لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

مخاطر "كبت المشاعر" على صحتك في مكان العمل

05:01 م الجمعة 22 يونيو 2018

مخاطر "كبت المشاعر" على صحتك في مكان العمل

- مصراوي:

أحيانا ما نضطر جميعا للتظاهر بغير ما نشعر به أثناء العمل، ولكن هل نعي عواقب ذلك على صحتنا؟

تخيل أنك تسير في ممر ضيق على ارتفاع 35 ألف قدم عن سطح البحر دافعا أمامك عربة تحمل مأكولات ومشروبات لركاب لا يكفون عن طلب شيء تلو الآخر، يعترض سبيلك طفل أفلت توا من والديه، وراكب يشكو عدم الدفع نقدا لحاجة اشتراها، وآخر يبدو متلهفا للمرور باتجاه المرحاض، والمطلوب منك دوما وأبدا أن تلقى الجميع بذات الود والابتسام، بحسب ما ذكرته وكالة BBC البريطانية.

"أعباء معنوية"

وأيا كانت وظيفتك، فعلى الأرجح ستمضي قدرا لا بأس به يوميا مجتازا تلك التجربة.

ومؤخرا، وسع علماء النفس دائرة أبحاثهم لتشمل وظائف أخرى ووجدوا ارتباطا مباشرا بين شعور الموظف باستنفاد طاقاته والكيفية التي يتعامل بها مع مشاعره أثناء العمل عنه بحجم التعامل نفسه.

فالمرء يشعر بجهد كبير في محاولة الظهور بمظهر المتحمس لفكرة زميل، أو تجنب إبداء النقد، أو عدم البوح بما يشعر به من إيذاء من تصرفات الآخرين، ما يفرض ضغطا واضحا على طاقات المرء الداخلية.

وأحيانا يبلغ الأمر ذروته بتراكم تلك الضغوط. تقول "ميرا"، مكتفية باسمها الأول، إنها اضطرت مؤخرا لترك وظيفتها بشركة طيران كبيرة بالشرق الأوسط لما لحق بها من ضرر عقلي جراء عملها.

ففي منصبها الأخير دائما ما كان التركيز على إرضاء الزبون باعتباره "دائما على حق"، مضيفة: "تجرأ أحد الركاب مرة بنعتي بالساقطة لأنني تركته دون قهوة وتوجهت بالسؤال للراكب التالي، رغم أنني أعدت عليه الطلب مرتين قبل تركه، فإذ بوابل من الشتائم ينهال علي".

وتتابع قائلة: "حينما شكوت إلى مديري بادرني بالقول إنني لابد أثرته حتى فعل ما فعل، بل وطلب مني الاعتذار له".

تقول "ميرا" إنها لم تكن تشعر بالتعب حينما تصطنع انطباعات الهدوء على وجهها خلال المطبات الجوية أو الهبوط الاضطراري حتى لا يقلق الركاب، أما التعرض للظلم والإهانة فكان يشعرها بالقهر، ناهيك عما تعرضت له من إساءات وحط من قدرها لأنها امرأة وكان مطلوبا منها أن ترسم ابتسامة على وجهها تخفي ما تشعر به من غبن.

ومع مرور السنين، وما زاد الطين بلة وظيفتها الأخيرة، بدأت نتائج تلك الضغوط تظهر عليها، فأصبحت تقلق لأقل الأشياء وترهب الذهاب إلى العمل.

وتتلقى الموظفة السابقة الآن علاجا نفسيا للتخلص مما لحق بها من ضرر، وتقول إن البعد عن الأسرة وساعات السفر الطويلة كانت أيضا سببا فيما أصابها، وإن كانت على الأرجح ستظل في عملها لولا ما تكبدته من العناء جراء كبت مشاعرها.

تلك الموظفة ليست حالة منفردة، فكثيرون حول العالم، باختلاف مهنهم، يواجهون ثقافة تتطلب منهم الظهور بمظهر معين والتحلي بنمط بذاته من قبيل الطموح المستمر والسعي الدائم للترقي، بل والصلابة والخشونة أحيانا.

قبل بضع سنوات نشرت صحيفة نيويورك تايمز مقالا طويلا بعنوان "طريق أمازون" ضمنته أمثلة محددة على المطالب الشاقة المفروضة على موظفي شركة أمازون العملاقة للشراء عبر الإنترنت، ونتائج ذلك سلبا وإيجابا عليهم - فبينما حفزت تلك البيئة بعضهم على مزيد من النجاح، وجد آخرون أنفسهم بمواجهة ضغوط هائلة لمواكبة مطالب الشركة.

وكثيرا ما يُطلب من العامل توفير خدمة جيدة للعميل القلِق أو الغاضب دون مراعاة ما يشعر به العامل نفسه من إحباط أو قلق أو مهانة، ويؤدي هذا "الكبح المستمر للمشاعر"، بحسب لينارد "لأن يشعر الموظف بعدم القيمة والعزلة عن الآخرين".

تقول هوكشيلد إننا نتعامل مع العبء المعنوي بإحدى طريقتين، إما عبر التفاعل السطحي أو التفاعل العميق، ولكل طريقة تبعاتها.

فعلى سبيل المثال، حينما يتلقى موظف مكالمة صعبة، إما أن ينزع للتفاعل السطحي بأن يتجاوب مع المتصل بتبني التعابير الصحيحة ظاهريا كأن يقول ما يفترض قوله مستمعا لغضب المتكلم دون أن تتأثر مشاعره؛ أو أن يتفاعل بعمق باذلا جهدا حقيقا لتغيير مشاعره للتلامس مع المتكلم، ومقدرا غاية الحديث وإن لم يتفق وطريقة تعبير الشخص الآخر.

ورغم ضرورة التحلي بالسلوك المنضبط خلال العمل والتعامل بشكل مهني مع العملاء المتعبين والزملاء الصعبين، فإن محاولة فهم موقف الآخرين سيترك في نهاية المطاف مردودا أكبر على الموظف نفسه عما لو اكتفى بالتظاهر بشيء خلافا لما يشعر به في أعماقه.

والخلاصة أن بيئة الصدق والشفافية في العمل تؤتي نفعا للجميع، إذ يؤكد الخبراء النفسيين أن المؤسسات التي تتيح لعامليها فرصة الاسترخاء بعيدا عن الانضباط الانفعالي المستمر والتعبير بين الحين والآخر عما يشعرون به فعلا في أجواء من التفهم دون الحكم عليهم، وإفساح المجال للأحاديث الجانبية مع الزملاء في ظل تلك الأجواء، تكون عادة "أكثر قدرة على النجاح في تلبية متطلباتها".

تلك الأجواء تعزز الشعور بالفهم المتبادل ما يحقق للعاملين القدرة على فصل مشاعرهم عن واقع تعاملاتهم اليومية. إذ على العاملين التفهم والتعاطف ما أمكنهم وإدراك ما تخلفه تعاملاتهم اليومية من آثار والتعبير بصدق عنها، ما سيوفر عليهم "عبء التصنع والاستنفاد الكامل جراء الجهد المضني والاستياء من بيئة العمل التي تفرض ذلك".

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان