هل يسقط الصداق أو مؤخره بمرور الزمن؟
رجل مسلم تزوج بامرأة مسلمة على صداق قدره ألف جنيه تعهد لها كتابة بدفعه على دفعتين تحت طلبها، ثم دخل بها ولم تقبض من مهرها شيئًا، وبعد ذلك طالبته بهذا المبلغ.
فهل يسقط حقها بالدخول، ولو بعد مضي ثلاث عشرة سنة على دخوله بها، أم كيف الحال؟
يجيب فضيلة الشيخ عبد المجيد سليم :
اطلعنا على هذا السؤال، ونفيد بأن المهر قد وجب بالعقد، وتأكد بالدخول فأصبح جميعه دينًا قويًّا في ذمة الزوج لا يسقط إلا بالأداء أو الإبراء، فلا يسقط شيء منه بالدخول، ولا بمضي مدة بعد الدخول مهما طالت؛ إذ الحق لا يسقط بتقادم الزمان، وليس في هذا شبهة كما لا شبهة في سماع دعواها كل المهر بعد الدخول إذا لم يكن هناك عرف شائع بأنها لا تسلم نفسها إلا بعد قبض شيء من المهر أو كان هناك عرف كذلك .
ولم يدَّع الزوج إيصال شيء لها على ما قاله صاحب البحر بحثًا، أما إذا كان هناك عرف شائع بأنها لا تسلم نفسها إلا بعد قبض شيء من المهر وادعى الزوج إيصال شيء إليها، فهذا موضع خلاف بين العلماء، فمنهم من يحكم هذا العرف، ويقول: "إن العرف الشائع مكذب لها في دعواها عدم قبض شيء فإما أن نقر بما تعجلت من المتعارف وإلا قضي عليها بالمتعارف تعجيله، ونقلوا ذلك عن الفقيه أبي الليث"، وقال ابن عابدين: "إن ما قاله الفقيه مبني على أن العرف الشائع مكذب لها في دعواها عدم قبض شيء، وحيث أقره الشارحون وكذا قاضيخان في شرح الجامع فيفتى به" إلى آخر ما قال، ومنهم من يقول: "إنه تسمع دعواها كل المهر في هذه الحالة أيضًا؛ لأن كل المهر كان واجبًا بالنكاح فلا يُقْضَى بسقوط شيء منه بحكم الظاهر؛ لأنه لا يصلح حجة لإبطال ما كان ثابتًا به، والذي يظهر لنا هو القول الثاني وهو سماع دعواها كل المهر بعد الدخول.
فإن أقام الزوج برهانًا على ما ادعاه من إيصال شيء إليها عمل بهذا البرهان، وإلا حلفت الزوجة بطلبه على أنها لم يصل إليها ما ادعاه، ولا شيء منه، فإن حلفت قُضِيَ لها بكل المهر، وإن نكلت عن اليمين ثبت ما ادعاه من إيصال ما ادعى إيصاله إليها، وإنما اخترنا هذا القول؛ لظهور وجهه؛ ولأن العادة لا تحيل دخول الزوج على زوجته بدون قبض شيء من المهر حتى يكون دعواها كل المهر من قبيل دعوى المستحيل عادة على أنه بالرجوع إلى عبارة الفقيه أبي الليث التي ذكرها صاحب البزازية والحموي في حاشيته على الأشباه، يعلم أنها لا تدل على ما اختاره ابن عابدين للفتوى كما نبه على ذلك المرحوم الشيخ الرافعي في تقريره على رد المحتار .
وقد ألفت في هذه المسألة (رسالتين)؛ لتأييد القول الذي اخترناه، ولقد أحسن شيخ مشايخنا المرحوم الشيخ عبد الرحمن البحراوي حيث قال في تقريظه لإحدى هاتين الرسالتين ما نصه: "والذي تلخص عندي في حادثة هذه الرسالة أن المهر دين للمرأة على زوجها، ولها أخذه من تركته" -موضوع هذه الرسالة كان الزوج متوفى .
ومثله ما لو كان حيًّا بعد الدخول- ولا يقضى بسقوط شيء منه بحكم الظاهر؛ لأنه لا يصلح حجة لإبطال ما كان ثابتًا كما نقله الرحمتي عن قاضيخان، وإذا كانت المسألة منصوصة في الجامع الصغير للإمام محمد بن الحسن، فالواجب الرجوع إليه، ولا يبطل ذلك ما قاله الفقيه أبو الليث؛ لأنه مخالف لظاهر الرواية، ولأصول المذهب؛ ولقوله -صلى الله عليه وسلم-: "البينة على المدعي، واليمين على من أنكر" إلى آخر ما قال رحمه الله".
وخلاصة ما ذكرنا: أنه لا يسقط شيء من المهر بالدخول، ولا بعد مضي المدة المذكورة في السؤال لما قلناه، وتسمع دعوى الزوجة كل المهر، فإن ادعى الزوج إيصال شيء منه إليها، فإن أقام برهانًا على دعواه، أو استحلفت فنكلت، قضي له بما ادعاه، وإلا قضي بكل المهر لها. هذا ما ظهر لنا.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
فيديو قد يعجبك: