ما حكم العمل بالتوقيت الصيفي والشتوي؟
ما حكم المعمول به من تغيير التوقيت الصيفي والشتوي بتقديم ساعة من النهار, وعما إذا كان ذلك يعد تدخلا وتغييرًا وتبديلا لخلق الله سبحانه وتعالى؟
تجيب لجنة الفتوى بدار الإفتاء المصرية:
1- من المقرر أن الليل والنهار آيتان من آيات الله تعالى, وقد خلقهما الله لإيجاد التوازن الكوني المتسق مع طبيعة المخلوقات في حركتها وسكونها, قال تعالى: {لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ}.. [الإسراء : 12]، وقال عز وجل: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا * وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا}.. [النبأ: 10، 11], وهذا الخلق الرباني المحكم لا يقدر على تغييره أحدٌ، ولا يمكن لمخلوق أن يعبثَ بنظامه, فهو آيةٌ من الآيات التي استقلت بإيجادها يدُ القدرة الإلهية.
2- أما التوقيت فهو تحديد الوقت وبيان مقداره, وهذا أمرٌ يتعلق بفعل البشر، ولذلك اختلف وتنوع من حضارة لأخرى؛ ففي الحضارة الإسلامية واليهودية كان التوقيت غروبيًّا يبدأ فيه عدُّ ساعات اليوم من الغروب, والليل يسبق فيه النهارَ, وعند البابليين القدماء كان شروق الشمس يمثِّل بدايةَ اليوم, أما التوقيت الزوالي الذي يبدأ فيه اليوم عند منتصف الليل فمأخوذٌ عن المصريين القدماء والرومان, وهو النظام الذي يسير عليه العالم اليوم.
3- وهذا التوقيت الذي هو من فعل البشر فيه مساحة قطعية أجمع عليها البشر، وقام عليها نظام حياتهم وتعاملاتهم كأيام الأسبوع مثلا, فلا يسوغ لأحد تغييرُها أو تبديلُها, وفيه مساحةٌ أخرى أجمع عليها المسلمون وتعلقت بها عباداتهم ومعاملاتهم، فصارت محاولةُ تغييرها أمرًا ممنوعًا يخل بالنظام العام عند المسلمين, كمسألة النسيء التي فعلها المشركون وغيروا بها مكان الأشهر الحرم وأنكرها الله تعالى عليهم في سورة التوبة الآية رقم 37.
4- وهناك مساحةٌ في التوقيت للنظر فيها مجال، وللرأي فيها متسع ما دام أنها لا يتعلق بها اختلالٌ في عبادة ولا اضطرابٌ في نظام؛ كتحديد مبدأ اليوم ومنتهاه، ولذلك سار المسلمون على
التوقيت الزوالي تبعًا لأهله الذين يسيرون عليه, ولم يكن في ذلك خروجٌ عن الدين الإسلامي ولا تغييرٌ لخلق الله تعالى, مع كون التوقيت الغروبي هو الأنسب لعباداتهم وتعاملاتهم حينًا من الدهر.
5- ولما كان كل من الليل والنهار في الأصل اثنتي عشرة ساعة, لكن يزيد وينقص باعتبار تغير فصول السنة, سمى علماءُ الفلك والميقات المسلمون هذه الحالة القياسية بالساعات الآفاقية، وعليها حملوا قول النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-: «يَوْمُ الْجُمُعَةِ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَاعَةً» رواه أبو داود والنسائي، وصححه الحاكم من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما. وسموا ساعات الليل والنهار التي زادت عن ذلك أو نقصت بالساعات التعديلية, واختلفوا كذلك في المراد من ساعات التبكير يوم الجمعة, وإن كان الحديث السابق يرجح المقصود, ولم يكن هذا الاختلاف بينهم موجبًا لشيء من الحرج أو الإثم.
6- ومما نرى للرأي فيه مجالا مسألةُ التوقيت الصيفي هذه بتقديم الوقت القياسي ساعة لفترة معينة، فإنها من الأمور الاجتهادية التي يناط اتخاذُ القرار فيها بالمصلحة التي يراها أولو الأمر وأهلُ الحل والعقد في الأمة, حتى ولو كان الإنجليز هم الذي بدؤوا العمل بها، فإن مجرد ذلك لا يجعله خطأً أو حرامًا إلا إذا ثبت أنه يفوِّت مصلحةً معتبرةً على الأمة, فإذا لم يثبت ذلك فلولي الأمر الحقُّ في الإلزام بذلك, ولا يكون فعلُه هذا تغييرًا لخلق الله ولا تعديًا لحدود الله.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
فيديو قد يعجبك: