خدمة المرأة لزوجها في الشرع .. وجدلية الصراع
بقلم – هاني ضوَّه :
نائب مستشار مفتي الجمهورية
موجة من الجدل سادت شبكات التواصل الاجتماعي خلال الأيام الماضية والسبب "كوب من الشاي" .. بعد أن دعت إحدى الناشطات الفتيات إلى رفض إعداد كوب الشاي لزوجها إذا طلب منها ذلك بحجة أن الشرع الإسلامي لا يوجب على المرأة خدمة زوجها في البيت أو قضاء احتياجات المنزل.
وتباينت ردود الأفعال ما بين مؤيد ومعارض وما بين من يبحثون على توفيق أو حل وسط، وأظن أن السبب في موجة الجدل هذه هو غياب الفهم الصحيح لطبيعة العلاقة الزوجية التي يجب ألا تقوم على الندية والصراع، وغاب عنهم معاني السكن والمودة والرحمة التي هي الغاية الأسمى في العلاقة الزوجية، حيث يقول الله تعالى في كتابه الكريم: (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ).
والخلاف حول وجوب خدمة المرأة لزوجها في الشريعة الإسلام هو خلاف قديم وتعدد فيه آراء العلماء، على ثلاث اتجاهات.
الاتجاه الأولى يرى أن المرأة لا يجب عليها خدمة زوجها في بيته وبعضهم قال بل يجب على الزوج أن يوفر لها خادمة أو يعطيها أجر خدمتها، وعلى ذلك عدد من فقهاء المذاهب الأربعة.
أما الاتجاه الثاني فيرى أنه يجب على المرأة خدمة زوجها وقضاء احتياجات المنزل ومن هؤلاء العلماء الشيخ محمد عبده والشيخ محمود شلتوت والشيخ أبو زهرة، مع إرشادهم أن يوفر الزوج لزوجته من يعينها علي أعمال البيت إذا توفرت قدرته.
بينما يرى الاتجاه الثالث أن الأمر يرجع إلى العُرف السائد عند أهل البلدان والمدن وما اعتادوا عليه وكذلك إلى حاجة الزوج المادية.
وبعيدًا عن جديلة الصراع الذكوري الأنثوي، وبغض النظر عن الخلافات الفقهية وأدلة جميع الأطراف فقد نظر كل فريق إلى العرف السائد في زمانه ومجتمعة، ونحن يجب ألا ننظر إلى المسألة على أنها صراع بين الزوجين. فالحياة الزوجية يجب أن تقوم على المودة والرحمة وحسن العشرة، ولكل من الزوجين دور يقوم به، ولنا في سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أسوة حسنة.
فالأمر تحول من كونه بحث عن شرع الله وتطبيقه إلى صراع لإثبات الذات وإعلائها، وإلا فإنه هناك آراء فقهية تقول بأن نفقة الزوجة تسقط عن الرجل إذا ما خرجت هي للعمل وأصبح لها كسب، لأنها لم تحتبس في بيتها من أجل الزوج، رغم أنه من المعروف أن نفقة الزوجة واجبة على الزوج. فإذا فتحنا الباب وفق مبدأ الصراع بين الزوجين لبحث كل منهما عن الرأي الفقهي الذي ينصره ويزكيه ويحقق له الفوز في هذا الصراع.
ولو تأملنا كتب السيرة النبوية المطهرة لوجدناها مليئة بما ينهي هذا الصراع والجدل، فقد كان الحبيب صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله كان في خدمة أهل بيته يساعدهم، وكان يخيط ثوبه ويخصف نعله ويعمل ما يعمل الرجال في بيوتهم.
وكذلك كان النبي النبي صلى الله عليه وآله وسلم يطلب أمور من أمهات المؤمنين فيقول: "يا عائشة أطعمينا"، "يا عائشة هلمي المدية واشحذيها بحجر".
بل كانت حبيبة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سيدتنا فاطمة الزهراء رضي الله عنها وعن زوجها وأبنائهما جائت يومًا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم تشتكي من خدمة البيت وتسأله أن يهديها خادمًا فلم تجد النبي، فذكرت ذلك للسيدة عائشة رضي الله عنها، فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخبرته. قال الإمام علي بن أبي طالب: فجاءنا النبي وقد أخذنا مضاجعنا، فذهبنا نقوم، فقال: "مكانكما، فجاء فقعد بيننا حتى وجدت برد قدميه على بطني، فقال: "ألا أدلكما على ما هو خير لكما مما سألتما؟ إذا أخذتما مضاجعكما فسبحا الله ثلاثا وثلاثين، واحمدا ثلاثا وثلاثين، وكبرا أربعا وثلاثين، فهو خير لكما من خادم". قال الإمام علي: فما تركتها بعد، قيل: ولا ليلة صفين؟ قال: ولا ليلة صفين".
والنصوص كثيرة في ذلك .. إذا الأمر ليس صراع، وليس حرب أو نديه بين الزوجين، بل هي مسؤولية مشتركة وتعاون بين الاثنين على مهام المنزل والحياة، وقدوتنا فيها النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي أوصانا بالنساء خيرًا وقال: " خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي"، وقال كذلك: "أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا، وخياركم خياركم لنسائهم خلقًا".
موضوعات متعلقة:
فيديو قد يعجبك: