صحراء كالاهاري .. متعة السفاري الإفريقية
(د ب أ) -
توفر جنوب إفريقيا فرصة رائعة لعشاق رحلات السفاري للاستمتاع بالمناظر الطبيعية الخلابة والانطلاق وسط البرية، وتزخر مقاطعة كيب الشمالية بالكثير من المتناقضات، فإلى جانب مناطق السافانا، التي لم تتساقط فيها الأمطار لسنوات عديدة، توجد بها واحدة من أنجح مزارع العنب في البلاد. ويمكن للسياح الاستمتاع بجولة على طول الحدود بين بوتسوانا وناميبيا.
وفي الصباح ترسل الشمس أشعتها الحارقة على المنطقة، التي كان يسودها هواء بارد في الليل. ويقف السياح وهم يغالبون النوم أمام المبني الواقع على حافة المحمية الطبيعة كغالاغادي ترانسفرونتير، والتي تقع في المنطقة الشمالية من جنوب إفريقيا بالقرب من الحدود مع بوتسوانا. ويشاهد السياح بعض الحيوانات الصغيرة المنتشرة على الرمال الحمراء.
وحذر حارس المحمية الطبيعية ياكو رايشرت، السياح أثناء التجول ونصحهم بالانتباه لموضع أقدامهم وكواحلهم، ويصطحب الحارس السياح في منطقة تنتشر بها حيوانات النمس، والتي عادة ما تهاجم الزوار، الذين يرتدون سراويل قصيرة، وتقف هذه الحيوانات على أرجلها الخلفية وتمد بطنها باتجاه أشعة الشمس الساطعة.
وتعتبر مقاطعة كيب الشمالية من أكبر المقاطعات في جنوب إفريقيا، ويقع أبعد طرف فيها بين بوتسوانا وناميبيا. وتبدأ المناظر الطبيعية في محمية كغالاغادي العابرة للحدود بمشهد مشابه للصحراء الرملية في كالاهاري، وهنا تتحرك الحيوانات، التي تستوطن هذه المنطقة بكل حرية على مساحة كبيرة من الأراضي المستوية؛ حيث لا يوجد أي سياج يحول دون انتقال الفهود والثعالب والحيوانات البرية من عبور الحدود بين البلدان الإفريقية.
وعلى مسافة 250 كلم في اتجاه الجنوب يتدفق نهر أورانج إلى ناميبيا ويسلك طريقه في الأرضية الصخرية. وتضم المشاهد الطبيعية على مجرى النهر الكثير من الكثبان الرملية الخلابة والتكوينات الصخرية الرائعة والوديان والمنحدرات البديعة.
وبفضل توفر المياه في هذه المنطقة فإنها تعتبر واحدة من أغنى مناطق زراعة العنب في جنوب إفريقيا؛ حيث تمتد المزارع لمسافة الكيلومترات. ومع كل هذه المناظر تبدو الطبيعة البرية واضحة للعيان؛ حيث يشاهد السياح الزرافات في محمية "أوغرابيس فالس"، التي تقع بالقرب من الحدود مع ناميبيا، كما تعيش النمور بجوار المياه الهادرة في هذه المحمية الطبيعية.
وفي المقابل تسود صحراء كالاهاري مناظر القحط والجفاف، وتبدو التلال والهضاب بدرجات الألوان الترابية، بدءا من الرمال البيضاء في التلال وصولا إلى اللون الأحمر الساطع في الكثبان الرملية. ويعتبر الغطاء النباتي في معظمه عبارة عن أشجار ونبات شوكية وعشب جاف، وقد جفت الملاحات، التي كانت توجد في البحيرات السابقة، بفعل أشعة الشمس الحارقة. ويعتبر استخراج الملح من هذه الملاحات إلى جانب النشاط السياحي من أهم الأنشطة الاقتصادية في هذه المنطقة.
وفي هذه المنطقة القاحلة تحتاج النباتات والحيوانات إلى خصائص وسمات معينة للبقاء على قيد الحياة؛ حيث تمتد جذور أشجار السنط هنا إلى عمق 100 متر في باطن الأرض الرملية، كما تتحمل حيوانات المها الضخمة درجات الحرارة المرتفعة هنا حتى 46 درجة مئوية بفضل نظام التبريد الموجود في أنوفها، علاوة على أنها تعرف إمدادات خاصة من المياه؛ حيث تحتوى النباتات، التي تسمى "جذور المها" على نسبة عالية من المياه، وعلى الرغم من الطعم المر لهذه الأعشاب إلا أنها تحميها من التعرض للجفاف.
وعلى الجانب الغربي من المحمية الطبيعية يوجد لودج «!Xaus»، والذي يضم 12 كوخا خشبيا متصلة مع بعضها البعض بواسطة السياج. وانطلق السياح في جولة ليلية برفقة المرشدة السياحية ميليسا؛ حيث طلبت منهم ضبط الكشافات الأمامية إلى أسفل حتى لا تتسبب في إحداث ضرر بالنعام، الذي قد يُصاب بالعمى إذا نظر في الإضاءة المباشرة لعدة دقائق، وبالتالي فإنه يصبح فريسة سهلة.
وتنتمي ميليسا إلى قبيلة مير، التي تعتبر مجموعة عرقية تنتمي إلى السكان الأصليين لصحراء كالاهاري إلى جانب قبيلة سان خوماني، وقد ترعرت هذه الشابة في إحدى المزارع المجاورة قبل أن تبدأ عملها في مطبخ اللودج، وانتقلت بعد ذلك للعمل كمرشدة سياحية مع أندريس، الذي دربها على العمل وأخبرها بالمعلومات اللازمة عن صحراء كالاهاري.
وتعد معارف وتقنيات الصيد لقبيلتي مير وسان خوماني من التراث والفولكلور بشكل أساسي، وقد شهدت حقبة الستينيات من القرن المنصرم طرد هذه القبائل من كالاهاري، وتم حرمانهم من حياتهم التقليدية. ومع مطلع الألفية الثالثة طالبت الجماعات المتبقية باسترجاع 50 ألف هكتار من الأراضي، غير أن الوقت الذي يعيش فيه جامعو الثمار وصائدو الحيوانات قد مضى بغير رجعة وأصبح جزءا من الماضي. ولذلك تم بناء لودج في هذه المنطقة التراثية كمصدر إضافي للدخل، ويتم تقسيم عائدات السياحية جزئيا على القبيلتين.
ويتم الاستعانة بشركة لها خبرة في السياحة والفندقة للإشراف على اللودج، ولكن أغلب الموظفين من قبيلتي سان ومير؛ حيث أوضح مدير اللودج قائلا: "نحن نساعدهم لتحسين مستوى معيشتهم". ولكنه قد يواجه بعض المشكلات في بعض الأحيان بسبب عقلية الأفراد بقبيلة سان؛ نظراً لأنهم يريدون الاستمتاع بالحياة والاسترخاء.
وقد استمرت فترة الجفاف في صحراء كالاهاري لمدة أربع سنوات، ولذلك تتدافع الحيوانات نحو العدد القليل من البحيرات؛ حيث يسود قانون البقاء للأقوى، إذ تنعم أسود كالاهاري بحق لانهائي في الشرب في هذه البيئة القاحلة. وتظهر حيوانات المها ذات القرون، التي تشبه الرماح في موقف ضعف وسط هذا الحشد الهائل من الحيوانات المتدافعة نحو المياه.
فيديو قد يعجبك: