"حتى ولو على حساب المساجد".. المفتي: الفقهاء أباحوا إزالة الأشجار وتوسيع الطرقات عند الحاجة
كتب- محمد قادوس:
ما حكم قطع الأشجار للتوسيع في الطريق العام؟.. سؤال تلقته دار الإفتاء المصرية، أجاب عليه فضيلة الدكتور شوقي إبراهيم علام ، مفتي الجمهورية، مؤكدا أن قطع الأشجار وإزالتها لأجل التوسيع في الطرق العامة أمرٌ لا حرج فيه شرعًا ما دام الناس في حاجة إلى ذلك، وكان توسيعها أمرًا محققًا للمصلحة العامة، ويكون هذا بإذن الجهات المختصة.
وأكد علام، في بيان فتواه عبر بوابة الدار الرسمية، أن الإسلام قد أمر بكل ما يعمر الأرض وينفع ساكنيها؛ قال الله سبحانه وتعالى: ﴿هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ﴾ [هود: 61]. قال الإمام النسفي في "مدارك التنزيل وحقائق التأويل" (2/ 69، ط. دار الكلم الطيب، بيروت): [﴿وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا﴾ وجعلكم عُمَّارها وأراد منكم عمارتها] اهـ..
وأضاف علام أن الأشجار والنباتات وغيرها مما ينفع الإنسان من جملة الأشياء التي عمّر اللهُ سبحانه وتعالى بها الأرض؛ ولذلك وصف اللهُ تعالى التعدي عليها بالفساد الذي لا يقبله؛ فقال تعالى عن المفسدين: ﴿وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ﴾ [البقرة: 205].
وأوضح فضيلة المفتي أن الشرع الشريف قد نهى عن الاعتداء على الأشجار وغيرها مما تُنبت الأرض؛ لما تحققه من المنافع المتعددة من نحو الاستظلال بها أو الانتفاع بثمارها إن كانت مما يثمر وغير ذلك؛ كما جاء فيما رواه أحمد عن ثوبان رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «مَنْ قَتَلَ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا، أَوْ أَحْرَقَ نَخْلًا، أَوْ قَطَعَ شَجَرَةً مُثْمِرَةً، أَوْ ذَبَحَ شَاةً لِإِهَابِهَا لَمْ يَرْجِعْ كَفَافًا».
وبين علام بأنه من المقرر شرعًا "أن المصالح العامة مقدمة على المصالح الخاصة"، لما كان الأمر كذلك استثنت الشريعةُ من هذا إزالة الأشجار وغيرها إن كانت المصالح العامة تقتضي ذلك، لا سيما إن كانت هذه المصلحة مما يشترك في الانتفاع بها عامة الناس ؛كنحو مد وتوسيع الطرقات وبناء المستشفيات وغير ذلك.
واستشهد المفتي بأنه يؤيد ذلك ما فعله صلى الله عليه وآله وسلم من قطع النخل الذي كان في محل المسجد النبوي؛ لأجل بناء المسجد وتوسعته؛ وهذا رواه البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قدم النبي صلى الله عليه وآله وسلم المدينة فنزل أعلى المدينة في حي يقال لهم بنو عمرو بن عوف، فأقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيهم أربع عشرة ليلة، ثم أرسل إلى بني النجار، فجاءوا متقلدي السيوف كأني أنظر إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم على راحلته، وأبو بكر ردفه وملأ بني النجار حوله حتى ألقى بفناء أبي أيوب، وكان يحب أن يصلي حيث أدركته الصلاة، ويصلي في مرابض الغنم، وأنه أمر ببناء المسجد، فأرسل إلى ملإ من بني النجار فقال: «يَا بَنِي النَّجَّارِ، ثَامِنُونِي بِحَائِطِكُمْ هَذَا»، قالوا: لا والله لا نطلب ثمنه إلا إلى الله، فقال أنس رضي الله عنه: فكان فيه ما أقول لكم قبور المشركين، وفيه خرب وفيه نخل، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقبور المشركين، فنبشت، ثم بالخرب فسويت، وبالنخل فقطع، فصفوا النخل قبلة المسجد وجعلوا عضادتيه الحجارة، وجعلوا ينقلون الصخر وهم يرتجزون والنبي صلى الله عليه وآله وسلم معهم، وهو يقول: «اللَّهُمَّ لَا خَيْرَ إِلَّا خَيْرُ الآخِرَهْ، فَاغْفِرْ لِلْأَنْصَارِ وَالمُهَاجِرَهْ».
وإن توسيع الطرقات العامة على حساب ما يجاورها أمرٌ مستقرٌّ عند فقهاء الأمة، فقد تكلموا في نظيرات هذه المسألة؛ فإنهم أباحوا أن تُوسع الطرقات العامة عند الحاجة لذلك حتى ولو على حساب المساجد، لأن الأصل أن كليهما لخدمة الإنسان؛ ولأن الطرقات خصوصًا في هذا الوقت الشديد الازدحام أصبحت من الضرورات التي يحتاج الناس إليها؛ قال العلامة الموصلي الحنفي في "الاختيار لتعليل المختار" (3/ 45، ط. الحلبي): [(رباط استغني عنه يصرف وقفه إلى أقرب رباط إليه)؛ لأنه أصلح.. (ولو ضاق المسجد وبجنبه طريق العامة يوسع منه المسجد)؛ لأن كليهما للمسلمين، نص عليه محمد (ولو ضاق الطريق وُسِّع من المسجد)؛ عملًا بالأصلح] اهـ. وقال الشيخ الخرشي المالكي في "شرح مختصر خليل" (7/ 95، ط. دار الفكر للطباعة، بيروت): [(ش) تقدم أن الحبس لا يجوز بيعه ولو صار خربا إلا العقار في هذه المسألة وهي ما إذا ضاق المسجد بأهله واحتاج إلى توسعة وبجانبه عقار حبس أو ملك فإنه يجوز بيع الحبس لأجل توسعة المسجد وإن أبى صاحب الحبس أو صاحب الملك عن بيع ذلك فالمشهور أنهم يجبرون على بيع ذلك ويشترى بثمن الحبس ما يجعل حبسًا كالأول ومثل توسعة المسجد توسعة طريق المسلمين ومقبرتهم] اهـ.
وإذا كان الحال هكذا بالنسبة للمساجد فإنه إنما يكون في الأشجار من باب أولى؛ وذلك لأن الغرض الأسمى للشريعة هو تحقيق المصالح العامة لجميع الناس
ومما يجب التنبه إليه أن الأشجار الموجودة في الطرقات من الأملاك العامة التي لا يجوز لآحاد الناس التعرض لها، وأن ذلك إنما هو من شأن مؤسسات الدولة المعنية بذلك؛
وبناءً على ذلك فأكد فضيلة المفتي أن قطع الأشجار وإزالتها لأجل التوسيع في الطرق العامة أمرٌ لا حرج فيه شرعًا ما دام الناس في حاجة إلى ذلك، وكان توسيعها أمرًا محققًا للمصلحة العامة، ويكون هذا بإذن الجهات المختصة.
اقرأ أيضاً..
- خالد الجندي: نعيش أزمة تقديم المصلحة الخاصة على المصلحة العامة
- أمين الفتوى لمصراوي: يجوز هدم المسجد الذي بني على أرض مغصوبة ولا تجوز الصلاة فيه
فيديو قد يعجبك: