تحقيق«يرصد ويوثق» .. كيف يصنع «داعش سيناء المفخخات» من مخلفات الحروب؟
تبدو من بعيد عبارة عن كومة صلبة من الرمال، لكن ما إن تدنو عيناك منها، تجدها سيارة دفع رُباعي، هيكلها الخارجي مُبلل بالرمال، ليتماهى لونها مع لون الصحراء، وذلك هربًا من استهداف الطائرات الحربية، يقودها انتحاري يدعى «أبو قدامة السيناوي» كما يعرفه بيان تنظيم «داعش». يشق الانتحاري العشريني طريقه ظهر الثلاثاء الأخير من شهر إبريل الماضي عبر منحنيات ومرتفعات، ترسم الطبيعة الجغرافية لقرى جنوب مدينة رفح بشمال سيناء، مقتحماً تجمعاً لعدد من أبناء قبيلة الترابين على المدخل الشمالي لقرية البرث، ليسقط 7 قتلى و 4 مصابين، يتهمهم التنظيم الإرهابي في بياناته بالمرتدين والعملاء لأجهزة الأمن.
قبل 13 عامًا نفذ تنظيم «داعش» في نسخته الأولى والمعروف آنذاك بـ«التوحيد والجهاد» سلسلة تفجيرات، داخل منتجعات جنوب سيناء، استخدم فيها السيارات المفخخة لأول مرة في مصر، عرفت هذه العمليات الإرهابية إعلاميا بـ«تفجيرات طابا». وبعد مرور 7 سنوات، تمكنت بقايا التنظيم من إعادة بنائه، تحت راية تنظيم جديد «أنصار بيت المقدس» الذي أصبح يحمل اسم «ولاية سيناء» بعد مبايعته لأبو بكر البغدادي، أمير ما يعرف بـ«الدولة الإسلامية»عام 2014، واستطاعت عناصره تنفيذ مئات التفجيرات باستخدام السيارات المفخخة والعبوات الناسفة الأكثر تطورا، التي كشفت عن امتلاكه ترسانة من المتفجرات.
حجم هذه الترسانة التي تعتبر الأكثر تدميرا والأصعب في المواجهات الأمنية، وفقا لخبراء المفرقعات، غير معروف، ولا توجد إحصائيات أو تقديرات عنها، لكن تصريحات الرئيس عبدالفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، في يناير الماضي، تعطي مؤشرات أولية عن حجمها «ضبطنا 1000 طن متفجرات وهذا رقم قليل بالنسبة للموجود. واللي تم تدميره في سيناء يتجاوز 10 أضعاف هذا الرقم». وتتضح الصورة أكثر، بما انتهت إليه دراسة مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، التي قدرت العمليات الإرهابية في مصر، على مدار الأعوام الثلاثة الماضية بـ 1165 عملية إرهابية، كان للتنظيم ذي النشأة السيناوية نصيب الأسد منها، ووفقا للدراسة الصادرة في يناير الماضي، استطاع التنظيم تنفيذ 50% من العمليات الإرهابية بالمفخخات خلال عام 2016، هذا بخلاف ما لا يزال في جعبة التنظيم ولم يعلن عنه.
امتلاك تنظيم ما يعرف بـ«ولاية سيناء» هذه الترسانة من المتفجرات واحتراف عناصره صناعتها ومضاعفة آثارها التدميرية وتنوع استخداماتها في صناعة العبوات الناسفة والسيارات المفخخة والأحزمة الانتحارية، يزيد من قدرة التنظيم القتالية وصعوبة محاربته والقضاء عليه، وتؤدي إلى سقوط مزيد من الضحايا والأبرياء في الحرب التي تدور رحاها بين التنظيم الإرهابي والأجهزة الأمنية منذ إعلان الجيش المصري «العملية نسر» في أغسطس 2011.
من أين جاءت هذه المتفجرات؟ ومن يتحمل مسؤولية وصولها إلى أيدي من لايعرف غير القتل؟ وكيف وصلت إلى مخابئهم، وتحركوا بها من ورش التصنيع وأوكار التخزين إلى الأماكن المستهدفة في سيناء وخارجها، وصولًا إلى بعض المقرات الأمنية والاستخبارتية؟! هذا ما يكشف عنه هذا التحقيق، ويوثقه داخل حقول الألغام وبين دروب وممرات التهريب، وصولًا إلى سراديب التخزين وتصنيع المفخخات في الصحراء.
يصنع التنظيم المتفجرات من مادتي TNT»،C4» ويخلطون عليها مواد أخرى، محلية الصنع، يسهل الحصول عليها من منافذها الرسمية، مثل الكمياويات بأنواعها المختلفة والمسامير والأسلاك والدوائر الكهربائية .. المادة الأولى «TNT» تتواجد في مصر، بينما الثانية «C4» لايوجد لها أي مصدر معلن داخل الأراضي المصرية، هذا ما كشفت عنه أوراق تحقيقات النيابة في قضية «أنصار بيت المقدس» التي تحمل رقم 423 لسنة 2013 ويحاكم فيها 213 متهما في 54 عملية إرهابية، نفذها التنظيم على مدار عامين، وأكدته بعض البيانات الرسمية الصادرة عن الأجهزة الأمنية فيما يتعلق بالعمليات الإرهابية.
مصدران أساسيان لحصول تنظيم «داعش» على المكون الرئيسي لتصنيع المواد المتفجرة TNT»، C4» هما :
1 - التهريب من الخارج عبر المناطق والمنافذ الحدودية.
2 - تجميع وسرقة وتهريب مادة الـ«TNT» من داخل مصر ونقلها إلى أوكارهم بسيناء. وهذا هو ما استقصينا عنه ووثقه هذا التحقيق.
تعود البداية إلى نهايات عام 2004، عندما كلف الدكتور خالد مساعد، مؤسس تنظيم «التوحيد والجهاد» بعض أتباعه، بنزع المادة المتفجرة من مخلفات الحروب بصحراء «نخل» بوسط سيناء، لاستهداف بعض المصالح الاسرائيلية، وفقا لأوراق قضية «تفجيرات طابا» رقم 40 لسنة 2005، التي كشفت أن عناصر التنظيم قاموا بنزع الألغام، وتفكيكها وتصنيع المفخخات من مادة «TNT» الموجود بداخلها، ونقلها عبر دروب صحراوية من وسط سيناء إلى جنوبها، حيث المنتجعات السياحية التي يتردد عليها الإسرائيليون.
بعد تفجيرات طابا وتحديدا عام 2005، صدر قرار من وزارة الدفاع بمنع اسناد عمليات تطهير حقول الألغام لشركات خاصة وقصر عملية التطهير وإزالة الألغام على القوات المسلحة. أحمد عامر، المتخصص في مجال التوعية بمخاطر الألغام، أحد العاملين السابقين بإحدى الشركات الخاصة التي توقف عملها بعد العمليات الإرهابية، يؤكد أن القرار كان بهدف إحكام سيطرة الدولة على مخلفات الحروب ومنع وصولها إلى العناصر الإرهابية مجددا.
وبعد مرور 5 سنوات على هذا القرار، اندلعت ثورة 25 يناير 2011، وعانت مصر بصفة عامة، وشمال سيناء بصفة خاصة من فراغ أمني، بسبب انسحاب قوات الأمن. كان هذا الفراغ الأمني قبلة الحياة للتنظيم الذي عاد مجددا إلى الحياة العامة، واستطاع تنفيذ مئات العمليات الإرهابية بالمفخخات على مدار السنوات الستة الماضية.
حقول الألغام المتناثرة وسط صحراء مصر«الغربية والشرقية» يعيش حولها الآلاف من أبناء القبائل البدوية، خاصة وسط صحراء محافظة مطروح، وفي شبه جزيرة سيناء، داخل تجمعات سكنية بدائية، أغلبها بنايات محدودة ومتفرقة، لايتجاوز ارتفاعها طابقًا واحدًا، والقليل منها «عشش» شيدت من سعف النخيل، ويعتمد أهلها على رعي الأغنام والإبل وبعضهم يمتهن زراعة الأراضي الصحراوية التي تروى بمياه الآبار والأمطار إن وجدت.
عبد الكريم ضيف، رئيس مجلس العمد والمشايخ بمحافظة مطروح، يؤكد أن معاناة أهالي مطروح من مخلفات الحروب مشكلة مزمنة، وقد عانى منها الأجداد والآباء ولا يزال يعاني منها الأبناء والأحفاد، فالألغام أصابت وأودت بحياة الكثير، موضحا أن سكان التجمعات البدوية لا يوجد لديهم القدر الكافي من التوعية، ويجب على الدولة ان تبذل قصارى جهدها في تطهير الألغام، خصوصا في صحراء العلمين.
صعوبة الحياة في المناطق الصحراوية التي تفتقد الكثير من المقومات الأساسية للحياة، مثل تواجد مياه صالحة للشرب أو الاستخدام، عبر عنها عبد الفتاح هاشم، المقيم بأحد التجمعات البدوية التي تبعد عن مدينة السلوم الحدودية بـ 40 كليومترًا، بقوله «احنا هنا معزولين عن الدنيا في كل حاجة» وتسببت هذه العزلة في محاولة بعض أبناء القبائل توفير نفقات تمكنهم من الحصول على احتياجاتهم الأساسية حتى لو كان ذلك على حساب حياتهم، مثل المشاركة في أعمال التهريب بأنواعها المختلفة، ومنها الاتجار في مخلفات الحروب.
من هنا بدأ البدو في التعامل مع مخلفات الحروب، كمصدر للكسب يمكن الاستفادة منه مادياً، حيث يتم تجميع هذه المخلفات للحصول على النحاس والحديد الموجود بها، لبيعه لتجار الخردة بمقابل مالي، كما يروي سعيد أبو نصر، أحد أبناء البادية المقيم بمدينة العلمين، وهي أكثر المناطق تضررًا من مخلفات الحروب بالصحراء الغربية، موضحا أنهم كانوا يتخلصون من البارود بدفنه وسط الصحراء في التسعينيات من القرن الماضي، ولكن البعض اهتدى إلى محاولة توظيفه فيما يسميه التغلب على صعوبة العيش في الصحراء، مثل حفر آبار المياه وعمليات صيد الأسماك..، وخطورة هذه الأعمال يتحدث عنها الباحث ذو الأصول البدوية أحمد عامر، المتخصص في مجال التوعية بمخاطر الألغام، بقوله: أحيانا ما كانت تنفجر هذه العبوات في أيادي من يستخدمها أثناء محاولة تجهيزها مسببة لهم عاهة مستديمة، وهؤلاء نطلق عليهم «المتهورين».
عبدالفتاح هاشم، المقيم بالظهير الصحراوي لمدينة السلوم الحدودية، يحكي عن زوج شقيقته الذي انفجر فيه لغم دبابة أثناء محاولة تفكيكه، موضحا أنه كان يعمل في تجارة الخردة، حيث يقوم بجمع مخلفات الحروب مع أحد أبناء المنطقة، بهدف الاستفادة من الحديد الموجود فيها وبيعه، وفي إحدى المرات أثناء تفكيكه لغم دبابة انفجر فيه «جمعنا اللي اتبقى من جسمه لدفنه، كان كوم لحم».
انتشار استخدام المادة المتفجرة واستخدامها في المجتمع البدوي، لفت انتباه من يعملون في مجال التهريب والتنقيب عن الآثار، بحسب أحمد عامر، المتخصص في مجال التوعية بمخاطر الألغام، وبدأ المنقبون عن الآثار يستخدمونها في عمليات الحفر في صحراء سيوة، وكذلك بيعها للمهربين الذين ينقلونها إلى التنظيمات الإرهابية، حتى تحولت إلى ظاهرة على حسب وصفه، تفاقمت في الآونة الأخيرة.
التقينا بأحد العاملين في تجارة مخلفات الحروب، ليكشف لنا الكيفية التي تتم بها عملية البيع، فحصر زبائنه في نوعين: الأول أشخاص يعرفهم يقيمون في محيطه السكني، بينما النوع الثاني: يأتون إليه برفقة أحد معارفه أو من طرف أشخاص يعرفهم. ويأتي من يعملون في التهريب بأنواعه على قائمة زبائنه «أي كمية موجودة بيخدوها».
الخلفية التي جاء منها بعض عناصر تنظيم «داعش» في سيناء، حيث امتهن العشرات منهم أعمال التهريب والإتجار في الممنوعات قبل عام 2010، مثل تهريب الأفارقة إلى إسرائيل وتجارة المخدرات وتهريب السلاح عبر صحراء سيناء، قبل اعتناقهم الأفكار التكفيرية وتجنيدهم ضمن صفوف التنظيم- تلك الخلفية مكنتهم من التواصل مع شبكات التهريب الممتدة داخل الأرضي المصرية من حدودها الجنوبية والغربية مرورا بمحافظات الدلتا والقناة ووصولا إلى الحدود الشرقية التي يتخذها التنظيم مستقرا له.
وجود بعض من سبق لهم العمل في التهريب بين صفوف التنظيم وخبرتهم في دورب وممرات التهريب وكذلك علاقاتهم مع مافيا التهريب سواء على الحدود الشرقية او الغربية للبلاد أسهم إلى حد كبير، كما يرى اللواء فؤاد علام، رئيس المجلس القومي لمكافحة الإرهاب، حيث يستخدمون تلك الدروب في نقل وتهريب المواد المتفجرة من صحراء مطروح و سيناء ومدن القناة عبر الدروب الصحراوية إلى أوكارهم.
بحكم وجودهم في الصحراء والعيش في وديانها والتحرك بين دوربها، يعرف البدو من أبناء المناطق الصحراوية الأماكن التي يوجد بها مخلفات الحروب جيدا، كما يقول أحمد عامر، المتخصص في مجال التوعية بمخاطر الألغام، مدللا على ما يقول بأن بعض حقول الألغام يتم اكتشافها عن طريق البدو، لكن المشكلة تكمن في خوف الأهالي من إخطار الأجهزة الأمنية، حتى لا يتعرضون للمساءلة القانونية وهو ما نحاول التعامل معه بالتوعية، حتى لا يكون صمت الأهالي سببًا في وصول مخلفات الحروب القديمة إلى العناصر الإرهابية.
وفقا لأعراف القبائل البدوية التي تحدد الأراضي التابعة لكل قبيلة، يصعب دخول مناطق مخلفات الحروب أو التجول حولها، بدون مرافقة أحد من أبناء هذه المناطق أو المقيمين فيها. وهو ما حاولنا التغلب عليه سواء في صحراء «مطروح أو سيناء».
الأولى رافقنا فيها «سالم» راعي الأغنام، الذي يرعى أغنامه في منطقة صحراوية تبعد عن مدينة مطروح مسافة 20 كليومترًا، وهى منطقة صحراوية تظهر بها الحشائش مع هطول الأمطار، تجذب رعاة الأغنام إليها، ووفقا لرواية مرافقنا، قامت الدولة بتطهيرها من الأجسام القابلة للانفجار عام 2007، لكن بين الحين والآخر يعثر الأهالي فيها على أجسام قابلة للانفجار من مخلفات الحروب. يرجع سبب وجودها إلى تحرك مخلفات الحروب مع هطول الأمطار والعوامل الجوية المتغيرة، بحسب المهندس حسين السنيني، مدير عام بمديرية الزراعة بمطروح، الجهة المشرفة على استصلاح الأراضي بعد تطهيرها من الألغام، ويقتصر تعامل الأهالي مع هذه المخلفات على وضع حجر كبير بجوارها حتى يتجنبها المارة.
بينما في الثانية وتحديداً خلف الظهير الصحراوي لقرية «الجفجافة» التابعة لمركز الحسنة بوسط سيناء، وكذلك المنطقة الصحراوية التي يشطرها طريق «عساف» الشهير بـ«الدبابة» والممتد من القنطرة شرق إلى العريش، رصدنا ووثقنا تواجد ألغام الدبابات التي تم استخراجها من الرمال وتفكيكها ونزع المادة المتفجرة منها وترك الهيكل الخارجي للألغام فوق الرمال، وهو ما علق عليه أحد العاملين بالمزارع الموجودة على طريق«عساف» بأن وجود هذه الأجسام القابلة للانفجار أمر طبيعي بالنسبة لهم «مرمية في كل حتة» وفي حالة العثور عليها داخل المزارع التي يعملون بها، يتم تجميعها ونقلها خارج حدود المزرعة.
مضاهاة ألغام الدبابات منزوعة المادة المتفجرة التي رصدناها في صحراء سيناء، بمناطق «الجفجافة وعساف والمزارع الموجودة على شاطئ المجرى الملاحي»، بالضبطيات التي عثرت عليها الأجهزة الأمنية داخل أوكار الإرهابيين في يناير 2016، بمعرفة أحمد عامر المتخصص في مجال التوعية بمخاطر الألغام، كشفت تطابق الاثنين معا، مرجعًا مصدرها إلى مخلفات الحروب التي دارت رحاها على أرض شبه جزيرة سيناء.
التطابق السابق تكرر مع «الدانة» التي عثرنا عليها وسط زراعات أشجار المانجو القابعة شرق المجرى الملاحي لقناة السويس، وبين الأخرى التي أعلن بيان المتحدث العسكري العثور عليها داخل أوكار التنظيم في يوليو الماضي، بصحراء مدينة الشيخ زويد الحدودية بسيناء.
يقدر أحد العاملين في تجارة مخلفات الحروب غير القانونية، كمية المادة المتفجرة الموجودة في لغم الدبابة، بأنها تتراوح ما بين 3.50 إلى 4 كيلوجرامات، بينما «الدانة» تتراوح المادة «TNT» الموجودة داخلها من نصف كيلو إلى كيلوجرام، حسب حجمها ويصل سعر الكيلو إلى 1000 جنيه بعد تضاعف سعره خلال السنوات الأخيرة.
يعتمد تنظيم «داعش» بأرض الفيروز بصورة أساسية على تصنيع المفخخات محليا، وهو ما انتهت إليه تحقيقات نيابة أمن الدولة في القضية المعروفة إعلاميا بـ«تنظيم أنصار بيت المقدس». اللواء محمد جمال، مدير إدارة المفرقعات بوزارة الداخلية حتى عام 2015، وهي الفترة التي شهدت أكبر عدد من العمليات الإرهابية باستخدام العبوات الناسفة، يوضح في مقابلة تليفزيونية أن تنظيم «داعش» يحصل على المادة المتفجرة «TNT» من مخلفات الحروب، تقوم عناصره بخلطها بمواد إضافية، مما يزيد الأثر التدميري لها. موضحا أنهم يعملون بمبدأ «جرب واغلط»، وبالتالي هم أفضل من المراجع والكتب، مرجعا ذلك إلى التجارب العملية التي يجرونها أثناء عملية التصنيع المحلي «وأحد العمال يجرب طوال النهار ويأخذ نتائج، فهو بيعمل لنفسه"Research" باستمرار، ممكن يكون أخد الماجستير والدكتوراه من التجارب التي يجريها في الجبل».
محمد أبوشاويش، المكنى بـ«أبومالك» أحد مؤسسي وحدة النخبة بكتائب القسام، الجناح العكسري لحركة حماس بقطاع غزة، لعب دورًا كبيرًا في تأهيل عناصر داعش في سيناء بعد انشقاقه عن الحركة الفلسطينية، كما ذكرت دراسة نشرها مركز رفيق الحريري لدراسات الشرق الأوسط في سبتمبر الماضي، بينما أوضح مصدر أمني بقطاع غزة، أن دعم القيادي«أبو مالك» لـ داعش بسيناء بدأ في عام 2014 وكان أحد أسباب انشقاقه عن حماس وكتائبها العسكرية وانتقاله إلى سيناء عبر الأنفاق في بدايات 2016.
الدكتور ناجح ابراهيم، الجهادي السابق والمتخصص في شؤون الحركات الإسلامية الراديكالية، يوضح أن انضمام القيادات الفلسطينية أصحاب الخبرة العسكرية، ساهم بشكل كبير في تطوير قدرات التنظيم القتالية والهجومية ونقل خبرات صناعة العبوات الناسفة واستخدامها بطرق احترافية وغير تقليدية.
عبد المنعم المنيعي، المنسق العام لقبيلة السواركة بشمال سيناء، يرجع بداية استخدام «التكفيريين» لمخلفات الحروب إلى عام 2005، حيث كانوا يقومون بتفكيكها ونزع المادة المتفجرة منها وصبها كمادة في أنابيب ونقلها إلى قطاع غزة، لكي يتم إعادة تصنيعها من جديد وكان بعضها يعود إلى مصر في شكل عبوات ناسفة مجهزة للانفجار، وبهذه الطريقة صنعت العبوات الناسفة في تفجيرات«طابا» الأولى، وبعد عام 2010 استطاع بعض عناصر التنظيم احتراف تصنيع البراميل المتفجرة والعبوات الناسفة بعد الخبرة التي اكتسبوها من الفلسطينيين الذين انضموا إليهم، وأصبحت المتفجرات تصنع في سيناء ويتم تعبئتها في عبوات ناسفة بأحجام مختلفة، تبدأ بـ 5 كيلوجرامات وتصل إلى 200 كيلوجرام، حسب احتياجاتهم ويتنوع استخدام التنظيم للمتفجرات ما بين صناعة العبوات الناسفة وتفخيخ السيارات وصنع الأحزمة الانتحارية.
الشيخ موسى الدلح، أحد عواقل قبيلة الترابين، يوضح أن عناصر داعش لم تكتفِ بنزع مخلفات الحروب الموجودة في سيناء، وإنما بدأت تحصل على مخلفات «الحرب العالمية الثانية» الموجودة في صحراء العلمين، حيث يتم تهريبها عبر الممرات الجبلية، واستطعنا بالتنسيق مع القوات المسلحة مداهمة بعض أوكارهم والعثور على كميات من مخلفات الحروب.
«قبل ظهور الجماعات المسلحة في مصر كان البارود يهرب إلى الصحراء المغربية عن طريق المهربين» هكذا تحدث شاب ثلاثيني من أبناء مدينة سيدي براني الحدودية بالصحراء الغربية موضحا أن المهربين كانوا يحصلون على المادة الجيلاتينية من الدانات والألغام لمقايضتها مع تجار المخدرات أو إعطائها للمسلحين في الصحراء المغربية«البوليساريو» للسماح لهم بالعبور أثناء العودة بالمخدرات.
ويؤكد مصدر أمني بمديرية أمن مطروح أن الشرطة تتلقى بلاغات بحدوث انفجار لغم بأحد الأشخاص، ويحرص أقاربه على تأكيد أن اللغم انفجر فيه أثناء عمله برعي الأغنام أو أثناء رحلة صيد في الجبل، لذلك يتم تشكيل لجنة أمنية من متخصصين لمعرفة الكيفية التي حدثت بها الإصابة أو الوفاة.
«الأمانة التنفيذية لإزالة الألغام» التابعة لوزارة التعاون الدولي، قامت بإزالة 40% من الأجسام القابلة للانفجار الموجودة في منطقة الساحل الشمالي الغربي، وفقا لتصريحات الدكتورة سحر نصر، وزيرة التعاون الدولي، أثناء زيارتها الأخيرة لمدينة العلمين بمحافظة مطروح.
وفي يناير الماضي كُلفت اللجنة القومية للإشراف على إزالة الألغام، برئاسة وزيرة التعاون الدولي- الأمانة التنفيذية للجنة، بحصر المناطق التي يوجد بها ألغام على مستوى الجمهورية، خاصة محافظات «القناة، سيناء، البحر الأحمر، الوادي الجديد» بهدف وضعها على رأس أجندة التطهير، وفقا لما نشر في العديد من وسائل الإعلام آنذاك
واختتم البيان بتشديد أعضاء اللجنة على أن تجتمع اللجنة كل ثلاثة أشهر، ورغم مرور عشرة أشهر على هذا الاجتماع لم تجتمع اللجنة مرة أخرى، وفقا لأحد المصادر، بالأمانة التنفيذية لإزالة الألغام، الذى يرفض الإفصاح عن هويته، مبررا ذلك بأنه غير منوط به التحدث لوسائل الإعلام، موضحا أن اللجنة لم تتخذ أي خطوات جديدة بشأن مشكلة الأجسام القابلة للانفجار بهذه المحافظات، حيث إن عملية إزالة الألغام بهذه المناطق محدود مقارنة بمجهودات الدولة في الصحراء الغربية، حيث تقتصر عملية التطهير على المناطق التي بها عمليات تنمية أو المناطق المخصصة لتنفيذ أحد المشروعات القومية، بينما ماطل هاني الوزيري، المستشار الإعلامي لوزيرة التعاون الدولي في الرد، رغم تكرار محاولات التواصل معه على مدار شهرين، رافضا تحديد موعد لإجراء مقابلة صحفية أو الإجابة عن الأسئلة التي طلب إرسالها عبر البريد الإلكتروني.
في المقابل طالب عبد الحميد كمال، عضو مجلس الشعب عن مدينة السويس، مجلس الوزراء بالاهتمام بتطهير مخلفات الحروب في صحراء سيناء ومدن القناة، مقارنة بما يحدث في الصحراء الغربية، واعتبارها جزءًا لا يتجزأ من الحرب التي تقودها الدولة على الإرهاب. ويضيف «كمال»: يوجد لنا استحقاق لدى إسرائيل بسبب الأضرار الناتجة عن احتلالها للأراضي المصرية، وهو حق تنص عليه اتفاقية «كامب ديفيد» الموقعة بين مصر وإسرائيل، وموضحا أنه تقدم بطلب إحاطة إلى وزير الدفاع عن مخلفات الحروب الموجودة في هذه المنطقة ولم يناقش حتى الآن.
بينما اتهم حكم قضائي في أغسطس 2015، صادر عن محكمة القضاء الإداري، الحكومة المصرية ممثلة في وزارة الخارجية، بأنها لم تقم بواجبها الدستوري، تجاه الدول التي زرعت الألغام في الأراضي المصرية، ويُلزم الحكم وزارة الخارجية بملاحقة بريطانيا، بسبب الأضرار التي أصابت مصر وأبناءها من مخلفات الحرب العالمية الثانية، ورغم مرور عامين على صدور الحكم لم ينفذ. وهو ما علقت عليه «الخارجية» في ردها عبر البريد الإلكتروني، أن «الوزارة» تتناول مشكلة مخلفات الحروب من جميع أبعادها المختلفة، وعدم قصر الأمر على مسئولية الدول التي زرعتها، حيث يتم طرح المشكلة دولياً من منظور تنموي وإنساني، بهدف الاستفادة من المساعدات التي تقدمها دول أخرى مهتمة بعمليات إزالة الألغام وإن لم تشارك في زرعها.