دراسة حديثة: قيم مؤشر كتلة الجسم تختلف باختلاف العِرق
(د ب أ)
سلطت دراسة بحثية جديدة الضوء على عيب جديد يُحتمل وجوده في "مؤشر كتلة الجسم"، الذي ينظر إليه بوصفه مقياسا للعلاقة بين الوزن والطول، يتحدد باحتسابه مدى تمتّع الفرد بوزن صحي مثالي. ولطالما تعرّض مؤشر كتلة الجسم للانتقاد بوصفه "أداة غير دقيقة" لقياس العلاقة بين الوزن والطول. ويقول منتقدو هذا النظام إنه قد يمنع إمكانية الكشف المبكر عن خطر تعرّض الأفراد من أعراق معينة للإصابة بمرض السكري من النوع الثاني.
وفي هذا السياق شدّدت الدكتورة ليزلي هاينبيرج، خبيرة علم النفس وطبيبة الأمراض ششالنفسية وإدارة الوزن في المستشفى الأمريكي المرموق كليفلاند كلينك، على أهمية أن يعرف كل من الأطباء والمرضى القيم الفاصلة في مؤشر كتلة الجسم، والتي تختلف باختلاف العِرق.
وقالت إن باحثين في بريطانيا وجدوا حديثا أن قيمة مؤشر كتلة الجسم المرتبطة بارتفاع خطر الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني تختلف بالاختلاف العِرقي بين الأفراد؛ موضحة أن قيمة مؤشر كتلة الجسم البالغة 30 أو أعلى، مثلا، تدلّ على زيادة مخاطر الإصابة بالسكري من النوع الثاني لدى البيض، أما في السود فالقيمة تبلغ 28 أو أعلى، في حين أنها 23.9 أو أعلى لدى شعوب جنوب آسيا، و26 أو أعلى لدى شعوب منطقة الشرق الأوسط.
وأضافت الخبيرة في إدارة الوزن أن المشكلة في اتباع قيَم معيارية ثابتة لجميع الشعوب والأعراق عند استخدام مؤشر كتلة الجسم، تكمن في التوصيات والخيارات العلاجية، التي يطرحها بعض مقدمي الرعاية الصحية على المرضى لإحداث تغييرات حياتية مرتبطة بمرض السكري، وذلك استنادا على مستوى الخطر الخاصّ بالأفراد من العرق الأبيض، ما يعني أن الأفراد المنتمين إلى الأعراق الأخرى قد لا يتلقّون التدخل الطبي الصحيح في الوقت المناسب.
وأوضحت الدكتورة هاينبيرج سبب الاستمرار في استخدام مؤشر كتلة الجسم مرجعا للخطط العلاجية، مُسدية أبناء الأعراق الأخرى نصائح بشأن الحرص على اتباع المسار السليم بالرغم من التناقضات.
من أين أتى مؤشر كتلة الجسم؟
وضع صيغةَ حساب كتلة الجسم عالمُ الرياضيات والفلكي وعالم الاجتماع والإحصائي البلجيكي لامبرت أدولف جاك كوتيليه، لكن تركيزه لم يكن منصبا على دراسة السمنة عندما طور المؤشر، الذي عُرف في البداية باسم "مؤشر كوتيليه" (الوزن بالكيلوجرام مقسوما على مربع الطول بالمتر)، وإنما كان يبحث في بيانات الجريمة، التي جمعها على مدى سنوات لربط الجريمة بالظروف الاجتماعية. وقد لاحظ كوتيليه، أثناء الدراسة، وجود علاقة بين طول الشخص البالغ ووزنه.
وفي العام 1972، أعطى عالم الفسيولوجيا الأمريكي أنسيل كيز مؤشر كوتيليه اسما جديدا حين وجد في المعادلة طريقة جيدة لتحديد السمنة، أشار إليها بمؤشر كتلة الجسم.
وقالت الدكتورة هاينبيرج إن هذه المعادلة تأخذ الطول في الاعتبار، مشيرة إلى أن الوزن يزيد عموما بزيادة الطول. وأضافت: "طُوّر المؤشر أكثر ليناسب نموذج الجداول الاكتوارية، من أجل تحديد الأفراد الأكثر عرضة للوفاة جرّاء السمنة، وهو أمر منطقي عند النظر إلى عدد كبير من السكان. ولا يزال العديد من المؤسسات والشركات يعتمد على مؤشر كتلة الجسم في تقديم خدمات مثل التأمين أو الإجراءات الطبية.
عيوب مؤشر كتلة الجسم
واعتبرت طبيبة الأمراض النفسية وإدارة الوزن في كليفلاند كلينك أن مؤشر كتلة الجسم قد يفتقر إلى الدقة عند استخدامه في قياس صحة الفرد؛ نظرا لأنه يترك الكثير من الصفات الجسدية خارج المعادلة، موضحة أنه لا يأخذ في الاعتبار الكثير من الأشياء المتعلقة بالفرد. وأضافت: "يمكن أن تغدو المسألة تقييما سهلا للفرد إن حصلنا على طوله ووزنه مقارنة بالتقييم الشامل. وعندما يكون التفكير متجها صوب صحة الفرد والمخاطر الصحية التي يتعرض لها، فإن أخذ المعلومات الأساسية في الاعتبار يكون مفيدا، لكن لا يمكن فعل الشيء ذاته عند النظر إلى ملايين الأفراد".
علامات جسدية أخرى على المخاطر الصحية
وبينما يُعدّ مؤشر كتلة الجسم إحدى طرق قياس المخاطر، أشارت الدكتورة هاينبيرج إلى وجود دلائل جسدية أخرى يجب الانتباه إليها، مثل محيط الخصر، ونسبة محيط الخصر إلى الورك، وأماكن توزّع الوزن الزائد في الجسم، معتبرة أن هذه الدلائل قد تلعب دورا أهمّ عندما يتعلق الأمر بعلاج أمراض التمثيل الغذائي.
ومضت إلى القول: "إذا أخذنا في الاعتبار شكل الجسم الشبيه بالتفاحة أو الكمثرى، فإننا نعرف أن الوزن الزائد في البطن بالجسم الشبيه بالتفاحة مرتبط بارتفاع مخاطر القلب والأوعية الدموية وأمراض التمثيل الغذائي. كذلك، فإنه عند النظر إلى حالات مرضية أخرى كانقطاع النفس الانسدادي النومي، نجد أن محيط العنق مهم، وكل هذا يتجاوز مؤشر كتلة الجسم".
حماية الصحة
وأكّدت الدكتورة هاينبيرج أن مؤشر كتلة الجسم يترك مجموعة كبيرة من الأفراد خارج المعادلة؛ نظرا لأنه نشأ من القياسات الجسدية للرجال الأوروبيين البيض، موصية كل فرد بالحصول على الصورة الكاملة لصحته.
ومن المفيد في هذه الدراسة، بحسب الخبيرة الطبية، أنها تساعد في توضيح ضرورة عدم اللجوء إلى مؤشر كتلة الجسم "وحده" لتحديد ما إذا كان الشخص يتمتع بصحة جيدة أم لا أو أنه نحيف أم سمين، مؤكدة أنه ينبغي اعتبار المؤشر "إحدى العلامات الحيوية للجسم".
وقالت: "إذا رأى مقدم الرعاية الصحية شخصا لديه مؤشر كتلة جسم مرتفع، ولا سيما إذا كان من مجموعة سكانية معرّضة بشكل أكبر للإصابة بمرض السكري من النوع الثاني، فعليه إجراء بعض الفحوص المخبرية وتقييمات إضافية، ومناقشة أية عوامل يمكن أن تُبعد المريض عن مرحلة ما قبل السكري أو نطاق مرض السكري الكامل، وقد تشمل هذه الإجراءات عادات النوم وإدارة الإجهاد والتغييرات الغذائية وزيادة النشاط البدني".
وأوصت الطبيبة المرضى بعرض التاريخ العائلي للسكري أو ارتفاع ضغط الدم أو أية مخاطر صحية أخرى على أطبائهم، مؤكدة أنه كلما زادت المعلومات المتوفرة، أصبح مقدمو الرعاية الصحية أكثر استعدادا لمراقبة صحة الفرد ومساعدته في إدارة أية حالات مرضية قد تصيبه.
أبرز ما يجب مراعاته حول مؤشر كتلة الجسم
وأوضحت الدكتورة هاينبيرج أن الرسالة المهمة الأخرى، التي ينبغي إيصالها للأفراد، تفيد بأنه ليس عليهم أن يفقدوا قدرا كبيرا من الوزن لتحسين صحتهم. وانتهت إلى أن هناك رسالة وصفتها بالمؤسفة مفادها أن الجميع يجب أن يقعوا داخل هذه الفسحة الضيقة من مؤشر كتلة الجسم، لكنها أكّدت أن فقدان قدر قليل من الوزن، يتراوح بين 2.5 و4.5 كجم "كفيل بإحداث تحسينات ملموسة ترتبط بتقليل مخاطر التمثيل الغذائي ومخاطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية".
فيديو قد يعجبك: