image

في إحدى خيام اللاجئين المتهالكة التي شيدوها لتقيهم شمس النهار الحارقة بالصيف وبرد الليل القارس في الشتاء، يرقد الطفل شامل معاذ صاحب الجسد النحيل والبشرة السمراء والشعر الأسود الكثيف الذي يغطي جزء من جبهته، على قطعة صغيرة من السجاد بالأرض فاقد الإحساس بكافة أطرافه عاجزا عن الحركة بشكل كامل.

شامل ذا الخمس سنوات يبدو على جسده الصغير -الذي يستتر وراء قطعة من القماش– علامات الهزال والضعف الناتج عن سوء تغذيته ومضاعفة حالته الصحية على إثر إصابته بفيروس شلل الأطفال. يشارك شامل أطفال مخيم البركاني - الذي يقع بمدينة تعز - البالغ عددهم 360 طفلاً الانتظار في طلب المساعدات الإنسانية من مأكل وملبس ودواء، والتي بالكاد تبقيهم على قيد الحياة. ولكن إصابته بفيروس يهاجم مراكز جهازه العصبي تُضاعف من ألم انتظاره لتلك المساعدات.

ولد شامل بمنطقة جبل حبشي في المنطقة الوسطى بمحافظة تعز منذ خمس سنوات، وبعد ولادته بفترة قصيرة بدأت تظهر عليه أعراض الإصابة بمرض شلل الأطفال، في البداية أثر المرض على حركته بشكل طفيف، وعلى إثر الصراع الدائر في اليمن تعرض منزلهم للقصف من قبل قوات الحوثيين، مما فرض على الأسرة الانتقال إلى أحد مخيمات اللاجئين في أوضاع معيشية صعبة.

عودة فيروس شلل الأطفال إلى اليمن



في عام 2006، أعلنت منظمة الصحة العالمية خلو اليمن من فيروس شلل الأطفال، لكن المنظمة عادت لتُعلن مرة أخرى عن تفشٍّ جديد للفيروس، بعد اكتشاف 15 حالة مصابة بفيروس شلل الأطفال من النوع الثاني المشتق من اللقاح، في أغسطس 2020، وتم اكتشاف الحالات المصابة بالفيروس في مناطق مختلفة من محافظة صعدة الواقعة شمال غرب البلاد والتي تعتبر مركز جماعة الحوثيين، وتتراوح أعمار الحالات التي تم اكتشافها بين 8 أشهر إلى 13 سنة.

وأشار تقرير صندوق الأمم المتحدة للسكان الصادر في شهر نوفمبر خلال العام الماضي إلى أن اليمن يواجه انخفاضًا ملحوظًا في معدلات التحصين بأوساط الأطفال، ويزداد هذا الانخفاض سوًءا نتيجة التدهور الاقتصادي، وانخفاض الدخل، والنزوح، والظروف المعيشية المزدحمة في المخيمات، إلى جانب النظام الصحي الذي يعمل فوق طاقته.

وأكد التقرير، أنه يتعذر الوصول إلى ملايين الأطفال بأنشطة التحصين الروتينية جراء عدم إمكانية الوصول إلى الخدمات الصحية، بما في ذلك الأنشطة التوعوية والاستجابة لتفشي الأمراض في بعض المحافظات. كما ارتفعت أعداد الحالات المشتبه في إصابتها بأمراض يمكن الوقاية منها باللقاحات إلى مستويات غير مسبوقة.

وبعد قرابة العشر سنوات من الصراع والحرب في اليمن نتج عن ذلك أسوأ أزمة إنسانية في العالم، بحسب الأمم المتحدة حيث تشير الإحصائيات أن هذه الحرب خلفت أكثر من 300 ألف قتيل، و700 ألف جريح ومُعاق، و4 ملايين شخص شُردوا من منازلهم، وأن هناك أكثر من 2 مليون يمني مهددين بخطر المجاعة والأمراض.

أمراض قاتلة تُعاود الانتشار بين أطفال اليمن

تقول والدة شامل لمعدة التحقيق "بعد قصف منزلنا ساءت أوضاعنا كثيرا مما أثر على حالة شامل الصحية، خاصة بعد أن فقدنا كل ما نملكه ولم نتمكن من الاستمرار في علاجه" وتصف تأثير الحرب على أوضاعهم الحالية قائلة "لم يبق لنا أي شيء وأصبحنا مشردين أوضاعنا بالمخيم شديدة الصعوبة ولم يتوفر فيها أبسط مقومات الحياة للأفراد الطبيعيين الأصحاء وتزيد تلك الأوضاع من معاناة المرضى خاصة الأطفال منهم مثل شامل".

تسجيل صوتي لوالدة شامل

ووفقاً لصندوق الاجتماعي للتنمية باليمن فإن الأطفال هم أكثر عرضة لأمراض وتفشيات قاتلة يسبب بعضھا الإعاقة الدائمة أو الموت. مشيراً إلى أنه ليس لهذه الأمراض وقاية سوى التحصین منعاً من الإصابة بالمرض. مبيناُ أن الطفل لا يعتبر كامل التحصین إلا إذا أكمل جميع اللقاحات المطلوبة خلال السنة والنصف الأولى من عمره وحصوله على بطاقة التحصین.. وحدد الصندوق أمراض الطفولة القاتلة التي يعاني منها أطفال اليمن وهي شلل الأطفال، والسل، والحصبة، والسعال الديكي، والكزاز الوليدي، والدفتريا أو الخناق، والتھاب الكبد البائي، والتھاب السحايا.

حملات تحصينية في محافظات الجنوب

من جانبه، أكد الدكتور علي الوليدي وكيل وزارة الصحة لقطاع الرعاية الطبية في اليمن بالحكومة الشرعية، أن أمراض الطفولة التي عاودت الانتشار مرة أخرى، هي الأمراض القابلة للتمنيع مثل فيروس شلل الأطفال والحصبة والحصبة الألمانية والدفتيريا، مشيراُ إلى أن اليمن كانت خالية من مرض شلل الأطفال منذ عام 2006، وحصلت على شهادة من منظمة الصحة العالمية عام 2009 بخلوها من هذا الفيروس.

وأوضح أن تسجيل حالات إصابة بمرض شلل الأطفال عامي 2021 و2022، دفع وزارة الصحة إلى تنفيذ ثلاث جولات للتطعيم ضد شلل أطفال بدايتها كان في عام 2022، وأخرى كانت عام 2023، ونهايتها كانت شهر فبراير الماضي. مضيفاً أنه تم تنفيذ حملات ضد الحصبة وأنشطة تكاملية للأطفال الذين لا يستطيعون الوصول إلى المراكز الصحية ومراكز اللقاحات والخدمة المتوفرة.

وكشف وكيل وزارة الصحة لقطاع الرعاية الطبية في اليمن لمعدة التحقيق، أنه لا يزال يتم تسجيل حالات إصابة بفيروس شلل الأطفال في المناطق التي تقع تحت سيطرة الحوثيين، خاصة مع رفضهم للحملات التحصينية، مؤكداً أنه تم تسجيل حالتين جديدتين من فيروس cVDPV2 - شلل الأطفال النوع الثاني- تم الإبلاغ عن إحداهما في عام 2024 والأخرى كانت في عام 2023. كلتا الحالتان من محافظة الحديدة. مقارناً ذلك بأن آخر حالات المصابة بشلل الأطفال في المحافظات المحررة -على حد تعبيره- تم تسجيلها في 16 فبراير 2022.





تحريض ممنهج ضد اللقاحات والأطفال يدفعون الثمن



تنوه والدة شامل إلى أنه منذ ولادته لم يتلق أيا من اللقاحات اللازمة التي من المفترض أن يتناولها الأطفال بعد الولادة، لا سيما أن المنطقة التي كانوا يعيشون فيها لم تتوافر بها أي من الحملات التحصينية الخاصة بتلقيح الأطفال، كما أنها تبعد عن المركز الصحي قرابة الثلاث ساعات في ظل ظروف غير آمنة وطرق غير ممهدة مما يزيد من صعوبة الوصول إلى أماكن توافر اللقاحات، مضيفة أنه منذ انتقالهم للمخيم بمنطقة تعز تأتي بعضاً من الحملات المخصصة للقاحات من حين لآخر لتحصين أطفال المخيم، خاصة مع انتشار العديد من الأمراض ومنها الحصبة.

منظمة الصحة العالمية



وفقا للمبادرة العالمية للقضاء على شلل الأطفال فإن الصراع القائم في اليمن جعل البلد يتعرض لفاشيات مدمرة من الأمراض التي يمكن الوقاية منها باللقاحات، والتي تؤثر بشكل غير متناسب على الأطفال وتشمل العوامل الرئيسية المساهمة في ذلك البنية التحتية والخدمات الصحية العامة المحدودة للغاية، ومحدودية توافر المياه، وتزايد مستويات رفض اللقاح والتردد.

وقال الدكتور أرتورو بيسيغان ، ممثل منظمة الصحة العالمية ورئيس بعثتها في اليمن: "واحد من كل أربع أطفال يمنيين لم يتلق جميع التطعيمات الموصي بها في جدول التحصين الروتيني الوطني، و17 % من الأطفال لم يحصلوا على جرعة واحدة من لقاح الخناق والكزاز والسعال الديكي"

وتوقع ممثل منظمة الصحة العالمية في اليمن أن تستمر في عام ٢٠٢٤ م فاشيات متعددة ومتزايدة لأمراض يمكن الوقاية منها باللقاحات مع وصول نسبة الأطفال غير المحصنين أو الذين لم يتم تطعيمهم بأي جرعة لقاحات إلى ٢٨٪. كما أن نقص التمويل وانعدام الوصول لعدد كبير من اليمنيين سيؤثر سلبا على صحة وحياة الأشخاص الأكثر ضعفا في اليمن.

أمراض الطفولة تعاود التفشي

أكدت منظمة اليونيسف باليمن في تصريحات خاصة- عبر البريد الإلكتروني- أن أمراض الطفولة التي عاودت الظهور مرة أخرى هي شلل الأطفال والحصبة والدفتريا وقد بلغت مستويات التفشي وأرجعت ذلك إلى انخفاض معدلات التغطية بالتطعيم التي أدت إلى انخفاض مناعة الأطفال مما جعلهم أكثر عرضة للإصابة بهذه الأمراض. مشيرة إلى أن 86 % من الأطفال الذين أبلغ عن إصابتهم بالحصبة لم يتلقوا قط أي جرعة من لقاح الحصبة.

وكشفت اليونيسف لمعدة التحقيق أن السلطات المحلية في شمال اليمن – تتمثل في قوات الحوثيين-، لم تسمح بحملات التطعيم حتى الآن، مما يتسبب في استمرار الأوضاع السيئة لتلك الأمراض في المحافظات الشمالية. في حين أن المنظمة تعمل على دعم اللقاح من خلال العيادات، مشيرة إلى أنها تواصل مفاوضاتها مع السلطات المحلية للسماح بإجراء حملات التطعيم اللازمة للأطفال.

وبينت: اختلف الوضع في المحافظات الجنوبية، حيث تم دعم جولات متعددة من حملات التطعيم ضد شلل الأطفال والحصبة وآخرها جولة كانت في فبراير الماضي، مما ساعد في تحسن الوضع في تلك المحافظات وانخفاض الحالات.

وصرحت المنظمة بأنه تم تخصيص أكثر من 30 مليون دولار للاستجابة لهذه الأمراض واحتوائها. ويتم التعاون مع منظمة الصحة العالمية، والتحالف العالمي للقاحات والتحصين، المبادرة العالمية للقضاء على شلل الأطفال، ووزارات الصحة اليمنية لمواجهة هذه الأمراض. وبينت أن هناك 51 ألف حالة اشتباه بالحصبة في عام 2023 تم الإبلاغ عنها، بالإضافة إلى إصابة 227 طفلا بشلل الأطفال منذ بدء تفشي المرض عام 2021.

تتطابق تصريحات المنظمة، مع ما أشار إليه الدكتور علي الوليدي وكيل وزارة الصحة لقطاع الرعاية الطبية في اليمن بالحكومة الشرعية من تعنت قوات الحوثيين تجاه اللقاحات ومنع حملات تحصين الأطفال من الأمراض التي يمكن الوقاية منها مما أدى إلى عودة ظهور أمراض الطفولة مرة أخرى خاصة بالمناطق التي التابعة لهم. لاسيما وأن آخر الحملات التحصينية للأطفال التي تمت بتلك المناطق كانت في مايو 2021 باستثناء محافظة صعدة – على حد قوله.



جماعة الحوثيين تمنع اللقاحات وتروج الشائعات



تعرض والد شامل المصاب بشلل الأطفال لحالة نفسية شديدة بعد القصف - تقول الأم- ويتناول على إثرها الكثير المهدئات وأصبحت الأسرة دون عائل مما يتسبب في تأخير العلاج الذي يجب توفره للطفل. وتصف الأم الوضع الصحي لشامل أنه بعد انتقالهم للمخيم بدأت أعراض الإصابة بالمرض تظهر بشكل كبير عليه حيث لم يتمكن من الحركة بشكل طبيعي وبعدها تفاقمت إصابته وتم تشخيصه على أنه مصاب بالشلل الدماغي بعد أن أصبح عاجزا عن الحركة بشكل كامل.

و حصلت معدة التحقيق على نسخة من التقرير الطبي الخاص بوضع شامل الصحي الذي يوضح عجزه عن الحركة بشكل كامل.

أرسلت أم شامل كلماتها المليئة بالرجاء لمراعاة حالة طفلها، وتوفير ما يلزم من علاج لإنقاذ حالته، لاسيما أن الوضع المعيشي متدهور داخل المخيمات، في ظل تفاقم الصراع وانخفاض معدلات تحصين الأطفال ونقص العلاج اللازم للحالات المرضية الصعبة.

في فبراير العام الماضي، أقامت مؤسسة "بنيان" التنموية، التي يرأس مجلس أمنائها عبد الملك الحوثي (زعيم جماعة الحوثي)، ندوةً بعنوان "خطورة اللقاحات على البشرية" والتي كانت تتحدث عن أضرار اللقاحات الخاصة بالأطفال، وزعموا فيها أن لقاحات الأطفال تتسبب بأضرارٍ صحية، وأنها عبارة عن "مؤامرة يهودية أمريكية على البشرية لتقليص النسل".

وأكد مصدر بوزارة الصحة اليمنية بمنطقة صنعاء -فضل عدم نشر اسمه- أن جماعة الحوثيين منذ سيطرتها على السلطة في اليمن، منعت نهائيًا حملات التطعيم بشكل عام في المحافظات الشمالية، إلى جانب استخدام العديد من الوسائل المختلفة للترويج الدائم بأن للقاحات آثار سلبية على المجتمع، عن طريق الخطباء في المساجد والحملات التحريضية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وقد توسعت تلك الدعاية في عدة محافظات يمنية.

وفي إحدى الخطب التي تم إلقائها من قبل أئمة المساجد في المحافظات الشمالية التي تخضع لسيطرة الحوثيين خلال العام الماضي، يحذرون فيها المواطنين من مأمونية اللقاحات.


ونصت الخطبة على أن: "العدو يستخدم أرذل وأسوأ الأساليب في حربه معنا كالحرب الناعمة، والحرب البيولوجية بنشر الأمراض والأوبئة بعدة وسائل ومنها عبر اللقاحات غير المأمونة، وكلنا يعرف كيف تحاصرنا دول العدوان وتمنع دخول الدواء والغذاء إلا اللقاحات فهي تدعمها وتمولها مما يثير الشكوك والاستغراب، ويوجب الحيطة والحذر"

وأكد المصدر أن الدعاية الحوثية تجاه اللقاحات، انتشرت بشكل كبير في أوساط المواطنين في المناطق الخاضعة لسيطرة الجماعة، وتسبب ذلك في عزوف كثير من المواطنين عن تحصين أطفالهم مما ساهم بشكل كبير في عودة انتشار أمراض الطفولة القاتلة بين أطفال اليمن.


وكشفت منظمة اليونيسف باليمن أنها تتتبع الدعاية المناهضة للتطعيم من خلال مراقبة وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي وتتخذ الاستجابات المناسبة من خلال التعاون مع السلطات أو المؤيدين ضد الأصوات المناهضة للتطعيم. وتعمل على توفير معلومات صحيحة بديلة للمعلومات الخاطئة باستخدام منصات الاتصال الخاصة باليونيسف، ومنصات وسائل الإعلام العامة، وخطوط المساعدة، والمشاركة بين الأشخاص. بالإضافة إلى التعاون مع مؤثرين وسائل التواصل الاجتماعي لمواجهة المعلومات الخاطئة والمضللة حول التطعيم وتنفيذ حملات مدفوعة على وسائل التواصل الاجتماعي لتصحيح السرد بناء على قاعدة الأدلة الفنية التي تم إنشاؤها بشكل مشترك من قبل اليونيسف ومنظمة الصحة العالمية

تدهور الأوضاع الصحية وانتشار الأمراض



في الجانب الآخر من المخيم، أصيبت الطفلة رفدة ذات الأربع سنوات بالحصبة نهاية العام الماضي - أحد أمراض الطفولة القاتلة التي يمكن الوقاية منها باللقاحات - أرجعت والدتها سبب إصابتها إلي تفشي المرض مرة أخرى في كثير من المناطق. كانت رفدة تقيم في منطقة المعافر، وبسبب الحرب انتقلت مع أسرتها إلى مخيم البركاني، ، تقول والدتها لمعدة التحقيق أثناء تفشي المرض ساءت حالة ابنتي كثيرا، مما تطلب إحالتها إلى المستشفى لكي تحصل على الرعاية اللازمة، وظلت داخل المستشفى حتى تحسنت حالتها وتم إنقاذها بعد أن تجاوزت إصابتها المعدل الطبيعي. وأضافت الأم أن عدوى الحصبة انتقلت إليها بعد إصابة ابنتها مما أثر كثيرا على وضعها الصحي وجعلها تنتقل إلى أحد مراكز العزل حتى تتلقى الرعاية الصحية اللازمة، مشيرة إلى أنه بعد انتشار المرض بين الكثير من الأطفال تم تفعيل حملة للتطعيم ضد الحصبة بالمنطقة بعد ذلك.

مخيم البركاني

على بعد عدة أمتار من خيمة رفدة، تقطن الطفلتان ردينا وعتاب - البالغتان من العمر أربع وسبع سنوات – في إحدى الخيام في ظروف حياتية صعبة، ويعانين من الإصابة بمرض الحصبة نتيجة قلة التحصينات. يقول والد الطفلتين "عبده منه" وهو أحد مشرفي مخيم البركاني للاجئين بوسط مدينة تعز: كدت أفقد طفلتي، فلقد ساءت حالتهما الصحية كثيرا نتيجة هذه الإصابة، لا سيما مع وعورة الطرق وبعد المراكز الصحية التي كانت تعرقل حصولهما على اللقاحات اللازمة للتعافي من الحصبة. مبيناً أنه كان يقطع مسافة تتجاوز الـ 20 كيلو متر بشكل يومي حتى يتمكن من الوصول إلى المستشفى للحصول على العلاج اللازم لهما، مع الارتفاع الشديد لدرجة حرارة أجسامهم، وأن هذه الإصابة تسببت في تحميل الأسرة الكثير من الأعباء النفسية والمادية والتي بلغت مليون ريال يمني أي ما يعادل 800 دولار.

وأشار إلى أن الحرب لها دور محوري في حرمان أطفال اليمن من أخذ اللقاحات اللازمة لسلامة نموهم، مؤكداً أن أطفال المخيم عرضوا جميعاً للإصابة بالحصبة خلال شهر ديسمبر الماضي، وبلغ عدد الإصابات 150 طفلا في حين بلغت الوفيات 50 طفلا، وفقاً لتصريحات " منه".

وقال إن عدوى الإصابة بالحصبة طالت 51 مخيما بمدينة تعز في ذلك الوقت، مما زاد من حدة المرض وسرعة انتشاره. مضيفاً أن الحرب تسببت في انهيار قطاع الخدمات الصحية خلال السنوات الماضية، مما تسبب في تعطيل حملات التطعيم اللازمة للأطفال، مبيناً أنه يوجد العديد من الحملات الدعائية التي تشكك في جدوى اللقاحات مما ساهم في انتشار المعتقدات والشائعات الخاطئة التي تسببت في عزوف كثير من الأهالي عن تحصين الأطفال خاصة في المناطق الشمالية التي تقع تحت سيطرة الحوثيين.

وأكد أنه مؤخرا تم تنظيم عدد من حملات التحصين للأطفال بدعم من المنظمات الدولية، لتلقيحهم ضد العديد من الأمراض كالحصبة وشلل الأطفال والدفتيريا، ولكن هذه الحملات لم تشمل كافة المحافظات والمناطق اليمنية، مما يجعل خطر الإصابة بأمراض الطفولة ما زال قائما.

مستويات تحصين الأطفال

وفقاً لتقديرات مستويات تغطية التحصين الخاصة بمنظمة الصحة العالمية واليونيسف على الصعيد اليمني لعام 2022م، لم يتم تحصين حوالي ثلث الأطفال ( 27%) دون عمر السنة في اليمن ضد الحصبة والحصبة الألمانية. كما أن هؤلاء الأطفال لم يتلقوا الحد الأدنى من اللقاحات مثل التطعيمات الروتينية الأخرى المطلوبة لتحقيق الحماية الكاملة. وتركزت معظم تلك الحالات في محافظات صنعاء وذمار والحديدة وصعدة وإب وحجة والبيضاء وعمران وسط وشمالي البلاد، الخاضعة لسيطرة قوات الحوثيين.

وبحسب منظمة أطباء بلا حدود فقد أدّى تداعي النظام الصحي اليمني إلى عودة ظهور فاشيات الأمراض التي يمكن الوقاية منها كالحصبة، وهي أحد الأسباب الرئيسية للوفاة بين الأطفال الصغار على مستوى العالم ويليها شلل الأطفال والدفتيريا.

من جانبه، صرح الدكتور عبد الله الطيار طبيب الأطفال بمنطقة صنعاء، بأن اللقاحات الخاصة بأمراض الطفولة متوفرة في جميع الأماكن، ولكنها غير إجبارية خاصة في منطقة صنعاء والمحافظات القريبة منها، مشير إلى أن حملات التحصين متوقفة تماما في هذه المناطق منذ سنوات أيضا، لا سيما أن الحكومة المسئولة بتلك المناطق تعتبر هذه الحملات تشجيعية لأخذ اللقاح وهو ما يخالف ما تدعو إليه.

وأكد الطيار أن الأطباء في هذه المناطق لم يتلقوا أي توجيهات أو توصيات بضرورة توعية الأهالي وتعريفهم بأهمية اللقاحات وضرورة الحرص على تناولها، مبينا أن الحصبة والكوليرا من أكثر أمراض الطفولة القاتلة انتشارا حاليا في المناطق السابق ذكرها، كما زادت حالات الإصابة بالسعال الديكي بشكل كبير خلال فصل الشتاء الماضي.

وشدد على أن نشر الوعي بأهمية اللقاحات وتوفير الحملات الخاصة بها أهم الخطوات التي يجب اتخاذها لمواجهة هذه الأمراض ومنع انتشارها إلى جانب ضرورة توفير المتابعة الطبية حسب ظروف الإصابات والمناطق التابعة لها.



تحديات وحلول



وحول عدد الأطفال بالمناطق التي تتبع القوات الحوثية، بين الدكتور علي الوليدي وكيل وزارة الصحة لقطاع الرعاية الطبية في اليمن بالحكومة الشرعية أن الوزارة ليس لديها أي تفاصيل دقيقة عن عدد الأطفال أو أعمارهم وأوضاعهم الصحية بتلك المناطق.

وحدد الوليدي التحديات التي تواجه توفير التحصينات اللازمة للأطفال ومنها: ضعف التغطية الروتينية، وقلة عدد المرافق الصحية، لا سيما أن المتوفر منها لا يعمل بشكل كامل بسبب الحرب، موضحاً أن وزارة الصحة تمكنت من فتح ما يقارب من 60٪؜ من المراكز الصحية الذي تقدم خدمات الطفولة، بالمناطق التابعة لها، وتسعى الوزارة لتغطية 80٪ من تلك المناطق خلال الفترة القادمة.

وأضاف أن خطة الوزارة تهدف إلى تعزيز الأنشطة الروتينية في كافة المرافق، وأيضاً تعزيز التوعية الصحية في المجتمع عن مأمونية اللقاحات للقضاء على تفشي الأمراض القابلة للتمنيع، ودعم العامل الصحي المجتمعي لتقديم الخدمة للأطفال الذين يقعون في الزمام الثالث البعيد عن المرفق الصحي إضافة إلى تعزيز الحملات الاحترازية في المراكز الثابتة والمتنقلة.



قبل نشر هذا التحقيق توفى الطفل شامل متأثرا بإصابته بفيروس شلل الأطفال، مثل كثير من أطفال اليمن التي تدفع ضريبة هذه الحرب من منع اللقاحات وتدهور النظام الصحي للبلاد. ومازالت رفدة و ردينا وعتاب تنتظرن المساعدات من حين لأخر في محاولة منهن للبقاء على قيد الحياة، لمواجهة أوضاع حياتية واجتماعية وصحية شبة منعدمة.

حاولنا التواصل مع كل من الدكتور علي المفتي مدير عام الخدمات والطوارئ بوزارة الصحة في صنعاء، والدكتورة غادة الهبوب المسئولة عن حملات التحصين بوزارة الصحة في صنعاء، ولم نتلق أي رد حتى نشر هذا التحقيق. بالإضافة إلى التواصل المتكرر مع منظمة الصحة العالمية باليمن ومنظمة أطباء بلا حدود وتلقى العديد من الوعود للإجابة على الأسئلة المرسلة ولم يتم ذلك حتى نشر التحقيق.