هل من مات بعد معركة شهيد يصلى عليه دون غُسل؟.. الإفتاء تجيب
كتب ـ محمد قادوس:
ورد سؤال إلى بوابة دار الإفتاء يقول: "هل من مات بعد المعركة متأثرًا بجراحه يأخذ أحكام الشهيد الدنيوية من حيث ترك تغسيله والصلاة عليه؟" أجابت عنه لجنة الفتوى قائلة:
عَرّف الإمام التقي السبكي الشهادة بأنها: [حالةٌ شريفةٌ تحصل للعبد عند الموت، لها سببٌ وشرطٌ ونتيجةٌ، عرفت من نصّ الشّارع على محالّها وآثارها، واستنبط من ذلك عللها الموجبة لضبطها وأسبابها وشروطها] اهـ. انظر: "فتاوى السبكي" (2/ 339، ط. دار المعارف).
وأضافت لجنة الفتوى أن الشهادة نوعان: شهادة حقيقية، وشهادة حكمية.
فالشهادة الحقيقية: ينالها المسلم إذا مات بسبب قتال الكفار حال قيام القتال في حرب مشروعة.
وهذا يحرم تغسيله والصلاة عليه ولو كان جنبًا أو حائضًا أو نفساء؛ ودليل ذلك: ما رواه البخاري عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب واحد، ثم يقول: «أَيُّهُمْ أَكْثَرُ أَخْذًا لِلْقُرْآن؟»، فإذا أشير له إلى أحدهما قدمه في اللحد، وقال: «أَنَا شَهِيدٌ عَلَى هَؤُلَاءِ يَوْمَ القِيَامَة»، وأمر بدفنهم في دمائهم، ولم يغسلوا، ولم يصلّ عليهم.
وفي رواية "المسند": قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيهم: «لَا تُغَسِّلُوهُمْ؛ فَإِنَّ كُلَّ جُرْحٍ -أَوْ كُلَّ دَمٍ- يَفُوحُ مِسْكًا يَوْمَ الْقِيَامَة»، ولم يصلّ عليهم.
والحكمة في ذلك: إبقاء أثر الشهادة عليهم، والتعظيم لهم؛ باستغنائهم عن دعاء القوم. انظر: "أسنى المطالب" لشيخ الإسلام زكريا الأنصاري (1/ 314، ط. دار الكتاب الإسلامي).
وصاحب هذه الشهادة: إما أن يكون شهيدًا في الدنيا والآخرة إذا كان يقاتل الأعداء لإعلاء كلمة الله تعالى، وإما أن يكون شهيدًا في الدنيا فقط إذا كان قتاله الأعداء لمطلب دنيوي؛ كالرياء مثلًا.
وأما الشهادة الحكمية: فصاحبها يكون شهيدًا في الآخرة فقط، وهو يخالف الشهيد الأول والثاني في: أنه يُغَسَّل ويصلى عليه، بخلاف الأولين، وأجره على الله، وأقسام هذا النوع كثيرة جاء التنبيه عليها في عدد من الأحاديث النبوية؛ منها: ما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «الشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ: المَطْعُونُ، وَالمَبْطُونُ، وَالغَرِقُ، وَصَاحِبُ الهَدْمِ، وَالشَّهِيدُ فِي سَبِيلِ اللهِ».
وليس كل من مات من المسلمين في معركة يكون شهيدًا، بل لا بد أن تكون هذه المعركة مع من يشرع قتالهم من الكفار؛ لأن هذه هي موارد النصوص الشرعية.
وعليه: فإن من مات بعد معركةٍ بين المسلمين وغيرهم متأثرًا بجراحه لا يعتبر شهيدًا، بمعنى أنه لا يترك تغسيله ولا الصلاة عليه، وأجره على الله.
أمَّا من مات في قتالٍ وكان من أهل العدوان؛ كقاطع طريق، أو كان من البغاة، أو من طوائف الخوارج الذي يقاتلون المسلمين ويكفرونهم ويستحلون دماءهم؛ فليس شهيدًا، ولا كرامة؛ لا في الدنيا ولا في الآخرة.
فيديو قد يعجبك: