"تعز" السجن الكبير

على مدار ٧ سنوات لم تغادر الناشطة أنيسة الحمزي تعز سوى شهرين فقط؛ حيث ظلت رفقة الكثير من شباب وفتيات المدينة من أجل الدفاع عنها ومنع وصول الحوثيين إليها.

كانت أنيسة الحمزي، إحدى النساء اللاتي ساهمن في رفع المعاناة عن أهالي تعز ومحاولة إنقاذها، فبدأت رفقة عدد من الشباب والفتيات من أبناء تعز بالتواصل مع من هم خارج المدينة من تجار ورجال أعمال من أجل تزويد المدينة بالمواد الغذائية الأساسية وتزويد الأحياء بمياه الشرب الصالحة للاستخدام، وأيضًا في الجانب الصحي، وبسبب ارتفاع الإصابات نتيجة القصف وعدم وجود أدوية أو مسعفين، قاموا بتفعيل مبادرات لتدريب الشباب على الإسعافات الأولية، وتوفير الأدوية اللازمة وأنابيب الأكسجين في المستشفيات.

تسرد الحمزي:"بعد أيام قليلة من اندلاع الحرب في تعز ومحاولة الحوثيين دخولها في ظل دفاع قوي من أبناء المدينة وثوارها، تم حصارها بما يقارب 13 لواءً عسكريا طوقوها بشكل كامل من كافة مداخلها الرئيسية".

تمتلك تعز منافذ أساسية، المنفذ الغربي والشرقي، تشرح الحمزي: "الطريقان اللذان يفصلان بينها وبين المحافظات في شمال وجنوب اليمن، بالإضافة إلى المنفذ الشمالي أغلقا، وتم تطويق المدينة من تلك المنافذ؛ لذا كان من الصعب دخول وخروج المواطنين منها وإليها".

ونظرًا لكونها منطقة شبه جبلية ذات تضاريس وعرة، كانت هناك صعوبة على المواطنين أن يسلكوا الطرق الفرعية التي لم تطلها أيادي الحوثيين. المعاناة لم تكن فقط في قطع الطرق بل كانت تلك البداية، فواجهت المدينة شبه انهيار كامل في بنيتها التحتية المتعلقة بالطرق والخدمات الصحية والتعليمية وغيرها.

وصار الأمر أكثر صعوبة عندما بدأت المواد الغذائية تنفد من المدينة، فكانت هناك عائلات تكتفي بوجبة واحدة فقط في اليوم، خوفًا من أن ينفد ما يمتلكون من مواد إضافة إلى عمليات القصف التي استهدفت الأحياء المدنية والأماكن الحيوية .

واجه المدنيون صعوبة في الخروج من منازلهم لمسافات كبيرة، فالحياة تعطلت بتعز وقراها بشكل كبير، توقف أيضًا القطاع الحكومي والقطاع الخاص وأيضًا المدارس والمستشفيات، وتم استهداف محطة الكهرباء الرئيسية، وأيضًا محطة المياه فأصبحت شوارع المدينة مظلمة وشبه خاوية، وكأن أهلها دخلوا في إضراب شامل.

"طريق طالوق" كان المنفذ الأساسي بالرغم من كونه أكثر الطرق وعرة بشكل مخيف كونه طريقاً جبلياً- حسب قول الناشطة أنيسة الحمزي- لكن لم يكن هناك بديل آخر، فكان هذا الطريق بمثابة الشريان الأساسي والوحيد الذي يتم إدخال المواد الغذائية والأدوية من خلاله وكان يتم نقلهم عبر الحمير، وكان لأهل هذا المكان فضل كبير في مساعدة أبناء المدينة وإيصال المعونات إليهم. لم يقتصر الأمر على المبادرات الغذائية والصحية فقط، فبسبب قصف المدارس وعدم وجود أماكن للتعليم، تم استحداث ما يطلق عليها الفصول البديلة والتي ساهمت في إنشائها أنيسة ورفاقها.

في 2016 بدأت المدينة تقاوم بشكل قوي، فظهرت ما تسمى المقاومة الشعبية واللي كان لها فضل كبير فيما حدث من حراك داخل المدينة. تلك المجموعات التي بدأت فيما بعد تفاوض الأطراف المعنية خارجيا وداخليا، فبدأ الحديث على ترك الجانب الإنساني بعيدًا بعيدا عن الصراع، وكانت أنيسة ضمن النساء اللاتي شاركن في تلك المفاوضات مع جماعات الحوثي، لكنهم لم يصلوا الى طريق واضح معهم رغم استمرار التفاوض عاماً كاملاً.

وفقًا للناشطة اليمنية أنيسة الحمزي، فإن النساء تأثرن بشكل كبير، فعلى المستوى التعليمي جلست نحو 44 ألف طالبة في المنازل، بسبب قطع الطرق، ولم تكن البنات يستطعن الوصول إلى المدارس، حتى استحدثت الفصول البديلة عام 2016، لكن الصعوبة كانت في الجامعات الحكومية والتي توقفت لسنوات؛ ما اضطر الآلاف من الطالبات والطلاب للتوقف عن الدراسة، حتى الجامعات الخاصة التي استمرت في دراستها واجه طلابها المقيمون بمنطقة الحوبان ومن يقطنون على أطراف المدينة صعوبة في الوصول إليها.

القصة التالية