أنا ويجز فقط لا غير، أنا مش بعمل تراب بس ومش بعمل R&B بس، أنا بعمل تراب وR&B
وأي نوع مزيكا من أنواع المزيكا اللي هقدر أكتشفه وأقدر أعمله كويس
من مقابلة سابقة لويجز 2019
"بصوتي بعمل فن شارع.. أنت بتعمل مش سامع".. بصوت خشن وغليظ صرخ فتى في الثامنة عشر من عمره بتلك الكلمات المحمولة على أثير "الأوتوتيون"، وكأنه أطلق عذاباته نحو الكون. سمعه الكون وقرر الانحناء له عند هذه اللحظة من عام 2018، لينطلق ويجز (أحمد علي) من بعدها "أنت مستغرب أنا ع القمة ليه.. معلش مش أنا ع القمة، تبقى القمة فين؟".
في التاسع والعشرين من أكتوبر الماضي أحيا ويجز برفقة عفروتو حفلًا في مركز المنارة بالتجمع الخامس، ورغم أن الأخبار الفنية نقلت عن اكتمال العدد لحفل اثنين من نجوم الراب المصري، لكنّ صورة التقطتها الشركة الإعلامية المنظمة للحفل فجّرت المشهد، كزرّ قنبلة تم كبسه..
صورة من أعلى لجمهور ويجز جعلت الجميع يشهق من حجم الحاضرين ويتساءلون على طريقة الممثل محمد أبو الحسن في مسرحية "سك على بناتك": "مين بقى ويجز ده؟"، وبعيدًا عن إجابة هذا السؤال فإن الصورة أثبتت القاعدة الكبيرة التي نجح في تحقيقها مطرب الراب الشهير خلال بضعة سنوات "نمنا صحينا بقينا نجوم"، وبالإضافة لذلك الإثبات، فإن هناك حقيقة تفغر فاهًا في تلك الصورة؛ ثمّة أعداد كبيرة تسمع موسيقى لا تمت للأغاني التقليدية بصلة، ومع كل موجة موسيقية تتجدد "الخناقة الأبدية" المُسماة "صراع الأجيال".
أنا ويجز فقط لا غير، أنا مش بعمل تراب بس ومش بعمل R&B بس، أنا بعمل تراب وR&B
وأي نوع مزيكا من أنواع المزيكا اللي هقدر أكتشفه وأقدر أعمله كويس
من مقابلة سابقة لويجز 2019
حمل حوار سابق للمطرب الشاب عمرو دياب مع المذيع مفيد فوزي كثير من الاستغراب الذي يتوارى خلفه هجوم ورفض ونظرة –اعتبرها البعض- أبوية أيضًا، مثلما نقلت مواقع التواصل الاجتماعي نفس الاستغراب والاستهجان لويجز وجمهوره.
مفيد فوزي: محمد الموجي ليه وجهة نظر في الشباب الجديد اللي بيغنوا بيقول: "انتوا أولاد عاقين ومفيش حاجة بتقدموها تُسعد الأذن العربية، يرى أنكم جيل بلا أساتذة".
عمرو دياب: يعني أيه عاقين؟
مفيد فوزي: يعني مبتحترموش القديم
عمرو دياب: في اعتقادي إن الموسيقار محمد الموجي العظيم لما بيقول حاجة زي كدا، لازم يكون فيها وجهة نظر، أنا هعتبر نفسي من جيل الشباب، أنا دارس في أكاديمية الفنون؛ دارس القديم ده معناه إننا اتولدنا على القديم وعشنا على القديم ومبنسمعش نفسنا غير مؤخرًا، فكرة إننا عاقين فيها افتراء شوية.
من حوار سابق للإعلامي مفيد فوزي
لا ينْس باسم أبو عرب، مُنسق عروض موسيقية، ما حكاه له أحد الأصدقاء ذات ليلة، فقد كان الصديق ضمن فريق يلعب موسيقى الميتال، وقتها كان الفريق يُحاول تنظيم حفل خاصة به داخل إحدى المؤسسات الثقافية الكُبرى، لكن قوبل طلبهم بـ "لا" صارمة من قِبل أحد الموسيقيين الكبار، فسدّت الكلمة الباب في وجههم.
يعمل أبو عرب في مجال الموسيقى لأكثر من عِقد كامل، احترف فيها كمُنسّق للعروض الموسيقية، وبسبب ذلك احتكّ الشاب الثلاثيني كثيرًا مع تلك النظرة خلال التعامل مع المؤسسات الثقافية الحكومية، "كنت لما أقعد مع حد ممثل عن وزارة الثقافة في أي مؤسسة، أو حتى موظفين المؤسسات الحكومية كنت بلمح ده في عيونهم، حتى لو متقاليش بشكل مباشر، كنت بحس كأنهم بيقولولي: أيه العيال اللي جاية تخبّط دي؟"، وقد عمل باسم خلال تلك السنوات مع فرق تلعب أطيافا مختلفة من الموسيقى الغربية.
لم يُواجه باسم ذلك الصدام المُتواري مع الأجيال الأكبر بالهجوم، لم تكن تلك طريقته، بل كان يتعامل بمنتهى الهدوء "مبحبش أدخل في صدامات، لما باب بيقفل، كنت باروح أشوف باب تاني، وده اللي خلاني يبقى عندي علاقات كتير برة مصر"، لم يستسلم باسم بسبب منع العروض، وعلى مدار سنوات "بقيت أستكشف السوق العربي والدولي، وابتديت أسافر ويبقى عندي علاقات مع منظمين مهرجانات دولية، ودا نتيجة لأن هنا (يقصد مصر) مفيش انفتاح بشكل كافي"، ويستطرد باسم في حديثه "أنا مبحبش المقارنات بس فعلًا في أوروبا فيه انفتاح أكبر".
لم يتمكن أحمد ضياء من حضور حفلة ويجز، وحينما رأى الصورة المُنتشرة تفاجأ كثيرًا بالعدد "دي من أكبر الحفلات في الراب سين المصري"، اعتبر ضياء أن ذلك يُعبر عن حجم النجاح الذي يستحقه الراب "بعد ما فضل تحت الأرض أكتر من 20 سنة"، وبخلافه لم يتفاجأ أبو عرب من عدد جمهور حفلة ويجز، يُدلل على ذلك بحفلة الرابر مروان بابلو التي أقيمت في مركز المنارة مطلع أكتوبر الماضي "وحفلات كايروكي كمان بقالهم أربع سنين بيعملوا حفلات بنفس الأرقام دي بس محدش بيصور بكاميرا درون".
التكنولوجيا هي كلمة السر التي قفزت بالموسيقى، كواحدة من المجالات الإبداعية، يقول محمد صالح، عازف بيانو سابق في أوركسترا القاهرة السيمفوني، إن الجيل الحالي يمتلك بين يديه أدوات تكنولوجية تجعله مُختلفًا بشكل جذري عن الأجيال السابقة، تُضيف على ذلك الحديث دكتورة نهلة مطر، أستاذ التأليف الموسيقي بجامعة حلوان، أن ثورة مواقع التواصل الاجتماعي وامتلاك كل فرد للهاتف الذكي جعل أي شيء مُتاح، وخلال العشر سنوات الماضية تطوّر فن المهرجان بشكل كبير "لأنها قايمة على تقنية الأوتوتيون الموجودة على الموبايل".
لطالما كانت هناك فرق مُتنوّعة وفنانون مختلفون يتمكنون من تلبية احتياجات الجمهور المصري بشرائحه المتباينة، وقد وصل تعداد سكان مصر لأكثر من 102 مليون نسمة، يؤكد باسم على وجهة نظره، ويؤيده الناقد الموسيقي محمد شميس "الناس هي اللي مبتكونش متابعة بسبب كمية التطبيقات التكنولوجية الموجودة، عشان كدا الناس بتتفاجأ أحيانًا إن فيه حاجات مسمعوش عنها".
في ديسمبر 1977 صدر ألبوم "بحبك.. لا" لفرقة المصريين بقيادة الشاب –وقتها- هاني شنودة، حملت أغاني الألبوم نظرة مُختلفة تمامًا عما اعتاد عليه الجمهور المصري في سماع الأغاني العاطفية، كانت الموسيقى طابعها غربي والكلمات تقول "بحبك لا.. محتاج لك آه"، وهو ما كان بعيدًا عن الأغاني التي تستعطف الحبيب، يقول هاني شنودة لمصراوي إنه بصدور الألبوم تم الهجوم عليه من قِبل نقاد كثيرين "فيه واحد ملحن أول لما نزل الألبوم قال إننا واخدين تمويل من الفاتيكان"، فيما يستكمل حديثه ساخرًا "ميعرفش أصلًا إن معظم الأقباط المصريين مش تبع الفاتيكان".
لم يكن ذلك الهجوم الوحيد التي تعرضت له فرقة المصريين "الشاعر حسين السيد كتب 3 مقالات في أخبار اليوم بمعدل كل أسبوع، وكانت المقالات تحت عنوان "المصريون يلبسون القبعة فوق الجلباب"، أمام الهجوم الشديد على فرقة المصريين كان هُناك داعمين؛ على رأسهم الشاعر صلاح جاهين، الذي رأى أن ما تُقدّمه فرقة المصريين هو "ثورة على الأغنية المصرية".
المُشكلة الأساسية التي تتعرض لها الموسيقى المصرية في رأي شنودة هي "إحنا معندناش نقاد في الأغنية، وده اللي مسبب الخلل، وده اللي مخلي الناس مش واخدة بالها"، وهو ما يؤكد عليه الناقد الموسيقي دكتور فكتور سحاب في حديثه لمصراوي-وهو ما ذكره في مقال سابق له، ويخصّ بالذكر الفترة الزمنية منذ النصف الثاني من القرن العشرين "لا يوجد من يؤخذ برأي له، إلا تحت عدسة مجهر كشّاف".
ويوافق على ذلك شميس "محدش بيذاكر ومحدش بيسمع"، قاصدًا النقاد الكِبار في الموسيقى، لذلك لا يؤمن بوجود ما يُسمى "صراع الأجيال"، وفي رأي الناقد الشاب أنه لا يجب إلصاق تهمة عدم الأصالة بموسيقى الراب التي يُحبها جمهور ويجز وغيره من مطربي الراب "أيوا هما خدوا شكل مزيكا بتاع برة بس قدّموا مواضيع تخص الواقع بتاعنا"، وتلك النظرة مُنسجمة مع ما تقوله دكتورة نهلة "الموسيقى بتلبي وظيفة اجتماعية أكتر منها فنية"، ويرْكن شميس في تفسيره لـ"النفس البشرية تحتمل أكثر من ذائقة، ومصر فيها أنواع كتير جدًا، طيب ما هو مهرجان الموسيقى العربية كامل العدد زيه زي حفلات ويجز وبابلو".
يُضيف ضياء لذلك أنه ليس حقيقيًا أن الراب مُوجّة لفئة المراهقين فقط "هو بس ممكن يبان كدا في مصر لأن شهرته حديثة شوية ودي الفئة العمرية الأكتر تقبل للجديد ونفور من القديم"، يؤكد ضياء على حديثه بأن الراب هو نوع موسيقي قادم من أمريكا بالأساس "وهناك الراب بقاله سنين طويلة، يعني واحد زي سنوب دوج-رابر أمريكي- بيغني بقاله 30 سنة، وله جمهور من كل الأعمار".
يعود الناقد محمد شميس بالذاكرة لفنانين آخرين لم يتم تقبّلهم في بدايتهم كما يجب؛ "محمد منير أول لما طلع اتهاجم عشان بيغني روك وجاز وحتى المقسوم كان بيعملوا بالدرامز، وكان أول حد يطلع من غير بدلة وبيرقص على المسرح".
وقبل ستين عامًا من بدايات منير فُصل الموسيقار محمد عبد الوهاب من النادي الموسيقي "لما بدأ يغني عبد الوهاب القصايد غيّر في طريقة التلحين اللي كانت معروفة، فأساتذة النادي الموسيقي شافوا إنه بيخرب الموسيقى العربية وطردوه"، يحكي محب جميل الكاتب والصحفي المتخصص في الثقافة.
وفي عام 1917 واجه الشيخ سيد درويش امتعاضًا من قِبل الجمهور، ففي مطلع أكتوبر غنى درويش بين فصول مسرحية للشيخ سلامة حجازي، وجاء رد فعل الجمهور باهتًا، بحسب ما يذكر دكتور سحاب، وقتها خرج الشيخ سلامة ليؤنب الجمهور على موقفه، وقال إن الشيخ سيد سيكون خليفته على عرش الغناء.
مفيد فوزي: هل انتو بتقدموا فن حقيقي يؤثر ويعيش؟
عمرود دياب: أنا ضد اللي بيتقال ده كله، أنا واحد درست وبشتغل ومباخدهاش من ضربة حظ وباخدها بالبهدلة وتعبت لحد ما وصلت وعملت كيان والجمهور ابتدى يتقبل
من حوار سابق للإعلامي مفيد فوزي
حسام حسني: طب انت ليه مدرستش موسيقى
ويجز: بصراحة حسيت الموضوع فطري اوي حسيت ان فيه في دماغي مزيكا
حسام حسني: مفيش حاجة اسمها كدا لازم تدرس موسيقى
ويجز: أنا بحب لما حد يعمل تراك غلط بيعمل تون واحدة برة أو يكون بيغني غلط بس أنت مش حاسس بنشاذ في ودنك
في مقابلة بين حسام حسني وويجز عام 2020
في موضوع صحفي تناول فيه الكاتب أحمد ناجي زمن المطرب الشعبي أحمد عدوية، ذكر: "تم اعتماد صوت عدوية للغناء في الإذاعة المصرية عام 1977 برر رئيس لجنة الاستماع منير الوسيمي قراره بأنه اعتمد أحمد كصوت، أما الكلمات التي يغنيها فهي مسؤولية لجنة النصوص. لكن حتى بعد اعتماده كمغن في الإذاعة لم تذع الإذاعة أغانيه. في حوار لعدوية مع مفيد فوزي قال "ماحبتش أغني الكلام اللي بيعرضوه عليَّ في الإذاعة. كلام تقليدي جدًا وكله عن الحب والهجر.. كلام ميعجبنيش. أنا بغني اللي بحبه واللي بختاره".
يقول محب، صاحب كتاب "صالح عبد الحي فارس الطرب"، إن عدوية حمل وِزر نكسة يونيو 1967 الثقافية كلها على كتفيه "اتهموه بإفساد الذوق العام"، لكنّ مع دخول زمن السبعينيات والانفتاح الاقتصادي تربّع عدوية على عرش الأغنية الشعبية "لأن الانفتاح الاقتصادى جعل ناس كتير تجار وأغنياء وبقوا عايزين يسمعوا واحد شبههم فبدأوا ينتجوا شرايط كاسيت لعدوية".
في إحدى حلقات برنامج نجوم سهر الليالي كان الحاضرون هم؛ أحمد عدوية وسيد مكاوي ونجاح الموجي ونادية مصطفى وآخرين، تحدّث الممثل نجاح الموجي قائلًا "أيام عمّنا الشيخ سيد مكاوي كان المجتمع طبيعته مختلفة، ناس عندهم وقت وعلى المستوى المادي مرتاحين، عشان كدا السلطنة عندهم مهمة"، تُكمّل على حديثه المطربة السعودية عتاب "هو يُقصد يقول إن إيقاع العصر اتغيّر".
يُحللّ المشهد الحالي صالح، عازف البيانو؛ في نظره أن ما يُقدّمه ويجز هو "أبجدية فنية جديدة"، أو كما تقول دكتورة نهلة هو "تداعي حر، شبه لما كانت جدتي ترتجل الشعر بالفطرة"، فموسيقى الراب بالأساس لا تعتمد على الصوت بل الكلمة يعني "المضمون"، وذلك بسبب أن ثقافة الجيل الحالي تأثرت بأحداث سياسية واجتماعية خلال العقد الماضي، إلى جانب تأثره بالطبع بالثقافة الغربية، وما يُلفت نظر صالح خريج كونسرفتوار بطرسبرج بروسيا أيضًا أن الجيل الحالي هو جيل عملي "مش بيتغنى بالحب والطبيعة والشمس، هو جيل بيتكلم بلغة واضحة وواقعية ومتشابكة مع الواقع". لذا حين اكتشف ضياء موسيقى الراب منذ خمس سنوات وقع في حُبّه "هو زي ماتش الملاكمة، فيه تفريغ لطاقة عنف وغضب وحزن، ومواجهة للانكسارات، وفخر بالانتصارات، وتحدي للمنافسين".
لم تكن تُهمة إفساد الذوق العام المُلقاة على عدوية فريدة من نوعها، نفس التُهمة تُقال بطرق مختلفة، مثلما ينفعل الموسيقار حلمي بكر في كل مرة يلتقي فيها بفنان مهرجانات خلال لقاء تليفزيوني. وقبل شهر صار جدلا كبيرا بين معارض وداعم بعدما أصدرت نقابة المهن الموسيقية برئاسة المطرب هاني شاكر قرارا بمنع 19 فنان من فناني المهرجانات من العمل الفترة المقبلة.
يستنكر الناقد شميس الاستخفاف بأغاني كلمات "المطربين الجدد" مستشهدا بواحدة من أغاني ويجز التي تتحدث عن الهجرة غير الشرعية، وهي أغنية "واحد وعشرين"، التي قدّمها ويجز بعدما وصل لذلك السن، كما قدّم بابلو أغاني تتحدث عن الحب والمال والدنيا التي تشبه الغابة، وهي قضايا حقيقية تشغل جيل في العشرين من عمره.
لا يستغرب الصحفي محب ما يحدث من هجوم مع كل موجة موسيقية جديدة "لو نرجع للنص الأول من القرن العشرين هنلاقي بردو في الفترة دي فيه هجوم"، لكن ما يسترعي الوقوف عنده في نظره "الفكرة بقى هل الموجة الجديدة نابعة من الثقافة المصرية وبتطور فيها ولا بتستنبط قوالب غربية؟"،
ويتبع حديثه قائلًا "هي دي مشكلتي مع الموجة الجديدة"، لكنّ صالح ودكتورة نهلة لا يريا الأمر كذلك، فكما تقول الُملحنة إن الهوية هي مسألة ديناميكية وليست مُصطنعة، كذلك فإن عازف البيانو السابق يعتقد أن ظهور فرقة المصريين وما تبعها من تغيرات كانت ثورة على "التخت الشرقي"، أما موسيقى الراب والمهرجانات فهي "نُوبة جديدة من الثورة".
أما دكتور سحاب يرى أنه لا يجب الانحياز لكل رأي يُبديه الجيل الجديد في ترحابه، حيث يُصنّف الناقد الموسيقي المُستمعين إلى ثلاث؛ الناس المُشتغلين في النقد الموسيقي، ثم فئة الباحثين والمؤرخين الموسيقيين، أما أغلب الناس فهم المُستمعون العاديون "الذين يسمعون الموسيقى للتسلية والمتعة الوقتية"، وفي رأيه أنهم مُتفاوتون في التذوق الموسيقي.
في كتاب لمصطفى نصر بعنوان "عصر الفن الذهبي.. حكايات لا تعرفها"، تحدّث عما لاقاه عبد الحليم حافظ حينما غنى للمرة الأولى "صافيني مرة": "غني عبد الحليم أغنية صافيني مرة على المسرح القومي بكورنيش الإسكندرية عام 1952 لكن الجمهور لم يستسيغها وضربوه بالبيض والطماطم، وطالبوه بغناء قصائد محمد عبد الوهاب لكنه أصر على الغناء".
في بدايات القرن العشرين جاء سيد درويش ثائرًا على القوالب الغنائية السابقة، واعتُبر أنه كبير المجددين في الموسيقى المصرية، من بعده طوّر محمد عبد الوهاب "زي لما طعّم جفنه علّم الغزل بالرومبا، وده كان حدث خارق"، تبعتهما السيدة أم كلثوم "لغت طريقة غنا العوالم، وهي اللي أسست الغناء العربي الحديث على طريقة المدرسة المصرية في تجويد القرآن"، يذكر محمد دياب الناقد الفني والمهتم بالموسيقى، أما عن دور عبد الحليم حافظ في الأغنية المصرية فقال عنه شنودة إنه قام بتبسيط الأداء مُتأثرًا بعبد الوهاب.
بالنسبة لضياء فإن موسيقى البوب السائدة في العالم ومصر هي الأكثر مراهقة من بين أنواع الموسيقى الموجودة "مش بس بقارن البوب بموسيقى الراب، لكن كمان بالشعبي والأندرجراوند"، ففي رأي الشاب العشريني أن الراب والشعبي والأندرجراوند يطرحون قضايا حقيقية، أما أغاني البوب منحصرة في علاقات الحب "ورغم أهميته بس هو مش الموضوع الوحيد في الحياة يعني"، وأن ما يجعل ما يُقدمه عمرو دياب راقيًا ليس لكونه أصبح أكثر عمقًا "لكن لأن مشواره الفنى استمر سنين طويل، والجمهور اللي بيسمع بدل ما كان شباب بس زمان، دلوقت الجمهور ده كبر"، وفي رأي ضياء أن يومًا ما سيحدث ذلك أيضًا مع موسيقى الراب "لأن الدايرة هتدور على الراب بردو، وهتظهر أنواع جديدة، وأتمنى وقتها إن الجيل الحالي اللي هو شاب ميكررش نفس الغلطة لما تظهر أنواع جديدة عليهم".
"ده مش صراع أجيال، ده صراع هوية".. هكذا يرى دياب الأمر؛ "أنا سمعت الأغاني المصرية خلال الـ150 سنة اللي فاتوا، ودلوقتي أنا عندي 50 سنة يعني مش عجوز، وأنا مراهق كنت بسمع الفور إم، بس كنت عارف إن دي أغاني خفيفة لينا كمراهقين، لكن دي مش أصل الغنا"، لكن الناقد الموسيقي دكتور سحاب يقول إنه من الظلم الشديد اعتبار أن كل جيل لا ينحاز لأعمال غير ذات قيمة موسيقية، يذكر أنه على مرّ التاريخ هناك موسيقيون شباب اشتقوا لأنفسهم طريق عبقري، خرج عن المألوف، وانقلب عليهم المُحافظون، فيما التف حولهم الشُبّان التوّاقون لكل ما هو طازج،
يذكر سحاب أن هناك مقاومة شديدة واجهها سيد درويش لدى إدارة معهد الموسيقى الشرقي، بسبب آرائه السياسية المُعارضة لآراء المسئولين في المعهد، وهما مصطفى رضا بك وصَفَر علي، وبسبب ذلك الاختلاف هاجمت إدارة المعهد الموسيقى التي قدّمها سيد درويش.
تجديد الموسيقى المصرية في نظر دياب توقف عند نهاية الثمانينيات "بعد وفاة أم كلثوم وحليم وفريد الأطرش ابتدت تبقى فيه أزمة في الغناء المصري، وصمد شوية للثمانينيات بليغ حمدي وعبد الوهاب"، ويُكمل دياب الحديث بأن الموسيقى المصرية انهارت في التسعينيات، والهوية اختفت تمامًا في الأغنية المصرية اللهمّ موسيقى عمار الشريعي؛ فأغاني عمرو دياب وحميد الشاعري ومن بعدهم محمد حماقي وتامر حسني وغيرهم "يا إما بيكونوا واخدين مزيكا لاتينية يا تركية يا أمريكية، أي حاجة من برة".
ولمُتابعة دياب للتاريخ الموسيقي المصري يرى أن كل فترة تحمل هبوطًا غنائيًا "زي الأغاني اللي انتشرت وقت الحرب العالمية الأولى، وبعدها جت أم كلثوم وعبد الوهاب أنهوا الظاهرة دي"، وفي رأي الناقد الفني ضرورة عودة الدولة لمسؤوليتها تجاه الغناء المصري المُنطلق من مدرسة التجويد القرآني المصري.
لكن صالح يعترض على ذلك؛ يرى أن أزمة الهوية لا تقع ضمن مسئولية فناني الراب والمهرجانات وغيرهم "إحنا على مدار الأربعة عقود الماضية غابت الهوية المصرية وتعرضنا للعولمة اللي جاية من أمريكا، وفي نفس الوقت كان فيه تفسّخ طبقي"، بالتزامن مع وجود أكثر من 2 مليار مُستخدم لمنصة الفيسبوك حول العالم، "منقدرش نقول مين هويته بيتم فرضها على التاني، بس مسئولية الهوية المصرية في يد مؤسسات الدولة مش الأفراد".
وفي مقال دكتور سحاب يذكر أن مسئولية تكوين ثقافة النشء الجديد تقع على ثلاث مؤسسات هم؛ العائلة والمدرسة والإعلام، وكذلك المعاهد الموسيقية التي صارت-بحسب دكتور سحاب- يتملكها هوس الموسيقى الغربية إلى حد أنها "تعتبر الموسيقى العربية الكلاسيكية فنًا لا ينتمي إلى العلم".
مفيد فوزي: هل تعتقد إنكم كمطربين شبان ليكم مستقبل ولا هتبقوا موضة؟
عمرو دياب: أتمنى أني أبقى موضة ومش موضة، في اعتقادي إن لما أعمل موضة في مصر يعني إني بأثر وليا وجود وكيان، لكن إن الموضة دي تنطفي يبقى ماليش لازمة
من حوار سابق للإعلامي مفيد فوزي
سجّل عمرو دياب أول أغنية له عام 1983 وهي "الزمن"، ونجح الهضبة في الاستمرار نحو أربعة عقود، يسمعه فئات مختلفة من المجتمع. في نظر دياب أن الرابرز مثل ويجز وبابلو "ظاهرة وهتختفي"، مُؤكدًا في حديثه "أنا مش ضدهم، لأنهم فعلًا بيعبروا عن الشباب، لكن هما ظاهرة، والظاهرة مش شيء أصيل وبتختفي، يعني ويجز مش هيبقى كلاسيكيات زي أم كلثوم"،
يُؤكد دكتور سحاب أن الزمن هو العامل الوحيد الذي يُمكن عبره تقييم الموسيقى، وهو ما حدث مع سيد درويش ومحمد عبد الوهاب وأم كلثوم، والآن بإمكان النقاد الموسيقيين تقييم عصرهم، وتحليل سبب استمرارهم إلى الآن، فيقول دكتور سحاب إن من أسباب نجاح محمد عبد الوهاب وأم كلثوم هو لأسباب اجتماعية وسياسية وتاريخية "وكان لمرحلة سعد زغلول والنهوض الوطني في مصر، مع ظهور مرحلة طلعت حرب أثر في ظهور عبد الوهاب وأم كلثوم بمزاجهما الفني الجديد، كذلك لظهور وسائل انتشار غربية حديثة مثل الإسطوانة والإذاعة ثم السينما".
ثمّة سؤال يفرض نفسه؛ هل "صراع الأجيال"، تلك الكلمة الرنّانة موجودة ببقية الدول العربية أيضًا أم لا؟، في سؤال نور عز الدين، محررة بمجلة معازف المتخصصة بالموسيقى، قالت "ما كتير عنّا صراع، لأن كل الوقت الأغنية الشامية عم بتقلّد الأغنية المصرية، ولو مش بتقلد المصرية، فهي بتستقي من التراث لحد ما جه موسيقى البوب الأمريكية اللي كِل العالم تقبّلها".
لكن هناك فترات في تاريخ الموسيقى اللبنانية تحديدًا صار فيها تجديد، ولم يتجلَّ أي صراع حينها "وقت ما زياد الرحباني طور ودخّل الجاز على الأغنية اللبنانية ولا مرة حدا كان بيقول شو عم بتعملوا يا جماعة"، لا تستطيع نور الجزم تمامًا بذلك لكنها لم ترَ أية أشكال لذلك الصراع "حتى مشروع ليلى لما طلع بلبنان وصاروا يغنوا لمثليي الجنسية ما حدا قرّب صوبهم".
نفس الحال الذي تُفسّره نور مع الأغنية اللبنانية، كان موجودًا أيضًا مع الأغنية السورية
"سبب هذا النقص في الإنتاج الجديد للأغنية السورية، أصبح السوريون يرددون في حفلاتهم ورحلاتهم أغانٍ بلهجات عربية مختلفة، كالمصرية واللبنانية والعراقية. لم يشذّ عن هذه القاعدة سوى مطربي القدود الحلبية، الذين حققوا الشعبية دون أن يخوضوا تجربة الاغتراب في البلاد العربية التي تزدهر فيها صناعة الموسيقى مثل مصر".
مُقتبس من تحليل فني لـ"عمر بقبوق" بمجلة معازف: "الأغنية الشعبية السورية| بحثا عن الأغنية والشعب والدولة"
الخناقة الأبدية" ليست مُنحصرة على الوطن العربي فقط، بل في العالم أجمع، ففي أوروبا- كما يذكر دكتور سحاب- لم تحظَ موسيقى موتسارت وبيتهوفن بحماس لدى كثير من المستمعين المحافظين، كذلك في روسيا لم يحظَ تشايكوفسكي-كبير الموسيقيين الكلاسيكيين الروس- باعتراف من النقاد إلا في منتصف القرن العشرين "لأن النقاد في عصره وصفوا بعض أهم أعماله بأنها عادية أو مصطنعة ".
من المنطقى أن يكون هناك صراع هكذا يرى باسم الأمر: "دايمًا فيه خناقة مش بس في المزيكا، في الفنون عامة وفي الثقافة وفي العادات والتقاليد"، ومن الطبيعي تواجد أوجه مختلفة للصراع في دول العالم جميعها "لكن بتكتر وبتقل حسب أد ايه في انفتاح ثقافي وتقبّل ووعي، اللي هو أصلًا مُرتبط بمستوى التعليم والانفتاح على العالم".
أحد أوجه الصراع مما يراه باسم أبو عرب هو النظرة الطبقية لمطربي المهرجانات والراب تحديدًا "محدش بيقول ده بس دي حاجة في دماغ الناس اللي بتحاربهم، بيبقى في بالهم أيه العيال اللي من مناطق شعبية اللي اشتهروا واغتنوا وإحنا لا"، وهو ما يُؤمّن عليه عازف البيانو السابق مُفسرًا ذلك "المهرجانات بتناسب الغالبية العظمى للشباب المنتمين للمناطق الفقيرة والشعبية، أما "الرابرز" فهم طبقة متوسطة وضعها الاقتصادي أفضل عشان كدا مضامين أغانيهم أكتر تعقيد.. دي تعقيدات اجتماعية وثقافية ودينية وتشوهات جاية من خمسين فاتوا متأصلة فينا، طبيعي تطلّع كل الارتباك ده، والكلمة الأخيرة للمزيكا الحلوة اللي هتكمل".
قصة: رنا الجميعي
مونتاج: أحمد عبد الشفيع
تصميم وتنفيذ: محمد عزت
إشراف عام: علاء الغطريفي