لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

هل يجوز للمسلم أن يُهدي غير المسلم، ويهنئه ويعوده إذا مرض؟

12:48 م الثلاثاء 06 يناير 2015

هل يجوز للمسلم أن يُهدي غير المسلم، ويهنئه ويعوده

يجيب الدكتور على جمعة - مفتى الديار المصرية السابق-:

الوصل، والإهداء، والعيادة، والتهنئة لغير المسلم من باب الإحسان، وقد أمرنا الله عز وجل أن نقول الحسنى لكل الناس دون تفريق قال تعالى: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا}.. [البقرة : 83]، وأمرنا الله بالإحسان دائمًا قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ}.. [النحل : 90]، كما أن الله لم ينهَنا عن بر غير المسلمين، ووصلهم، وإهدائهم، وقبول الهدية منهم، وما إلى ذلك من أشكال البر بهم، قال تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}.. [الممتحنة : 8].

ولقد طبق النبي صلى الله عليه وسلم هذا الفهم القرآني في سنته الشريفة فكان صلى الله عليه وسلم قرآنًا يمشي على الأرض، وكان دائمًا القرآن هو خلقه صلى الله عليه وسلم.. [أخرجه أحمد في مسنده، والبيهقي في الشعب، والسيوطي في الصغير]، فكان صلى الله عليه وسلم يقبل الهدايا من غير المسلمين؛ فقد ثبت في صحيح السنة بما يفيد التواتر أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل هدية غير المسلمين، ومن هذا: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث حاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس صاحب الإسكندرية ـ يعني بكتابه معه إليه ـ فقبل كتابه، وأكرم حاطبًا، وأحسن نزله، ثم سرحه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأهدى له مع حاطب كسوة، وبغلة بسرجها، وجاريتين إحداهما أم إبراهيم، وأما الأخرى فوهبها لجهم بن قيس العبدري».. [معتصر المختصر، وذكره الحافظ في الإصابة، وابن عبد البر في الاستيعاب].

ومن ذلك قصة إسلام سلمان الفارسي رضى الله عنه، وفيها: «جاء سلمان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة بمائدة عليها رطب فوضعها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما هذا يا سلمان؟ قال: صدقة عليك وعلى أصحابك. قال: ارفعها فإنا لا نأكل الصدقة، فرفعها وجاء من الغد بمثله فوضعه بين يديه. فقال: ما هذا يا سلمان؟ قال: صدقة عليك وعلى أصحابك. قال: ارفعها فإنا لا نأكل الصدقة، فجاء من الغد بمثله فوضعه بين يديه يحمله. فقال: ما هذا يا سلمان، فقال هدية لك، فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: انشطوا».. [أخرجه أحمد في مسنده، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد].

ومن ذلك ما ورد عن علي بن أبي طالب رضى الله عنه قال: «أهدى كسرى لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقبل منه وأهدى له قيصر فقبل, وأهدت له الملوك فقبل منها».. [أخرجه أحمد في مسنده، والبيهقي في الكبرى، والبزار في مسنده].

وقد تعقب هذا الأثر الحافظ العراقي بقوله: «فيه قبول هدية الكافر، فإن سلمان رضى الله عنه لم يكن أسلم إذ ذاك، وإنما أسلم بعد استيعاب العلامات الثلاث التي كان علمها من علامات النبوة، وهي: امتناعه من الصدقة, وأكله للهدية، وخاتم النبوة وإنما رأى خاتم النبوة بعد قبول هديته».. [طرح التثريب، للحافظ العراقي]. فكان قبول الهدية جائز في الشرع، بل هو سنة النبي صلى الله عليه وسلم، بل كان أبرز علامات نبوته صلى الله عليه وسلم التي أخبرت بها الكتب السابقة، وعن أنس رضى الله عنه قال: «عاد النبي صلى الله عليه وسلم غلامًا يهوديًا كان يخدمه».. [أخرجه أحمد في المسند، والبيهقي في الكبرى، وذكره المناوي في فيض القدير].

وقد فهم علماء الإسلام من هذه الأحاديث أن قبول هدية غير المسلم ليست فقط مستحبة لأنها من باب الإحسان؛ وإنما لأنها سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فيقول شيخ الإسلام زكريا الأنصاري: «(ويجوز قبول هدية الكافر) للاتباع».. ([أسنى المطالب، زكريا الأنصاري].

ويؤيد هذا الفهم ما قاله السرخسي وهو: «وذكر عن أبي مروان الخزاعي قال: قلت لمجاهد: رجل من أهل الشرك بيني وبينه قرابة، ولي عليه مال، أدعه له؟ قال: نعم، وصله. وبه نأخذ فنقول: لا بأس بأن يصل المسلم المشرك قريبًا كان أو بعيدًا، محاربًا كان أو ذميًا لحديث سلمة بن الأكوع قال: صليت الصبح مع النبي صلى الله عليه وسلم فوجدت مس كف بين كتفي، فالتفت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هل أنت واهب لي ابنة أم قرفة؟ قلت: نعم. فوهبتها له. فبعث بها إلى خاله حزن بن أبي وهب، وهو مشرك وهي مشركة. وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس مائة دينار إلى مكة حين قحطوا، وأمر بدفع ذلك إلى أبي سفيان بن حرب وصفوان بن أمية ليفرقا على فقراء أهل مكة. فقبل ذلك أبو سفيان، وأبى صفوان وقال: ما يريد محمد بهذا إلا أن يخدع شبابنا. ولأن صلة الرحم محمود عند كل عاقل وفي كل دين، والإهداء إلى الغير من مكارم الأخلاق؛ وقال صلى الله عليه وسلم: "بعثت لأتمم مكارم الأخلاق". فعرفنا أن ذلك حسن في حق المسلمين والمشركين جميعا».. [شرح السير الكبير، للسرخسي].

وقال ابن مفلح الحنبلي بعد ذكر قوله تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}.. [الممتحنة : 8]: «قال ابن الجوزي: قال المفسرون: وهذه الآية رخصة في صلة الذين لم ينصبوا الحرب للمسلمين وجواز برهم وإن كانت الموالاة منقطعة, وذكر عن بعضهم نسخها والتي بعدها آية السيف. قال: وقال ابن جرير: لا وجه له; لأن بر المؤمنين المحاربين قرابة كانوا أو غير قرابة لا يحرم إذا لم يكن فيه تقوية على الحرب بكراع أو سلاح, أو دلالة على عورة أهل الإسلام لحديث أسماء.. ثم قال: واحتج في المغني عليهم بإهداء عمر الحلة الحرير إلى أخيه المشرك، وبحديث أسماء قال: وهذان فيهما صلة أهل الحرب وبرهم».. [الآداب الشرعية، لابن مفلح].

وكذلك ذكر المرداوي الحنبلي حكم تهنئة غير المسلمين، وتعزيتهم، وعيادتهم، فقال: «قوله: (وفي تهنئتهم وتعزيتهم وعيادتهم: روايتان) وأطلقهما في الهداية.. وأن قول العلماء: يعاد، ويعرض عليه الإسلام. قلت: هذا هو الصواب».. [الإنصاف، للمرداوي].

وجاء في الفتاوى الهندية: «ولا بأس بالذهاب إلى ضيافة أهل الذمة، هكذا ذكر محمد رحمه الله تعالى.. ثم قال: ولا بأس بضيافة الذمي، وإن لم يكن بينهما إلا معرفة، كذا في الملتقط.. ثم قال: ولا بأس بأن يصل الرجل المسلم والمشرك قريبًا كان أو بعيدًا محاربًا كان أو ذميًا».. [الفتاوى الهندية].

وقد سئل الشيخ عليش في تهنئة غير المسلمين هل تعد من قبيل الردة فقال: «لا يرتد الرجل بقوله لنصراني أحياك الله لكل عام حيث لم يقصد به تعظيم الكفر ولا رضي به».. [فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك، للشيخ عليش].

ومما ذكر من الآيات الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة، وآراء علماء الإسلام نرى أنه من الإحسان أن يصل المسلم غير المسلم على كل حال من عيادة، وتعزية، وتهنئة، وإهداء، وقبول الهداية، وضيافة، وما إلى ذلك، وأن هذا الشأن أحد أشكال الدعوة إلى دين الله بحسن الأخلاق، وبمكارم الخصال، والله تعالى أعلى وأعلم.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان