افتتاح المجالس والمؤتمرات والاحتفالات بقراءة القرآن.. هل هو بدعة؟
كتبت – آمال سامي:
اختلفت الآراء الفقهية حول مشروعية افتتاح المجالس الرسمية والمؤتمرات بتلاوة القرآن، فاعتبرها البعض بدعة لأنه لم يرد بها نص فلا يجوز أن تصبح عادة مادامت ليست من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وتبنى هذا الرأي فريق من العلماء على رأسهم الشيخ السعودي محمد بن صالح العثيمين ، بينما رآها البعض الآخر أمرًا مشروعًا لعموم الأدلة على استحباب قراءة القرآن بشكل عام، وعلى رأس هؤلاء دار الإفتاء المصرية.. وفي التقرير التالي يعرض مصراوي فتوى الفريقين بالتفصيل لبيان الأدلة التي استدل عليها أصحاب الرأيين:
من يرى بدعية افتتاح المجالس والاحتفالات بقراءة القرآن
سئل الشيخ عبدالرزاق عفيفي - رحمه الله -عضو هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية: عن حكم قراءة القرآن جهرا في المحافل والمجامع كحفلات الزواج.
فقال: "هذا من البدع؛ حيث لم يرد فيه نص؛ فلا يتخذ عادة ويجوز فعله أحيانا، وأنا اختلفت مع هيئة كبار العلماء عندما افتتحوا بتلاوة القرآن الكريم قلت: هذا بدعة؛ ما حصل هذا من الرسول (صلى الله عليه وسلم) ومجالسة كثيرة، وهو الامام المقتدى به، أما إذا كانت موعظة مشتملة على آيات من القرآن فما عليه حرج".
أما ابن العثيمين فيقول: "لا أعلم في هذا سنة عن رسول الله صلى الله عليه سلم، أما اتخاذ افتتاح الندوات والمحاضرات بآيات من القران الكريم دائمًا كأنه سنة مشروعة فهذا لا ينبغي" .
وأرجع ابن العثيمين سبب بدعية ذلك أنه لا ينبغي أنه لا يتخذ ذلك سنة دائمة؛ لأن البدء بالقرآن الكريم عبادة، والعبادة تحتاج إلى توقيفٍ من الشرع، "ولا أعلم أن الشرع سن للأمة أن تبتدئ خَطَابتها ومحاضراتها بالقرآن الكريم".
لكن من جهة أخرى، أفتى ابن العثيمين بجواز القراءة في حال كانت آيات القرآن الكريم المتلوة متعلقة بموضوع المحاضرة أو الاحتفال، فإذا كانت المحاضرة عن الصيام، فيقوم أحد الناس يقرأ آيات الصيام قبل بدء المحاضرة أو تكون المحاضرة في الحج، فيقوم أحد ويقرأ آيات الحج، قائلًا: "إن هذا لا بأس به؛ لأنه مناسب فهو كالتقدمة لهذه المحاضرة التي تتناسب مع هذه الآيات"
رأي دار الإفتاء المصرية
كان سؤال ورد إلى دار الإفتاء المصرية يقول: كثيرًا ما نقرأ الفاتحة في استفتاح الدعاء أو ختامه، أو في قضاء الحوائج، وكذلك في مجالس الصلح التي تحدث بالقرية نطلب في بداية الجلسة قراءة الفاتحة، فينكر علينا بعض أئمة المساجد ويقولون إن هذا بدعة، فهل هذا بدعة؟
في فتوى بحثية لدار الإفتاء بتاريخ 13 يونيو 2012 أجابت على السؤال قائلة بشكل جازم إن قراءة الفاتحة في بداية المجالس أو استفتاح الدعاء أو قضاء الحوائج وغيرها من الأمور أمر مشروع، لمشروعية قراءة القرآن بشكل عام، وذكرت الفتوى أن من الأدلة العامة التي تدل على مشروعية ذلك كقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ}.. [فاطر : 29]، وكقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «اقْرَؤُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لِأَصْحَابِهِ» رواه مسلم من حديث أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه.
إلى غير ذلك من النصوص المطلقة. ومن المقرر في علم الأصول أن الأمر المطلق يقتضي العموم البدلي في الأشخاص والأحوال والأزمنة والأمكنة، وإذا شرع الله تعالى أمرًا على جهة العموم أو الإطلاق فإنه يؤخذ على عمومه وسعته ولا يصح تخصيصه ولا تقييده بوجه دون وجه إلا بدليل، وإلا كان ذلك بابًا من أبواب الابتداع في الدين بتضييق ما وسَّعَه الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم.
وأضافت الفتوى أن ترك النبي صلى الله عليه وسلم لفعل أمر ليس دلالة على عدم مشروعيته أو بدعية حدوثه، فتقول :كما أن فِعْلَ النبي صلى الله عليه وآله وسلم لبعض أفراد العموم الشمولي أو البدلي ليس مُخَصِّصًا للعموم ولا مُقَيِّدًا للإطلاق طالَما أنه صلى الله عليه وآله وسلم لم ينه عما عداه، وهذا هو الذي يعبر عنه الأصوليون بقولهم: "الترك ليس بحجة"؛ أي أن ترك النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأمر ما لا يدل على عدم جواز فعله، وهو أمر متفق عليه بين علماء المسلمين سلفًا وخلفًا، حتى إن العلّامة ابن تيمية الحنبلي رحمه الله -مع توسُّعِه في مفهوم البدعة المذمومة- قد فهم هذا المعنى في تعبده؛ فكان يجعل الفاتحة وِردًا له، فقد نقل عنه تلميذه أبو حفص البَزّارُ في كتابه "الأعلام العَلِيّة في مناقب ابن تيمية" أنه كان يقرأ الفاتحة ويكررها من بعد الفجر إلى ارتفاع الشمس. ولو كان الترك حجةً لعُدَّ بفعله هذا مبتدعًا مخالفًا للسنة، ولكن لما كان أمر الذكر والقراءة على السعة، وكانت العِبرة فيه حيث يجد المسلم قلبه، كان هذا الفعل جائزًا شرعًا.
فيديو قد يعجبك: