهاد ومواصلة السعي نحو الأفضل.
لا تقف أحلام الصغيرة عند سقف معين؛ تتمنى أن تصبح طبيبة للأطفال، وتشارك في إجراء دراسات وأبحاث تساهم ولو بقدر بسيط في وجود علاج لمرضى السرطان، تقول إن تحدي القراءة أخبرها بأنه "يبقى المستحيل مستحيلا حتى يُفعل".

الأزهريون في تحدي 2019


المعاهد الأزهرية : 7,483

عدد الطلاب المشاركين : 1,554,144

المصدر: اللجنة التنفيذية لمشروع التحدي بالأزهر الشريف

نائب الأمين العام لـ"تحدي القراءة العربي": المفكر الصغير مشروعنا القادم


قبل أربعة أعوام كان طموح القائمين على مسابقة تحدي القراءة العربي يتمثل في مشاركة مليون طالبٍ على مستوى العالم العربي، فيما يمر إعلان الفائزين في الموسم الرابع للتحدي، من مصر، بواقع مشاركة أكثر من 9 ملايين طالبٍ سجلوا لقراءة 50 كتابًا.

مصراوي حاور نائب الأمين العام لمسابقة تحدي القراءة العربي، أيمن الجراح -عقب إعلان الفائزين قبل شهور، والذي قال إن الطلاب المصريين المشاركين هذا العام قدموا نموذجًا مختلفًا عن الأعوام السابقة للتحدي، فضلا ًعن الأعداد المشاركة المتجاوزة للطموح.

كنا نطمح في الوصول إلى مليون مشاركٍ في كل العالم العربي يقرأون 50 مليون كتاب، لكننا وصلنا في 2019 إلى ملايين الطلاب في الوطن العربي ومصر فقط سجلت أكثر من 9 مليون طالب، وهو ما فاق كل التوقعات.
كان مجرد التفكير في هذا العدد لا أقول يصيب بالإحباط، لكنه حلم لم نتوقع أنه سيتحقق، لكن همة العاملين في الميدان التربوي المصري، بالإضافة إلى رؤية القيادة في وزارة التربية والتعليم ممثلة في الدكتور طارق شوقي، جعلتا هذا الحلم واقعًا على الرغم من أنه لو طرحناه على أي منظم لقال مستحيل أن يشارك هذا العدد وفقًا لمعايير موضوعية، لكن الميدان التربوي المصري نجح في تقديم كفاءة عالية.
الاختلاف ليس فقط في الكم لكن أيضا في النوع، والحقيقة أن القراءة التي وصل إليها وتمكن منها طلبة مصر، هي ليست قراءة هامشية من أجل الفوز بمسابقة، لكنها تمكنت من تعزيز مهارات الطالب في التفكير الناقد، والإبداعي، وفي حل المشكلات.
نستطيع القول إننا نقف اليوم أمام طلاب مصر الذين قرأوا كتباً، ثم أعملوها في الواقع، وطبقوها على حياتهم المعيشية، ما يعني أن الطالب صار يقرأ كتابًا عن أزمة المرور، ثم يطرح عليك حلولاً لعلاج المشكلة في القاهرة وهذا إبداع في حد ذاته.
هناك إضافات مطروحة الآن لكنها يجب أن تمر على المجلس التربوي العربي لتحدي القراءة، وهو يضم مسؤولين من الدول المشاركة في المشروع، لكن الغالب -الآن- أننا نريد أن نكمل حتى الخطة الخمسية الأولى المنطلقة منذ عام 2015 لتنتهي 2020، ومن بعدها نستطيع أن نطرح المقترحات الجديدة.
منها مثلا، إدراج الكتابة إلى جانب القراءة، فيكون هناك مشروع الكاتب أو المفكر الصغير.
إضافة إلى منجز قراءة الطالب. كنا نجد أن هناك خلافًا بين أولياء الأمور والأبناء. ينظرون إلى أنه عليهم التركيز في الكتب الدراسية ولا ينصرفون إلى المطالعات الخارجية؛ لأنها ستقلل من نسبة نجاحهم الدراسي، خاصة إذا كانوا في المرحلة الثانوية، لكن مع الوقت وجدنا أنهم تقبلوا الفكرة، والشيء الرائع الذي وصلنا إليه هو التوافق الكبير بين أولياء الأمور والوزارات والمسؤولين التربويين.
الطفرة المعرفية لا يمكن قياسها إلا بالاستناد إلى معايير وشروط واضحة، ولا يمكن الاعتماد على العواطف فقط؛ ولكن على جانب آخر وخلال الدورات الأربعة للتحدي هناك أرقام لافتة، فعلى مستوى العدد، مصر هي الأكثر مشاركة، وبخصوص النسبة من عدد الطلاب الإجمالي داخل الدولة تأتي فلسطين والأردن بنسبة 50% من عدد الطلاب يشاركون في التحدي.
هناك عدد كبير من الجنود المجهولين يقفون خلف المشروع، على رأسهم مؤسسة البحث العلمي التي يملكها الأمين العام، "نجلاء الشمسي"، هي التي كلفها الشيخ "محمد بن راشد" في الدورات السابقة، للإدارة والإشراف على المشروع؛ لأن لها تجربة امتدت لنحو 18 عامًا، كانت تحت مسمى "قطار المعرفة"، وإن كانت بحجم أقل.
أما التكلفة المالية فهي بإنفاق سخي كامل من الشيخ "محمد بن راشد". يزيد كل عام، فخلال السنة الماضية وصلنا لأكثر من 25 مليون درهم.

"زينب.. القراءة تنتصر على "فيسبوك

تفتحت عين زينب على الكتب منذ صغرها، ارتبطت بها "طول الوقت في البيت كنت بشوفها زي الحاجة الحلوة. كانت بتجيلي الكتب زي الشيكولاتة"، فما من شيء يمكنه فى التأثير على شغف ابنة أسوان بالقراءة، ولهذا تخلت زينب عن مواقع التواصل الاجتماعي حينما استشعرت أنها تسرق من وقتها المخصص للكتاب.
"القراية بالنسبة لي شغف زي اللعبة اللي على الموبايل. بالنسبة لي هي اللي بتسليني" تقول زينب محمد، صاحبة المركز الثامن في تحدي القراءة العربي على مستوى مصر لهذا العام، لا تنكر زينب أن محيطها الهادئ له دور في حبها للقراءة، لكنه ليس وحده ما يدفعها للمواصلة، حتى إنها لم تكن مقتنعة بالمشاركة في المسابقة، لولا أنها وجدتها فرصة للبقاء أكثر مع الكتب واكتساب خبرة جديدة في علاقتها بها.
يملك والد زينب، الطبيب الصيدلي، مكتبة كبيرة، وكلما حل معرض الكتاب في القاهرة، سافر وعاد إلى المنزل بزاد تنهل الفتاة منه شهريا "من وأنا في 2 ابتدائي كان يديني مجلة أو كتاب"، ألفت ابنة قرية الشيخ علي - مركز إدفو - القراءة، حتى أصبحت سيدة قرارها في امتلاك وشراء ما تهوى من الكتب.
تخلق الكتب لزينب عالمًا ورديا، تسرح مع أبطال الروايات، وترسم للشخصيات التاريخية والحقب صورة في خيالها، تنقلها على الورق بما تجيد من موهبة الرسم، ومع ذلك تواكب عصرها؛ في المرحلة الإعدادية أنشأت حسابها على "فيسبوك" لكن مع التحاقها بالصف الأول الثانوي أغلقته "لاحظت كل ما أدخل الوقت يمر بشكل كبير"، فضلت الفتاة الكتاب على التواصل الاجتماعي وأبقت فقط على الهاتف وتطبيق "الواتس آب".
لأجل القراءة تُخضع زينب واقعها؛ تذاكر بنظام "45 دقيقة" كما تقول، بعد تلك المدة تستريح ربع الساعة، وفيها تقرأ بين 5 و10 صفحات من كتاب، ثم تعود للمذاكرة ثانية. التكنولوجيا بالنسبة لطالبة الصف الثاني الثانوي وسيلة تعينها في الحصول على الكتب غير المتوفرة في قريتها النائية وليس مكانًا للحصول على المعلومة "الإنترنت مش بس نسى الناس الكتب لكن كمان خلى دماغها فارغة"، تعتبر زينب أن ما يأتي سريعًا يمضي كذلك، لهذا تجد في الكتاب دورًا مضمونًا للإبقاء على المعلومات.

التحدي بقدرات خاصة


صفاء.. صوت أطفال العالم

من أعلى كرسي متحرك مزين بعلم مصر، كانت "صفاء طه" توزع الابتسامات بوجه بشوش وهي تتقلد ميدالية "تحدي القراءة العربي"، في وسط الجموع بدت كأيقونة للتحدي، ذات وجه مألوف ودليلاً على نجاح التجربة، تنجذب الأنظار نحوها، وهي التي شاركت في المسابقة منذ انطلاقها حتى دورتها الرابعة، في عامها الأول تمكنت من الحصول على المركز الأول لمحافظة الجيزة، وكذلك خلال فعاليات عام 2019، فيما يبقى حلمها بالتتويج بـ"لقب التحدي" على مستوى الوطن العربي، بعدما وصلت للمركز الرابع في التصفيات النهائية داخل مصر، خلال العام الماضي.
"تجعلنا نعيش أكثر من حياة، وتذهب بنا في عوالم أخرى؛ فمرة نصعد إلى الفضاء، وتارة أخرى نعيش في عالم خيالي لا وجود له" بلغة عربية فصحى تشرح صفاء علاقتها بالقراءة في كلمات وجيزة، الطفلة المصابة بـ"ضمور في العضلات"، لم يعق مسيرتها شيء؛ لذا فهي أفضل من يتعامل مع الحاسب الآلي في محيط عائلتها، وتتقن أكثر من لغة للبرمجة، وتؤدي امتحاناتها عن طريق الكمبيوتر منذ الصف الثالث الابتدائي، بـ"استخدام ذقنها".
"أنا طه أبو صفاء" هكذا يعرف والد الطالبة بالصف الثاني الإعدادي نفسه بكل زهو، وهو يشير إلى شهادة التقدير التي تحملها ابنته لتفوقها في المسابقة، الرجل الذي يعمل طبيبًا، يقول: "إن القراءة في بيته طقس ثابت"، تقاطعه ابنته التي تلتفح بـ"وشاح التحدي"، وهي تعلن عن منجزها بإنتاج كتاب تحت عنوان "قصتي"؛ أنتجه "المركز القومي لثقافة الطفل"، وكذا مشاركاتها بـ"عمل الدوبلاج" لأكثر من فيلم للرسوم المتحركة، وتتمنى "صفاء" الالتحاق بـ"كلية الإعلام" كي تكون صوتا لأطفال العالم.
تحكي الطالبة في الصف الثاني الإعدادي أنها ولدت في منزلٍ يغرس قيم المعرفة، لذا تعدد الصغيرة مشاركاتها الدائمة في مسابقات القراءة منذ المرحلة الابتدائية، مثل "فرسان القراءة"، و"نجوم المكتبة"، تضحك صفاء وهي تقول "حصلت على جوائز زهيدة بدءًا من 10 جنيهات حتى 140 جنيهًا.. وجوائز التحدي حافز للاستزادة" ولكنها توقن أن الثروة الحقيقية هي تنمية الذات عن طريق جمع المعارف.

محمد.. الآن أصبح عقلي مستنيرًا

في الركن المخصص لطلاب محافظة الإسكندرية كان محمد السيد ينتظر بفارغ الصبر بدء الحفل الختامي لـ"تحدي القراءة العربي"، جلس الطالب الكفيف بجوار أستاذه الذي راح يشرح له أجواء الاحتفالية والأفواج القادمة من شتى مناحي الجمهورية، فيما ترتسم أمارات البهجة على وجه الصغير.
لم تكن مشاركة محمد في التحدي محض صدفة، فبعدما ختم الصغير "حفظ القرآن الكريم" على يد شيخه "فرج عبد الحميد"، راح يسأله عنه أمنية يريد تحقيقها، فأجابه بحلمه أن يراه معيدًا بكلية "علوم القرآن"، وهو المكان الذي تمناه "عبد الحميد" ولم تيسره له الأيام؛ لذا قطع محمد على نفسه عهدًا بأن يسلك كل طريق يعزز من تحقيق حلم شيخه "هو صاحب الفضل عليَّ.. وهو اللي شجعني أشارك في التحدي ونفسي أكمل اللي قطعه شيخي".
كل مشارك في التحدي يجب أن يتم قراءة 50 كتابًا في كافة المجالات، غير أن الحد المفروض على المكفوف في القراءة 25 كتابًا فقط، فيما يعدد محمد ما قرأه بـ"لكنة سكندرية" وهو يقول "ياما".
يقرأ محمد الطالب بمدرسة "النور للبنين" بالإسكندرية، بطريقة "برايل"، وكذلك ساهمت الكتب الصوتية في زيادة معارفه، بدأ حب الصغير للقراءة منذ سن الثامنة، ويحب الاطلاع على كافة المجالات "علوم، لغة، اجتماعيات"، فيما تكمن الكتب الدينية والفقهية في الجانب الأقرب لقلبه "أكثر كتاب أحببته هذا العام كان "الرحيق المختوم"، وشاركت به في المسابقة".
شارك محمد في التحدي مرتين؛ الأولى كانت في العام الماضي وحصد المركز الثاني على مستوى محافظته، وفي هذا العام حقق المركز الثالث، فيما يعتبر أن الأهم من المراكز هو التحصيل والمداومة على القراءة والشغف بها.
"فاكهة العقول وغذاؤها"، هو المصطلح الذي صكه محمد في تعريفه للقراءة، لذلك يعتبر المسابقة دافعا قويًا لاستمراره في حب القراءة "قبل المشاركة في التحدي كانت قراءاتي خاصة بما أحب وفقط، أما الآن أصبحت متوسعًا ومستزيدًا بعلوم كثيرةٍ.. الآن أستطيع التعريف بما استفدته وما يمكنني تطبيقه، ولدي القدرة على النقاش في كل شيء بـ"فضل القراءة" التي أنارت عقلي".


"الكتاب بدل اللعبة".. حكاية وزير التعليم مع القراءة

بينما تتوجه أنظار متحدي القراءة نحو المسرح، أخذ طارق شوقي وزير التربية والتعليم يقص على أسماعهم قصته مع القراءة. "جدي كان بيديني كتاب هدية بدل اللعبة" مع كلمات الوزير زادت لهفة الصغار للإنصات. لم يكن شوقي قد أتم عامه الثامن بعد حينما اعتاد القراءة، ملتمسا بوالده وجده قدوة في حبهم للقراءة حتى إنه قرأ في سنه الصغيرة للكاتب العربي بديع الزمان الهمذاني.

وزادت بهجة الصغار مع توجيه شوقي كلماته إليهم قائلا: "شرفتوا مصر وشرفتوا وزارة التربية والتعليم. أنتم تستحقون مجهودنا جميعًا"، مشيرًا إلى استعداد الوزارة لتزويد بنك المعرفة المصري بالكتب من أجل تسهيل مشاركة أكبر عدد من الطلاب في تحدي القراءة العربي خلال السنوات المقبلة.

سارة.. على درب أفضل معلمة

كان "تحدي القراءة العربي" لسارة عبد المطلب ضربًا من الخيال؛ حينما عرفته قبل ثلاثة أعوام، وهي طالبة في الصف الثالث الثانوي ظنته مثل المسابقات التليفزيونية "حاجة كده زي من سيربح المليون"، لكن حبها للقراءة دفعها لخوض التجربة، وحتى حصولها على المركز الأول جمهوريا ووصولها ضمن التصفيات في دبي لم تكن تصدق ما يجري، غير أن هناك وجدت الطريق؛ التقت حينها بصاحبة لقب "أفضل معلمة" في العالم العربي، الفلسطينية حنين زعرب "من ساعتها وقلت إن شاء الله أنا "أفضل معلمة" اللي جاية".
التحقت سارة بكلية التربية في مدينتها المنوفية، تخصصت لتكون في مرحلة رياض الأطفال، ولا تزال تعكف على القراءة والمشاركة في "تحدي القراءة"، خاصة بعدما أتاحت المسابقة مشاركة طلاب الجامعة. الكتب بالنسبة لسارة "علم أكتر منه حب"، تلك اللحظة التي تعرف فيها سارة معلومة جديدة لا يضاهيها شيء، من أجلها يمكنها فقدان الصحبة "بالنسبة لأصدقائي لما أقرأ كتاب لمدة شهر ده مملل أوي"، لا تحزن الطالبة الجامعية على ذلك، تقول "بخسر الصحاب وأكسب قدامهم كتاب"، فيما يشد من أزرها الحلم بأن تصبح يومًا ما "أفضل معلمة" في العالم العربي.

خريطة التحدي في محافظات مصر

حصدت القاهرة النصيب الأكبر في التحدي بين محافظات الجمهورية، إذ سجل أكثر من مليون طالب وطالبة للمشاركة وقراءة 50 كتابًا، فيما جاءت أقل مشاركة في محافظة جنوب سيناء بواقع 17 ألف و420 طالب وطالبة

حفل تحدي القراءة.. يا ليلة العيد


برداء أبيض، كأنما تذهب إلى عُرس، قدمت "علياء" ذات الأعوام الثمانية من المنيا، بينما تحلم بأن تكون بين العشرة الفائزين على مستوى الجمهورية "أصل الأستاذ أحمد منصور مدير المدرسة قال لي شرفينا".


A Taste of the Kitchen

يبدأ الحفل قبل يوم من إعلان أسماء الفائزين، ويحضر الطلاب من أرجاء الجمهورية كافة؛ للمبيت بفندق المدينة التعليمية في 6 أكتوبر، ويكون استعدادهم للحفل كليلة العيد.

Rustic Reds

في صباح يوم الحفل، يشبه مسرح التحدي خريطة مصر، مقسمة كراسيه إلى 27 ركنا على كل منها اسم المحافظة، لتنظيم الطلاب كل في مكانه.

Delicious Desserts

لم يقتصر الاحتفال عند حدود الطلاب فحسب، فالأهالي انضموا بدورهم للأمر، رافعين علم مصر برفقة علم تحدي القراءة العربي.

Delicious Desserts

يضم الصف الأول الشخصيات الـ"vip"، من وزراء وشخصيات عامة ومسؤولين عن المسابقة، فيما خصصت مقاعد لأوائل التحدي في السنوات السابقة.

Delicious Desserts

من شرفة الدور الثاني للمسرح المكتظ عن آخره، كانت الأمهات يتأهبن؛ لتوثيق كل لحظة خلال الحفل بهواتفهن المحمولة.

Delicious Desserts

حضور ذوي الاحتياجات الخاصة كان لافتا، وفي ممرات المسرح كانت كراسيهم المتحركة تزين المكان بوجوه تكسوها النشوة.

Delicious Desserts

كل مشارك في المسابقة له منجزه الخاص؛ ومن بينهم مهاب أيمن، ابن محافظة دمياط الذي يصطحب معه دفترًا خاصًا بمشاركاته في التحدي والتي تستمر للمرة الرابعة على التوالي: "ميهمنيش المكسب والخسارة المهم الـ50 كتاب اللي بيتضافوا لحصيلتي".

Delicious Desserts

الحضور الحافل للطلاب وحملهم شهادات التقدير للمشاركة في التحدي كان كفيلا بأن تقر أعين الأمهات، ولسان حالهن كل منهن "هفضل أشجع ولادي على القراءة".

Delicious Desserts

قبل لحظات من إعلان الفائزين، كل طالب يمني نفسه بنداء اسمه للصعود على منصة التتويج، ويتم توزيع مبلغ 30 ألف درهم إماراتي مقسمة على أوائل الجمهورية العشرة حسب المركز.

Delicious Desserts

قبل إعلان أسماء الطلاب، كان النداء على "دينامو التحدي" وهو لقب الدكتورة سمية صديق، مدير الإدارة العامة للمكتبات بوزارة التربية والتعليم، والمسؤول عن تنظيم المسابقة بين المدارس المصرية.

Delicious Desserts

الفرحة بإعلان الفائز تتجاوز منصة التتويج، وتمتد إلى الحضور من الأصدقاء والمدرسين، حتى الذين لم يحالفهم الحظ ضمن المكرمين.

Delicious Desserts

لحظة قطع الأنفاس؛ قبل إعلان الفائز بين المركزين الأول والثاني، صمت يتبعه صراخ، وتصفيق حاد، وفرحة هيستيرية ودموع أيضا.

Delicious Desserts

ينتهي اليوم بصورة تذكارية للعشرة الأوائل، في النسخة الرابعة للمسابقة، وسط وزير التربية والتعليم، والأمين العام لتحدي القراءة العربي، وآلاف الطلاب يتمنون الصعود للمنصة في المرات المقبلة.



مع القراءة.. ذلك أفضل جدًا


مع نهاية دورة التحدي، يعود الطلاب لحياتهم اليومية دون مسابقة ولا "جواز سفر"، لكنهم يرجعون بشخصيات جديدة، بعد عكوفهم على قراءة 50 كتابًا أو وما يزيد.. وهذا صوت جاء بالقرب من دلتا نيل مصر الخالد، بالتحديد من آلاء الطنطاوي إحدى طالبات كفر الشيخ؛ شاركت لأول مرة في التحدي بدورته الرابعة، فيما قررت أن تبعث برسالة لرفاقها في ربوع المحروسة والوطن العربي لعلهم يذوقون –مثلها- شيئا مما نالت من معرفة وسلام، وحُلمٍ بعالمٍ أفضل.


ملف: أحمد الليثي - ياسمين محمد - إشراق أحمد

فوتوغرافيا: أحمد طرانة

إنفوجرافيك: مايكل عادل

تنفيذ: محمد عزت

إشراف عام: علاء الغطريفي