الدليل النبوي للتعامل مع المشكلات الزوجية
بقلم – هاني ضوَّه :
نائب مستشار مفتي الجمهورية
لا يخلو بيت من المشكلات الزوجية، لأن هذه هي طبيعة البشر وسنة الحياة، وحتى بيت النبوة الشريف لم يسلم من تلك المشكلات، ولكن الرسول صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله واجه تلك المشكلات بحكمة وفطنة ورحمة ليكون أسوة حسنة للناس في ذلك.
وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يتعامل مع المشكلات الزوجية بطرق مختلفة، فمرة يستخدم الابتسامة والدعابة، ومرة يستخدم أسلوب التغاضي وقت الغضب، ومرة أخرى الحوار والاقناع أو العظة والتذكير، وكذلك التروي والثبات قبل إصدار الأحكام.
ومن بين تلك الأمور التي قد تقع بين الزوجين غيرة المرأة على الرجل، فحتى بيت النبوة لم يسلم منها، فقد كانت أمهات المؤمنين رضي الله عنهم يغرن على الحبيب صلى الله عليه وسلم وخاصة أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها التي كانت شديدة الغيرة على النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن الغيرة بين نساء النبي لم تصل يومًا إلى حد الحقد والضغائن ولا إلى حد الظلم والجور.
وتروي لنا كتب الحديث السيرة كيف كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يتعامل مع غيرة زوجاته، ومن تلك المواقف أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كان في بيت السيدة عائشة رضي الله عنها، وكان لديه بعض الضيوف دعاهم إلى تناول الطعام فسمعت السيدة زينب بنت جحش بذلك فأرسلت مع خادمتها طبق فيه ثريد عليه ضلع شاة وهو الطعام الذي تعرف أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كان يحبه.
وما أن رأت السيدة عائشة هذا الطعام حتى دبت فيها نار الغير، فضربت الطبق بيدها فسقط على الأرض وانكسر، ثم دخلت مسرعة لحجرتها وهي تبكي..
لم يغضب النبي ولم يثر.. بل كان معالجته للأمر بأن ابتسم وقال للصحابة الكرام: "غارت أمكم .. غارت أمكم". وذلك لأنه صلى الله عليه وسلم يعلم جيدًا طبيعة المرأة وتعامل معها على هذا الأساس.
وموقف أخر تعامل معه النبي صلى الله عليه وآله وسلم بحكمة شديدة، وذلك عندما دخل النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم على السيدة صفية رضي الله عنها وهي تبكي فقال لها: "ما يبكيك؟" فقالت: "حفصة قالت: "إني ابنة يهودي"، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنك لابنة نبي، وإن عمك لنبي، وإنك لتحت نبي"، ففيم تفخر عليك؟"، وفي رواية قولي لها: "زوجي محمد وأبي هارون وعمي موسى".
فهنا استخدم النبي صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الحكمة والترضية لمعالجة مشكلة الغيرة التي وقعت بين أمهات المؤمنين رضي الله عنهن.
كان الحبيب صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله رفيقًا بزوجاته عند الغضب أو الخلاف، وتجلى ذلك في إحدى المواقف مع أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها، ففي مرة وقع خلاف بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم والسيدة عائشة رضي الله عنهما فقال لها من ترضين بيني وبينك.. أترضين بعمر؟ قالت: لا أرضي عمر قط "عمر غليظ". قال أترضين بأبيك بيني وبينك؟ قالت: نعم، فبعث رسول الله رسولاً إلى سيدنا أبي بكر رضي الله عنه فلما جاء قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: تتكلمين أم أتكلم؟ قالت: تكلم ولا تقل إلا حقاً، فرفع أبو بكر يده فلطم أنفها، فولت السيدة عائشة رضي الله عنها هاربة منه واحتمت بظهر النبي صلى الله عليه وآله وسلم والتصقت به بشدة، حتى قال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أقسمت عليك لما خرجت بأن لم ندعك لهذا.
فلما خرج قامت السيدة عائشة فقال لها النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ادني مني؛ فأبت؛ فتبسم وقال: لقد كنت من قبل شديدة اللزوق (اللصوق) بظهري - إيماءة إلى احتمائها بظهره خوفًا من ضرب أبيها لها -، ولما عاد أبو بكر ووجدهما يضحكان قال: أشركاني في سلامكما، كما أشركتماني في دربكما".
وهكذا كان الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم في كثير من مواقف الغيرة التي تقع بين زوجاته رضي الله عنهن، كان يتعامل معها بحكمة ورحمة، لأنه يعلم أن الغيرة طبع أصيل في المرأة، وأنه دليل حب كبير.
موضوعات متعلقة:
- الرحمة النبوية في العلاقة الأسرية
فيديو قد يعجبك: